عبد الحميد الجابري

1280 ـ 1370 هـ

1864 ـ 1951 م

الشيخ عبد الحميد بن الحاج صديق بن عبد القادر بن مصطفى بن أحمد الجابري، وأحمد هذا هو أول من عرف بالجابري، وذلك نسبة إلى القاضي جابر جده لأمه. 

عالم عامل، ووجيه فاضل، وأديب شاعر، له مشاركة في أحوال الأمة الاجتماعية والأدبية والسياسية.

ولد الشيخ المترجم له في بيت علم وأدب وثراء وحسب، ونشافي بيت والده الوجيه الأديب الشاعر الحاج صديق أفندي الجابري، الذي كان (منزله مجمع الفضلاء وسوق عكاظ الأدباء، لما يرون فيه من حسن المذاكرة، ولطف المحاورة، مع رأي صائب، وفكر ثاقب يرجع إليه في المهمات، ويشاور في النائبات، فيجد الناس لديه مخرجاً ومن ضيقهم فرجاً)( )، في هذه البيئة العلمية الأدبية نشأ المترجم له، وتلقى مبادئ القراءة والكتابة، وتلاوة القرآن الكريم وتجويده وحفظ بعضه في أحد كتاتيب المدينة، كما حفظ في هذا الكُتّاب بعض المتون في الفقه والعربية، وكثيراً من الشعر العربي قديمه وحديثه، ثم راح يحضر مجالس العلماء، ويستمع إلى مساجلاتهم في بيت والده، ويبدو أن والده قد وكل به بعض العلماء، ليشرفوا على تعليمه، ويلقنوه العلوم العربية والشرعية والمنطق والتاريخ وغيرها، فتخرج بهم عالماً وبوالده وأخيه( ) شاعراً مجيداً، ثم انصرف إلى المطالعة، وقراءة الكتب في مختلف العلوم والفنون حتى استوى عالماً، وأتقن علوم اللغة العربية واللغة التركية، وذاع صيته في مدينة حلب أديباً فاضلاً، وبدأت تنهال عليه الرتب والوظائف، فكان:

1- عضواً في لجنة الأوقاف التي شكلها مجلس إدارة الولاية، بتاريخ 25 آب 1909م، من أجل تدقيق النظر في الوثائق الشرعية، التي بيد متولي الأوقاف والتحقيق عن أسماء الواقفين، ومعرفة صحة الموقوفات وتصفح حسابات المتولين وإصلاح المعاملات، وكانت هذه اللجنة برئاسة محمد باشا مخزومي، مفتش أوقاف ولاية (حلب).(1)

2- عضواً في محكمة الحقوق.

3- عضواً في محكمة الاستئناف، ثم وبقرار من مجلس الشورى المنعقد عام 1918م، تم توحيد محكمتي الحقوق الاستئناف، وعين الشيخ بشير الغزي رئيساً لها، والشيخ عبد الحميد الجابري (المترجم له) عضواً فيها.(2)

4- عضواً في المجمع العلمي العربي في دمشق، لدى افتتاح فرعه في مدينة حلب، في شهر تشرين الثاني من عام: 1925م(3)، وشارك مع زملائه أعضاء المجمع في تنظيم خزانة الكتب الحلبية (نواة المكتبة الوطنية).(4)

وكان للشيخ المترجم له مشاركة فعالة مع عدد من إخوانه العلماء في الدعوة إلى النهوض بالتعليم الشرعي، الذي دعا له الشيخ محمد راغب الطباخ، والذي يقوم على تجميع المدارس الوقفية، ووضع نظام موحد لها يعتمد على تنظيم الدروس فيها، وإدخال بعض العلوم العصرية في مناهجها.(5)

والشيخ عبد الحميد عالم مفكر، له باع طويل في الأدب والاجتماع والتاريخ والسياسة، وسائر أنواع الثقافة العربية، فقد كان يكتب أبحاثه وينشرها في عدد من الصحف والمجلات الحلبية كمجلة (الجامعة الإسلامية)، التي أنشأها صديقه الشيخ محمد علي الكحال، ومجلة (الاعتصام) وغيرها، كما رأس تحرير جريدة (حقوق البشر)، وهي جريدة أسبوعية اجتماعية، صدر العدد الأول منها في الثاني من شهر جمادى الأول، سنة: 1337هـ، كتب المترجم المقال الافتتاحي فيه( ) وكان بعنوان (تأسيس الجريدة).(6)

ورغم انشغال المترجم له بأعمال القضاء واللجان المختلفة، التي كان يشترك فيها، فقد ترك عدداً من المؤلفات في اللغة العربية والتركية، وقد ضاع أكثر ما ألفه باللغة التركية.

أما مؤلفاته باللغة العربية فهي:

1- مبدأ في بيان ارتباط التمدن بدين الإسلام، طبع في بيروت عام: 1930 م، (80) صفحة، وفيه يرد المؤلف على الذين يدّعون أن المنهج الإسلامي، لا ينطبق على قواعد التمدن.

2- تلقي علم الدين وتقصيرنا فيه، انحطاطنا وتلافيه، طبع في حلب 1930م، يقع في (22) صفحة من القطع الكبير، وخلاصته: أن الجابري يرى أن المسلمين قد أهملوا روح دينهم، وتمسكوا بالقشور، حتى صاروا يرون كتباً مملوءة بأحكام هيئات المصلين وأوضاعهم، وليس لدارسي هذه الكتب، صلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وهذه علة انحطاطهم الحاضر وتدهور حالهم، وإن اقتفاء سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وسيرة أصحابه الكرام رضي الله عنهم، ولا سيما خلفائه الراشدين، كفيل بأن يعيد الأمة إلى مستواها المجيد.

3- رسالة في إباحة أكل اللحوم.

4- رسالة في المقصود من الدين.

ومن آثاره المخطوطة:

1- شرح كتاب المرأة الجديدة، لقاسم أمين.

2- دعوة المتدينين لتلافي الانشقاق في الدين، وهي رسالة حاول فيها المؤلف التوفيق بين الصوفيين والسلفيين (الوهابيين) بشكل رفيق.

3- ماذا يعلمنا التاريخ من شقاء الأمة وسعادتها.

4- كتاب تاريخ، مخطوط، يبحث في تاريخ سورية منذ دخول الفرنسيين إليها، ممتداً إلى عام 1940م، لكنه مفقود وهو دراسة اجتماعية وسياسية شاملة.(7)

5- رسالة البيان في النحو، كراس مخطوط، يقع في (45) صفحة من الحجم المتوسط.

6- كراس في مدح النبي صلى الله عليه وسلم، مخطوط.

7- ديوان شعر.

8- مجموعة خطية ضمت قصائد صوفية وأشعار متفرقة، من نظمه وجمعه، وضمت أيضاً، مجموعة من الآيات التي تشير إلى الوعد بالجزاء الدنيوي، والتخويف من العذاب العاجل، والآيات الواردة في أهل الكتاب.

9- بالإضافة إلى عشرات الأبحاث والمقالات التي نشرها في الصحف والمجلات الحلبية، التي كانت تصدر في عصره، سيما مجلة (الجامعة الإسلامية)، ومجلة (الاعتصام) الحلبيتين.

وللمترجم له أشعار حسنة جميلة جمعها في ديوانه، وفي بعض مجاميعه نذكر منها هذه الأبيات:

أحتى الآن تعروك الشجون= وتشجيك المباسم والعيون

ألا ينهى نهاك عن التصابي= وتعلم أن من يصبو يهون

نعم لي قلب ذو شجن ألوف= على حب الهوى أنى يكون

تسير به الصبابة حيث شاءت= وفيه لكل طارقة سكون

أهيم بكل حسن قد تبدى= وللحسن المظاهر والشؤون

فإن لم تفضل الشعراء معنى= فسر الحسن بعد هو المصون

ومهما جاذبت لبي فنون الـ= جمال له إلى الأسمى ركون

وحسن الخلق أسمى كل حسن= وحب الفضل أشرف ما يكون

وفي نهاية حياته أعلن الشيخ المترجم له عزمه على التوقف عن قول الشعر وقرضه، في قصيدة نشرها في مجلة (الجامعة الإسلامية)(8)، يقول فيها:

غادرت قول الشعر منذ كهولتي= وخبا شعاع قريحتي وخيالي

والبئر إن هُجرت يشح غديرها= والنصل يصدأ باتقاء نضال

والعين غيضَ معينها إن أهملت= ويجف درُّ الظئر بالإهمال

ومن اهتدى للجد في الأعمال= أصبح قائلاً: ما للقريض ومالي؟

لا شأن لي بالفخر ولا المديح= ولا الهجاء ولا بوصف جمال

إلى أن ختمها بقوله:

فالنقص لازم من تسمَّى شاعراً= والشعر دوماً صنعة البطال

امتاز الشيخ المترجم له بالذكاء، وبعد النظر والتروي في القضاء، كما امتاز بسعة العلم والمعرفة، والجرأة في قول الحق والدفاع عنه، والإخلاص في القول والعمل، وحبه لإخوانه وأصدقائه، وكان صديقه الشيخ محمد راغب الطباخ يكثر من ذكره والثناء عليه، ولا يذكره إلا بقوله: (صديقنا الفاضل الأديب)(9)، أما صديقه الشيخ محمد علي الكحال، فهو يثني عليه بقوله: (حضرة الأستاذ الكبير الشيخ عبد الحميد الجابري، الحكيم المفكر والعلامة المدقق من أفذاذ رجالات حلب الشهباء).

وعندما أدركته الوفاة رثاه عدد من العلماء والأدباء، ومما قاله فيه صديقه الشيخ محمد علي الكحال: (رحل إلى دار البقاء هادي الزعماء والقادة، ومرشد المصلحين العالم المفكر الشيخ عبد الحميد الجابري عميد آل الجابري الكرام، وقد كان رحمه الله من خيار العلماء العاملين، ومن خيار المناضلين الجريئين، الذي كان يعمل للإسلام والعروبة والوطن بإخلاص وتفكير عميق، وقد ناهز التسعين ولم يخبو تفكيره ولا نشاطه، حتى إنه في آخر ساعات حياته كان ينظم الشعر، ويذيع البحوث الرائعة في نصح الأمة وهداية ساستها والمسؤولين فيها).(10)

وكانت وفاة الشيخ مساء يوم الثلاثاء، الواقع في السادس والعشرين من ذي القعدة، سنة: سبعين وثلاثمئة وألف للهجرة النبوية الشريفة، المصادف للثامن والعشرين من شهر آب عام: واحد وخمسين وتسعمئة وألف للميلاد، وكان يوم وفاته يوم حزن وألم عمّ المدينة بأسرها، وشيع بجنازة حافلة إلى مثواه الأخير في مقبرة الصالحين. - رحمه الله -

ـ الشيخ عبد الحميد الجابري يترأس اجتماعاً لكبار رجالات حلب الوطنيين وعلمائها ـ

المصادر والمراجع

1- إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء، للشيخ محمد راغب الطباخ.

2- الحركة الفكرية في حلب في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين الميلادي، للأستاذة عائشة عبد القادر دباغ الحلبية. 

3- أدباء حلب ذوو الأثر في القرن التاسع عشر الميلادي، للأستاذ قسطاكي حمصي الحلبي.

4- حلب في مئة عام، لمحمد فؤاد عنتابي ونجوى عثمان.

5- لقاءات ومشافهات مع عدد من أساتذتنا نذكر منهم: الشيخ محمد زين العابدين الجذبة، والأستاذ الشيخ أحمد قلاش، رحمهما الله.

الحواشي:

(1) إعلام النبلاء 7/472.

(2) محمد نصوح الجابري 1277 ــ 1324 هـ، أديب شاعر من وجهاء حلب وأسر يائها، وانظر ترجمته في إعلام النبلاء 7/496.

(3) حلب في مئة عام 2/76.

(4) حلب في مئة عام 2/178.

(5) كان من زملاء المترجم في عضوية المجمع في مدينة حلب: الشيخ محمد راغب الطباخ، والشيخ عبد الحميد الكيالي والشيخ كامل الغزي، والشيخ بدر الدين النعساني، والأساتذة جرجس شلحت، وقسطاكي حمصي، وميخائيل الصقال، وجرجس منش. عن مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق، المجلد السادس، كانون الثاني 1926م.

(6) المصدر السابق، المجلد الخامس كانون الثاني 1925م.

(7) لاقت هذه الدعوة معارضة شديدة من بعض العلماء في ذلك الوقت، مما أدى إلى إجهاضها قبل أن تولد، وعندي صورة عن نص هذا النظام الذي وضعه الشيخ محمد راغب الطباخ بخط يده، وجدتها عند ولده الأستاذ محمد يحيى، وانظر تفصيل ذلك في كتابي التعليم الشرعي ومدارسه في حلب في القرن الرابع عشر (المؤلف) .

(8) صدر من هذه الجريدة أربعة أعداد، في العدد الرابع مقال افتتاحي للشيخ عبد الحميد الجابري، بعنوان: (ماذا يعلمنا التاريخ) عن حلب في مئة عام 2/209.

(9) المرجع السابق.

(10) ألف ابنه الدكتور عمر عبد الحميد الجابري كتاب بعنوان (سورية تحت الانتداب)، وهو أطروحته لنيل درجة الدكتوراه وهو بحث موجز عن أوضاع سورية في عهد الانتداب من الوجهتين السياسية والاقتصادية باللغة الفرنسية، أهـ عن حلب في مئة عام 3/166. قلت: لعل الابن استفاد من كتاب والده هذا (المؤلف).

(11) العدد 341 من السنة الثانية والعشرين عام 1950م.

(12) ترجم الشيخ محمد راغب الطباخ لأكثر من عشرة رجال من آل الجابري، منهم: القاضي والمفتي والأديب والوجيه، وقد خلف المترجم له ثلاثة أولاد ذكور، وهم: عمر وظهير وخالص الجابري، وكلهم أعلام لهم شأنهم في مدينة حلب.

(13) مجلة الجامعة الإسلامية الأعداد 382 ــ 385 السنة الثانية والعشرين عام 1951 م.