ما حكم الحامل والمرض إذا خافتا على أنفسهما من مشقة الصوم؟

نص الاستشارة :

ما حكم الحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهمامن مشقة الصوم؟ أو على أنفسهما وولديهما معاً؟ أو على ولديهما فقط؟

الاجابة

قدَّر الله على المرأة ما لم يحمل الرجل من متاعب الحياة ، فهي تعاني الدورة الشهرية التي كتبها الله على بنات آدم، ومثله حالة الولادة والنفاس .

وقبل الولادة تكون حالة الحمل ، وهي كما صورها القرآن بقوله :[ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا] {الأحقاف:15} . وقال تعالى :[ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ] {لقمان:14} .

إنها حالة الوحم والغثيان والثقل والألم التي تتحملها الأم طوال تسعة أشهر صابرة ، بل سعيدة راضية ، حتى يخرج جنينها ، إلى نور الحياة، وبعد الولادة وما يصحبها من آلام تبدأ مرحلة أخرى، وهي مرحلة الرضاع والفصال التي قد تطول إلى عامين كما قال تعالى :[ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ] {لقمان:14} . وقال : [وَالوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ] {البقرة:233} .

الحامل و المرضع إذا خافتا على أنفسهما من مشقة الصوم ، أو على أنفسهما وولديهما معاً أفطرتا وقضيتا ولا فدية عليهما عند كافة العلماء ، لأن الله سبحانه يقول : [فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ] {البقرة:184} .

وأما إذا خافتا على ولديهما فقط فللعلماء أربعة أقوال:

1 ـ أنهما يفطران ويطعمان ولا قضاء عليهما، وهو قول ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما، ووجه هذا القول أنهما شبيهتان بمن يجهد الصوم مثل الشيخ الكبير .

2 ـ أنهما يفطران ويقضيان ولا فدية عليهما ، وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه، ووجه هذا القول : أن وجوب الفداء شرطه العجز عن القضاء عجزاً لا تُرجى معه القدرة في جميع عمره فلذلك لا يجب الفداء إلا على الشيخ الكبير ومن في حاله، وأما المريض والحامل و المرضع وكل من يفطر لعذر ترجى معه القدرة على القضاء في المستقبل فلا فداء عليهم لفقد شرطه وهو العجز المستديم.

3 ـ أنهما يفطران ويقضيان ويفديان، وهو قول الشافعي وأحمد. وحجة هذا القول قوله تعالى :[ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ] {البقرة:184} . والحامل و المرضع يطيقان الصوم فتجب عليهما الفدية في هذه الحالة يطعما كل يوم مسكيناً .

4 ـ أن الحامل تقضي ولا تطعم و المرضع تقضي وتطعم ، وهو مذهب مالك وقال به الليث بن سعد فقيه مصر.

ووجهة مالك في هذا التفريق : أن الحامل كالمريض ، فإذا خافت على ولدها فهي مريضة فتدخل في عموم الآية، ولأن الحمل متصل بالحامل فالخوف عليه كالخوف على بعض أعضائها، بخلاف المرضع، وأيضاً المرضع يمكنها أن تسترضع لولدها فلذلك أوجب مالك الفدية عليها دون الحامل.

سبب اختلاف الفقهاء في حكمهما

سبب اختلاف الفقهاء في حكم الحامل و المرضع إذا خافتا على ولديهما ترددهما بين المريض وبين الذي يجهده الصوم كالشيخ الكبير ، فمن شبههما بالمريض قال : عليهما القضاء ، لدخولهما في عموم الآية ، والمريض عليه عدة من أيام أخر ، وليس عليه إطعام.

ومن شبههما بالذي يجهده الصوم قال : عليهما الإطعام فقط ، وهما كالشيخ الكبير ، فتدخلان في عموم قوله تعالى :[ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ] {البقرة:184} .

وأما من جمع عليهماالأمرين فيشبه أن يكون قد رأى فيهما من شبه المريض، وعليهما الفدية من جهة مافيهمامن شبه الذين يجهدهم الصوم .

والراجح ـ والله أعلم ـ أن الحامل والمرضع إذا أفطرتا خوفاً على ولديهما فقط ليس عليهما إلا القضاء ولا فدية عليهما، لقوله سبحانه :[ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ] {البقرة:184} .

وقد وجد معنى المرض في الحامل و المرضع فتدخلان في عموم الآية.

وفي حديث أنس الكعبي : إنَّ الله وضع عن المسافر شطر الصلاة، وعن الحامل والمرضع الصوم» رواه النسائي والترمذي ، ولم يذكر بأن عليهما كفارة،

خلاصة آراء الفقهاء:

1 ـ يفطران ويطعمان ولا قضاء عليهما (ابن عمر ) .

2 ـ يفطران ويقضيان ولا فدية عليهما، وهو رأي أبي حنيفة .

3 ـ يفطران ويقضيان ويطعمان، وهو رأي الشافعي وأحمد.

4 ـ الحامل تقضي ولا تطعم و المرضع تقضي وتطعم وهو قول مالك.

قال الأستاذ القرضاوي : والذي أرجحه هو الأخذ بمذهب ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما في شأن المرأة التي يتوالى عليها الحمل والرضاع، وتكاد تكون في رمضان إما حاملاً وإما مرضعاً ، وهكذا كان كثير من النساء في الأزمنة الماضية ، فمن الرحمة بمثل هذه المرأة ألا تكلف القضاء وتكتفي بالفدية ، وفي هذا خير للمساكين .

أما المرأة التي تتباعد فترات حملها ، كما هو الشأن في معظم نساء زماننا والتي قد لا تعاني الحمل والإرضاع ، في حياتها إلا مرتين أو ثلاثاً ، فالأرجح أن تقضي كما هو رأي الجمهور.

إذاً الحكم مبنيٌّ على مراعاة التخفيف ورفع المشقة ، فإذا لم توجد ارتفع الحكم معها ، إذ الحكم موجود مع علته وجوداً وعدماً.


التعليقات