عبد العزيز بن جبر أبا زيد - العالم العامل
الشيخ عبد العزيز بن جبر أبا زيد الأذرعي الشافعي
1327ـ1423
رحمه الله تعالى

بقلم: خالد أبا زيد
ولادته ونشأته :

في عام 1909م ولد الشيخ عبد العزيز بن جبر أبا زيد في مدينة أذْرِعات المشهورة في التاريخ والتي صٌحِّف اسمها من أذرِعات إلى (درعا) نتيجة توالي حكم العثمانيين ثم المستعمرين الفرنسيين.

نشأ في بيئة زراعية، وهي إلى الريف أقرب في تلك الفترة أي قبل مائة عام تقريباً ومن أسرة معروفة في منطقة حوران وما جاورها.

قضى الشيخ طفولته فيها، وأنهى مرحلة التعليم الابتدائي في مدرسة «نموذج درعا» وذلك عام 1922م.
طلبه العلم الشرعي في دمشق:

وفي عام 1928م توجَّه الشيخ إلى دمشق الشام لطلب العلم الشرعي في مدرسة الشيخ الجليل والعالم النبيل المعروف بالشيخ علي الدقر طيَّب الله ثراه.

وكان ذلك في جامع السادات المعروف في أول سوق مدحت باشا في دمشق.

ودمشق قديماً وحديثاً محط رحال العلماء وأُمنية كل طالب علم منذ إشراقة الإسلام الأول وحتى اليوم.

فيها انكبَّ الشيخ على دراسة العلوم الشرعيَّة وعلوم اللغة العربية دراسة مستفيضة ناهلاً من مَعين أساتذته وشيوخه مُزاحماً أقرانهُ في مجالس العلماء، حيث كان يحضر الدرس اليومي للشيخ بدر الدين الحسني محدث دمشق وفقيهها في ذلك الزمن، جاداً في الاستزادة والتحصيل، مدفوعاً بالجدِّ والمثابرة بالإضافة إلى الدروس الراتبة التي يحضرها يومياً في ملاحق جامع السادات وسكن الطلبة.

حتى أتم سبع سنين كُلِّفَ بعدها بالتعليم للطلبة المستجدين لمدة ثلاث سنوات فأتم بذلك عشراً حصل بعهدها على شهادة التعليم والتدريس من الشيخ علي الدقر رحمه الله تعالى .

وفي دمشق كان يشارك إخوانه الطلبة ومشايخه في المظاهرات والاحتجاجات ضد المستعمرين الفرنسيين.
رغبته في الاستقرار بدمشق:

حاول الشيخ أن يستقر في دمشق حيث الجو العلمي والعلماء والبحوث والمحاضرات وطلبة العلم والمكتبات والمخطوطات ، لكن الشيخ علي الدقر أصرَّ عليه بالعودة إلى بلدته درعا للحاجة إلى وجود علماء مثله ليقوموا بالتعليم والدعوة والتوجيه والإصلاح في حوران.

وقال له لما رأى رغبته بالبقاء في دمشق:لن أكون راضياً عنك إذا لم تعد إلى حوران، وأنا أعلمُ مناطق بلاد الشام وأريافها أنها بحاجة إلى أمثالكم.
عودته إلى درعا ونشاطه العلمي والدعوي فيها:

عاد الشيخ إلى درعا عام 1938 وابتدأ في توجيه الناس وتعليمهم حاملاً علومه في صدره جاعلاً من علمه منارةً يوجه بها أبناءَ بلدته وأبناء المنطقة ـ يعلمهم أحكام الإسلام ـ وأُخوَّةَ الدين، والولاء للدين بَدَل الولاء للعشيرة بالإضافة إلى تدريسه مواد اللغة العربية والتربية الإسلامية في مدارس درعا الإعدادية والثانوية ولم ينقطع عن التدريس فيها حتى عام 1967م.

كان إماماً وخطيباً عَرَفه الناس لمدة تزيد عن ستين عاماً في المسجد العمري في درعا القديمة، وفي مسجد المحطة وسط المدينة والذي سُمي بعد وفاته باسمه جامع الشيخ عبد العزيز.
حديثه عن طفولته وذكرياته:

في جلساته ولقاءاته كان يحدثنا عن طفولته ومذكراته.

قال: كنت طفلاً في العاشرة من عمري لما دَخَلت قوات الشريف فيصل بن الحسين إلى درعا تُساندها القوات البريطانية والاسترالية، متَّجهةٌ إلى احتلال دمشق، كان يَحزُّ في نفسي أن تسير القوات البريطانية بجانب الجنود العرب المرافقين لفيصل، ضد العثمانيين المسلمين، والذين حافظوا على وحدة هذه الأمة طيلة 400سنة.

تفرقنا من بعدهم أيدي سبأ، فشكَّلُوا لنا دولاً، ورسموا لنا حدوداً، وكوَّنوا لنا عَلَماً ونشيداً ثم بطاقات وجوازات سفر.

كان يحدثنا بحرارة وحرقة أن يرى الجنود العثمانيين مُجَندلين قتلى بأيدي إخوانهم العرب وبتوجيهٍ من الأجنبي.
رحلته إلى الحج:

حدثنا عن رحلته إلى الحج عام 1360هـ ـ1941م، على الإبل، وقال: خرجنا من درعا في بداية شوال بُعيد عيد الفطر، سرنا جنوباً لم نحمل معنا لا جوازات سفر ولا تأشيرة حج ولا بطاقة شخصية، ولم نكن نعرفها أصلاً، وسرنا في البادية وتُهنا أكثر من مرة في الصحراء، ولم نَهتد للطريق إلا بأعمدة التِّلغراف التي كانت منصوبة في الصحراء من الأستانة إلى دمشق فالمدينة المنورة وحتى مناطق اليمن الجنوبية، وهذه من أَثار بني عثمان، والتي قطع أسلاكها وأحرق أعمدتها (المناضلون العرب) وفَجَّروا العَبَّارات والجسُور التي كانت تسير عليها القطارات من دمشق إلى المدينة المنورة.

كنت صغيراً أجلس مع الكبار، وأسمع منهم أحاديث في السياسة لكن لم أكن أعي تفاصيلها.
معاصرته لرسم حدود سايكس بيكو:

ويتابع ذكرياته قائلاً:« كانوا يتحدثون أنَّ حدوداً قد رُسمت، وأن درعا قد دخلت ضمن دولة اسمها سوريا، ورسموا لها حدوداً: من رسمها كيف... لماذا...؟!!

أسئلة لم أكن أجد لها تفسيراً في حينها.

وأن الرمثا القريبة منَّا قد أصبحت ضمن دولة اسمها شرق الأردن، وما كنت أعلم أن التلال القريبة منا ستصبح يوماً حدوداً حديدية بيننا وبين أبناء عُمُومَتنا وأقاربنا؟!!.

من أسقط هذه الحدود من رسمها كيف قَبِل العقلاء من بني قومنا هذا.
سجنه عام 1967:

حدثنا أمام مجموعة كبيرة زُرناه في بيته يوم خروجه من السجن. وكانت قد اقتادته أجهزة المخابرات في الشهر الأول من عام 1967، مع مجموعة كبيرة من علماء دمشق وحلب وحمص وحماه واللاذقية ودير الزور إلى سجن المزة العسكري على إثر مقالٍ كتبه أحد السفهاء الملاحدة في مجلة«جيش البعث» سخر فيه من الذات الإلهية ومن الأديان، ووصف الله سبحانه وتعالى بـ«الدمية» تعالى الله عما يشركون، يومها صاح العلماء صيحة واحدة انتصاراً للحق والدين وردعاً لكل بذيء على عقيدة الأمة، التي صانت وحفظت تاريخ هذه الأمة أمام غزوات الفرنجة الصليبيين والمغول والصفويين.

ولم يفرج عن هؤلاء العلماء إلا في يوم 11/حزيران/1967، يومها سقطت محافظة الجولان كاملة بيد يهود.

قال الشيخ:

جَمَعَنا مدير سجن المزة العسكري في ساحة السجن قال لنا: والله إني خجول أن أرى هذه الوجه الكريمة الطاهرة في المعتقل، وأنا نادم وغفرانكم، أُخرجوا فقد دخل العدو أرضنا ولكن بعد فوات الأوان وقد أصبح المحتل على تخوم دمشق.
نشاطاته الاجتماعية:

والحديث عن الشيخ المجاهد يطول.

فقد حرص منذ بداية حياته الاجتماعية يوم عاد من دمشق إلى درعا على إصلاح ذات البين بين القرى وبين العشائر، وبدأ بتأسيس وبناء المساجد وفي مختلف أحياء المدينة والقرى المجاورة، وذلك من تبرعات أهل الخير في دول الخليج العربية، وكذلك تجار دمشق يعرفون صدقه وأمانته فكانوا يعطونه زكاة أموالهم فيوزعها على الأسر المحتاجة، وكان لديه قوائم طويلة بأسماء الفقراء والأسر المعوزة.

كان متواضعاً يراهُ الناس جميعاً كل يوم في المسجد وفي السوق وفي بيته، وبقي على مدار أكثر من ستين سنة يعطي دروساً في الفقه في مسجد الشيخ خليل في البلدة القديمة بدرعا، ودروساً مستمرة لكتاب شرح ابن عقيل، وكتاب أوضح المسالك في بيته للطلبة والجامعيين منهم خاصَّة.
من أعماله ونشاطاته:

إنشاء ثانوية شرعية للبنين في عام 1984، وسماها ثانوية الإمام النووي تيمُّناً بهذا العالم الإمام العَلم، لتخريج الوعاظ والحفاظ والأئمة، ثم ألحقها بثانوية البنات، تختص بتخريج الواعظات، كما قام ببناء مساجد في جميع أنحاء المدينة، وكان يشرف على كفالة الأيتام ويرأس مجلس إدارتها.

أهم شيء كان يحرص عليه هو التأليف بين العشائر، لأن الخلاف والتنازع حالقة الشعر كما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وفي عام 1986أصبح مفتي محافظتي درعا والسويداء، استمر حتى وفاته، وبقي يتواصل ويفتي ويصلح ويقارب بين المختلفين حتى وافاه الأجل المحتوم في العشر الأواخر من رمضان صبيحة يوم 23رمضان 1423 هـ.

وخرجت جماهير حوران والجولان وعلماء دمشق وإربد والرمثا والمفرق لتوديعه الوداع الأخير في مقبرة البلدة المعروفة بدرعا.

رحمه الله رحمة واسعة وغفر الله له.