شبهات حول صيام عاشوراء والرد عليها

نص الاستشارة :

شبهات محمد عبد الله نصر ومن شايعه والرد عليها 

الاجابة

 

 

الشبهة الأولى

 

 أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في آخر الرواية: لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع . فمات النبي .. وأن أول الرواية 

(أول ما قدم النبي للمدينة) فذلك يقتضي أن النبي توفي في بداية إقامته في المدينة .. وقد ثبت أنه أقام في المدينة 11 سنة فكيف هذا!!!

الجواب وبالله التوفيق :

 هذه مغالطة كبيرة .. لأن كل من الحديثين حديثا مستقلا

*  نقول أنه لا تعارض بين ما ذكره البتة ، فالنبي صلى الله عليه وسلم صام عاشوراء أول مقدمه المدينة ولم يعزم وقتها على صيام التاسع معه، وظل يصوم العاشر وحده إلى ما قبل وفاته فلمَّا ذكره الصحابة بأن اليهود يعظمونه وقد علموا من سنته أنه يحب مخالفتهم بعدما كان في أول البعثة يوافقهم ، أخبرهم عندها أنه سيصوم التاسع معه ومات قبل مجيء التاسع من السنة التالية , فأي تعارض في هذا ؟!! 

فالحديث الأول كان في أول قدومه للمدينة , وأما الحديث الثاني فقد كان في آخر حياته صلى الله عليه وسلم "

 

وللتوضيح ننقل كلام ابن القيم 

قال ابن قيم الجوزية في زاد المعاد : أنه عليه السلام قال قبل وفاته بعام وقد قيل له إن اليهود يصومونه

  لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع أي (خالفوا اليهود وصوموا يوما قبله أو يوما بعده) أي : معه 

ولا ريب أن هذا كان في آخر الأمر وأما في أول الأمر فكان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء فعلم أن استحبابه لم يترك .

 ْوأيضا رواية الحديث الدالة على وقوع ذلك حين قدم المدينة -هكذا بالإطلاق -، تحتمل أن تكون بعد عودته من حجة الوداع ، وتحتمل عند الهجرة وعلى الوجهين لا إشكال ، أما الأول فظاهر ، وأما الثاني فيكون في أول الأمر مشروعا دون مخالفة اليهود بزيادة التاسع ، ثم خالفهم قبل موته لمناسبة ذلك مع كمال الدين ..الذي بقيت تتنزل أحكامه إلى ما قبيل وفاته .

  الشبهة الثانية

أن سؤال النبي صلى الله عليه وسلم لليهود يستلزم جهله وتعليم اليهود له وهذا تنقيص في حقه !!!!

أولا سؤال النبي لليهود ليس فيه أنه لم يكن معروفا من قبل وأنه تعلم ذلك من اليهود، ﻷن عاشوراء كان معروفاً عند قريش وعند النبي صلى الله عليه وسلم في مكة ، وكانوا يعظمونه ، بل كانوا يصومونه ، وقد صامه النبي صلى الله عليه وسلم معهم ، وكانوا يكسون فيه الكعبة ، فأين الادعاء الباطل أن الرسول صلى الله عليه وسلم تعلم ذلك منهم!!!

عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصُومُ عَاشُورَاءَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُهُ فَلَمَّا هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ فَلَمَّا فُرِضَ شَهْرُ رَمَضَانَ قَالَ : ( مَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ ) .

رواه البخاري ( 1794 ) ومسلم ( 1125 ) – واللفظ له -

عنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَامَهُ وَالْمُسْلِمُونَ قَبْلَ أَنْ يُفْتَرَضَ رَمَضَانُ فَلَمَّا افْتُرِضَ رَمَضَانُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ عَاشُورَاءَ يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِ اللَّهِ فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ )

 ولكن لما شرع رمضان وكان مسبوقا بصيام عاشوراء ، جدد النبي الأمر صلى الله عليه وسلم  بصيامه للدلالة على مشروعيته على وجه الاستحباب، لاسيما وقد جاء مع الحديث زيادة حكم في آخر مرة وهو مخالفة اليهود بمشروعية صيام التاسع ..فسؤاله اليهود عن سبب الصوم لا يدل أنه يجهل ذلك ، فضلا عن أن يدل أنه استقى هذا منهم !! .فهذا وهم طار إلى عقل خرِب ليحبك المؤامرة في الطعن على السنة النبوية .

الشبهة الثالثة 

متابعة اليهود تستلزم أيضا أن النبي أصبح تابعا لا متبوعا فكيف يستقيم !!؟؟؟؟

مما ينبغي أن يعلم أن الله تعالى أذن للرسول عليه الصلاة والسلام في صيامه ، فلما قدم المدينة وجد اليهود يصومونه ، فسألهم عن الحامل لهم على صومه ؟ فقالوا ما ذكره ابن عباس ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( فنحن أحق وأولى بموسى منكم ) ؛ فحينئذ صامه بالمدينة ، وأمر بصيامه ، أي : أوجب صيامه ، وأكَّد أمره ؛ حتى كانوا يُصوِّمون الصغار ، فالتزمه صلى الله عليه وسلم ، وألزمه أصحابه ، إلى أن فُرض شهرُ رمضان ، ثم نُسخ وجوب صومُ يوم عاشوراء ، فقال إذ ذاك :  ( إن الله لم يكتب عليكم صيام هذا اليوم ) ، ثم خَيَّر في صومه وفطره ،  فلم يصم النبي صلى الله عليه وسلم عاشوراء اقتداء باليهود ؛ فإنه كان يصوم قبل قدومه عليهم ، وقبل علمه بحالهم ، لكن الذي حدث له عند ذلك إلزامه والتزامه استئلافًا لليهود ، واستدراجًا لهم ، كما كانت الحكمة في استقباله قبلتهم ، وكان هذا الوقت هو الوقت الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يُحبُّ فيه موافقة أهل الكتاب فيما لم يُنه عنه.

قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله - وعلى كل حال : فلم يصمْه – صلى الله عليه وسلم - اقتداء بهم – أي : باليهود - ؛ فإنه كان يصومه قبل ذلك ، وكان ذلك في الوقت الذي يحب فيه موافقة أهل الكتاب فيما لم ينه عنه . ْ

ومما ينبغي أن يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر به ، ويدخل في ذلك : صيام عاشوراء .

قال الحافظ ابن حجر في الفتح: قَدْ كَانَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بِشَيْءِ وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ فِيمَا يُخَالِف فِيهِ أَهْل الْأَوْثَان ، فَلَمَّا فُتِحَتْ مَكَّة وَاشْتُهِرَ أَمْر الْإِسْلَام أَحَبَّ مُخَالَفَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ أَيْضًا كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ ، فَهَذَا مِنْ ذَلِكَ ، فَوَافَقَهُمْ أَوَّلًا وَقَالَ : نَحْنُ أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ ، ثُمَّ أَحَبَّ مُخَالَفَتهمْ فَأَمَرَ بِأَنْ يُضَافَ إِلَيْهِ يَوْمٌ قَبْله وَيَوْمٌ بَعْدَهُ خِلَافًا لَهُم..

وحتى لايقول القائلون أن سيدتنا عائشة قد تفردت بهذه الرواية ننقل كلام عبدالله بن عباس.

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْدِلُ شَعْرَهُ وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَفْرُقُونَ رُءُوسَهُمْ وَكَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَسْدِلُونَ رُءُوسَهُمْ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بِشَيْءٍ ثُمَّ فَرَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسَهُ رواه البخاري ( 3728 ) .

ومن فقه الإمام البخاري رحمه الله أنه روى هذا الحديث بعد حديثيْ أبي موسى ، وابن عباس رضي الله عنهما في صيام عاشوراء  .

قال أبو العباس القرطبي رحمه الله :

وصوم رسول الله صلى الله عليه وسلم له يحتمل أن يكون بحكم الموافقة لهم عليه ، كما وافقهم على أنْ حجَّ معهم على ما كانوا يحجُّون - أعني : حجته الأولى التي حجها قبل هجرته ، وقبل فرض الحج- ؛ إذ كل ذلك فعل خيرٍ .

الشبهة الرابعة  

أن اليهود خرجوا من المدينة في السنين الأولى الخمس.. فكيف وجدهم النبي وسألهم وتابعهم في آخر حياته !! 

هنا يناقض نصر نفسه ، لأنه قد ذكر أولا أن النبي لما قدم المدينة قابلهم وسألهم وتابعهم .. ثم يسأل ، 

 كيف قابلهم النبي آخر حياته وهم قد خرجوا من المدينة !!؟ 

وللجواب على هذه الشبهة ببساطة 

من الأحاديث التي مرت معنا لا يوجد حديث يدل أن الرسول عندما قابل اليهود قال ( لئن بقيت إلى قابل ﻷصومنه ) حتى يلزم المعارض أنه كان معهم..

بل الذي ورد من الأحاديث أن الصحابة أخبروه أن اليهود تعظم هذا اليوم وهذا لا يستلزم أن اليهود موجودون في المدينة ...

فالنبي صلى الله عليه وسلم قبل وفاته قال: لإن بقيت إلى قابل ...» وقد كان في آخر حياته قد بقي عدد من اليهود حتى انه مات ودرعه مرهونة عند يهودي بل وحتى في زمن عمر كان في المدينة بعض اليهود .

عن أبي موسى الأشعري رضي اللَّه عنه قال: "كان يوم عاشوراء يوماً تعظّمه اليهود، وتتخذه عيداً، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : "صوموه أنتم" . 

وعن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : "لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع" .

 وفي رواية قال: " حين صام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء، وأمر بصيامه، قالوا: يا رسول اللَّه إنه يوم تعظّمه اليهود والنصارى؟ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : فإذا كان العام القابل - إن شاء اللَّه - صمنا اليوم التاسع، قال: فلم يأت العام المقبل، حتى توفي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم "

الشبهة الخامسة

  كيف صدَّق النبي صلى الله عليه وسلم اليهودَ في كون يوم عاشوراء هو الذي نجَّى فيه موسى 

ومن معه ؟

 وهو ما يسأله الرافضة بخبث ومكر ليتوصلوا به إلى الطعن في أحاديث الترغيب بصيام عاشوراء ، ليسلم لهم ادعاؤهم بأن هذا من بدع الأمويين ! .

قال المازري رحمه الله في ذلك الإشكال وجوابه :

" خبر اليهود غير مقبول ؛ فيحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم أوحى إليه بصدقهم فيما قالوه ، أو تواتر عنده النقل بذلك ، حتى حصل له العلم به " انتهى.

نقله النووي في" شرح مسلم " ( 8 / 11 ) .

الشبهة السادسة

 أن الرسولْ قدم المدينةَ في شهر ربيع الأول ، فكيف يقولُ ابن عباس : أنه قدم المدينة ، فوجد اليهود صُيَّاماً يومَ عاشوراء؟!!

 قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله - :وقد استُشكل ظاهر الخبر ؛

 لاقتضائه أنه صلى الله عليه وسلم حين قدومه المدينة وجد اليهود صيَّاماً يوم عاشوراء ، وإنما قدم المدينة في " ربيع الأول " ، والجواب عن ذلك : أن المراد : أن أول علمه بذلك ، وسؤاله عنه : كان بعد أن قدم المدينة ، لا أنه قبل ن يقدمها علمَ ذلك ، وغايته : أن في الكلام حذفاً تقديره : قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينةَ فأقام إلى يوم عاشوراء ، فوجد اليهود فيه صيَّاماً ." فتح الباري " ( 4 / 247 ) .

 

**قال ابن قيم الجوزية : أنَّه لما قَدِمَ المدينة وجدهم يصُومون يومَ عاشوراء : فليس فيه أن يومَ قدومِه وجدَهم يصومُونه ، فإنه إنما قَدِمَ يومَ الاثنين فى ربيع الأول ثاني عشرة ، ولكن أول علمه بذلك بوقوع القصة فى العام الثاني الذي كان بعد قدومه المدينة . زاد المعاد في هدي خير العباد "

 

الشبهة السابعة 

 لايوجد صوم يصومه اليهود يسمى عاشوراء لأن اليهود لا يعتمدون في تقويمهم على الهلال  فكيف توافق صومهم مع المسلمين ؟

 هذا هو جهل بواقع الحال عند اليهود فإن السنة العبرية عند اليهود تعتمد أيضا على القمر إلا أنهم يقدمون ويؤخرون ويضيفون.

جاء في الموسوعة العربية العالمية: تعتمد السنة العبرية على القمر، وهي في العادة مكونة من 12 شهراً.  

وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري عن اليهود الذين عاصرهم وهو يرد على من يقول إنهم لا يعتدون بالهلال: فَإِنَّ الْيَهُود لَا يَعْتَبِرُونَ فِي صَوْمهمْ إِلَّا بِالْأَهِلَّةِ، هَذَا الَّذِي شَاهَدْنَاهُ مِنْهُمْ ، فَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون فِيهِمْ مَنْ كَانَ يَعْتَبِر الشُّهُور بِحِسَابِ الشَّمْس لَكِنْ لَا وُجُود لَهُ الْآن، كَمَا اِنْقَرَضَ الَّذِينَ أَخْبَرَ اللَّه عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ عُزَيْر اِبْن اللَّه. اهــ .

ولو فرضنا أن اليهود يخالفوننا في طريقة الحساب ويعتدون بالأشهر الشمسية فإن هذا لا يضر أيضا لأن هذا يكون مما أحدثوه وبدلوه من الشرائع السابقة, وقد ذكر أهل العلم أن أهل الكتاب من اليهود والنصارى كانوا أولا يعتدون بالهلال فبدلوا وحرفوا كما بدلوا أصل الدين وحرفوه.

 ولو فرضنا أيضا أنهم الآن لا يحتفلون بهذا اليوم فإن هذا لا يعتبر قادحا في الأحاديث الصحيحة التي جاءت بأنهم كانوا يصومونه, فاليهود الآن لا يقولون بأن عزيرا ابن الله, فهل هذا يعني أنه لم يكن في السابقين من كان يقول بهذه المقولة, واليهود اليوم لا يقرون بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم فهل هذا يعني أن موسى لم يخبرهم به ؟!!

 فإذا كان اليهود اليوم قد تركوا ما جاءهم به موسى من نبوة محمد صلى الله عليه وسلم فلأن تركوا عيدا هو لأهون عندهم وأسهل.

(أي خطأ فهو منا والكمال لله )

جمع وتهذيب 

فردوس وبيان بلخير

 

وصلى الله على قرة العين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وأحمد الله تعالى على التوفيق والمنة.


التعليقات