حكم مكث الحائض في المسجد ، وحكم اختلاط الرجال بالنساء‎

نص الاستشارة :

 ما حكم اجتماع النساء والرجال في المسجد وأخص بذلك الاجتماعات الدورية للمدرسين والمدرسات التي يكون الحضور فيها على وجه الإلزام من الجهة المكلفة بالعمل، مع العلم بأن بعض الأخوات قد تكن معذورات عذراً شرعياً، وتقع في الحرج بين إلزامهن بالحضور وبين حرمة اللبث في المسجد للحائض.

 -  وماهي معايير الاختلاط وضوابطه؟ نرجو منكم إجابةً شافيةً وافيةً لكي يطمئن الإخوة والأخوات، جزاكم الله خيراً.

الاجابة

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وبعد:

 

أولا: بخصوص دخول الأخوات إلى المسجد لحضور الاجتماع فيه وهن معذورات:

 

اتفق الفقهاء - من حيث الجملة – على تحريم دخول الجنب والحائض المسجد والمكث فيه، واستدلوا لذلك بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء]، أي: لا تقربوا مواضع الصلاة، كما استدلوا بحديث عائشة رضي الله عنها: "جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجوه بيوت أصحابنا شارعة في المسجد فقال : وجهوا هذه البيوت عن المسجد ثم دخل النبي صلى الله عليه وسلم ولم يصنع القوم شيئا رجاء أن ينزل لهم رخصة فخرج إليهم بعد، فقال: (وجهوا هذه البيوت عن المسجد فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب) [أخرجه أبو داود والبيهقي، وأعله البيهقي].

 

وقد ذهب المزني وابن المنذر وزيد بن أسلم إلى جواز مكث الجنب في المسجد مطلقا، مستدلين بحديث أبي هريرة "المسلم لا ينجس"، وبأن المشرك يمكث في المسجد، فالمسلم الجنب أولى، وبأن الأصل عدم التحريم، وليس لمن حرم دليل صحيح صريح.

 

وهذا ما ذهب إلى القول به بعض المعاصرين على أن تأمن المرأة الحائض تلويث المسجد، وأن يكون قصدها من الدخول حضور درس علم أو موعظة. لكن يبقى المنع من الدخول هو الأبرأ والأحوط في الدين.

لذلك ينبغي على الإخوة المسؤولين أن يراعو ذلك، ولا يلجؤوا الأخوات للحضور والاجتماع في المسجد، وأن تكون اجتماعاتهم في أماكن خاصة إن أمكن، أو في الغرف الملحقة في المساجد وليس لها حكمه. والله أعلم.

 

ثانيا: وأما بخصوص حكم الاختلاط:

 

فيختلف الحكم تبعاً لموافقته لقواعد الشريعة أو عدم موافقته، فيحرم الاختلاط إذا كان فيه: الخلوة بامرأة أجنبية، أو نظر إلى المرأة بشهوة،، أو تبذل للمرأة في ملبسها وعدم احتشامها، أو عبث ولهو وملامسة للأبدان بين الرجال والنساء، فالاختلاط في مثل هذه الحالات محرم لمخالفته لقواعد الشريعة وضوابطها.

ويستثنى من الاختلاط المحرم ما يقوم به الطبيب من نظر ولمس؛ لأن ذلك موضع ضرورة فيقدَّر بقدرها؛ لأن الضرورات تبيح المحظورات.

أما إن حضرت المرأة محتشمة في ثيابها، منضبطة في سلوكها، فلا مانع عندئذ من الاختلاط، وقد كان بعض الصحابيات يكن مع الرجال في غزوهم وأمورهم.

 

ومن ضوابط الحجاب المحتشم للمرأة:

1ـ أن يكون الحجاب ساترًا لجميع بدنها، باستثناء الوجه والكفين ففيهما خلاف (ينظر في الموسعات).

2ـ أن لا يكون الحجاب زينة في نفسه.

3ـ أن يكون الحجاب صفيقًا لا يشف ما تحته.4ـ أن يكون الحجاب فَضْفَاضًا غير ضيق، لا يصف شيئًا من جسم المرأة.

5ـ أن لا يكون الحجاب مُبخرًا أو مُطيبًا، لورود النهي عن تطيُّب المرأة وتعطُّرها عند خروجها من بيتها.

6ـ أن لا يشبه لباسُها لباسَ الرجال، فقد ورد اللعن عن النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة التي تتشبَّه بالرِّجال في لباسها.

7ـ أن لا تقصد بلباسها التشبُّه بالكافرات، لأنه مما تقرر شرعاً أنه لا يجوز للمسلمين - رجالاً ونساءً - التشبُّه بالكفار.

 8ـ أن لا يكون لباسها لباس شهرة، لما فيه من قصد الاختيال والفخر عليهم. (ولكل شرط من هذه الشروط دليل يدل عليه).

 

 

***                                ***                                ***

ملحق للفائدة حول حكم الاختلاط

 

الاختلاط ( الحر):

كما نراه في الجامعات والمدارس والوزارات وما يسمى بالسهرات العائلية والعامة والاحتفالات العامة والخاصة ... الخ مع السفور وتبادل النظرات والضحكات وإظهار مفاتن النساء، مع استخدام أنواع الزينة والملابس الخليعة، مع النظرة العارية والضحكة العارية والمشية العارية .... الخ، فإن الإسلام منع هذا النوع من الاختلاط بين النساء والرجال الأجانب؛ وقاية للأسرة والمجتمع من الفساد والتفكيك وتفسخ الأخلاق.

وأباح الاسلام الاختلاط اذا كانت الحاجة قائمة أو الضرورة ملجئة، مع استصحاب ضوابط الشرع من الحجاب، وعدم الخلوة، وغض البصرـ وعدم المباسطة في الحديث بما يرفع الكلفة.

أما اذا لم تقم الحاجة أو الضرورة فإن التوجه العام للإسلام في هذه المسألة هو التحفظ، ولذلك قرَّر إجراءات وقائية تسد ذرائع الفساد المفضية إلى المحظور، ومنها:

1- سبب نزول الآية الكريمة : {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ۚ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُم ْوقلوبهن ۚ } :

رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ أَنَس بْن مَالِك قَالَ: قَالَ عُمَر: وَافَقْت رَبِّي فِي أَرْبَع ... , الْحَدِيث . وَفِيهِ : قُلْت يَا رَسُول اللَّه , لَوْ ضَرَبْت عَلَى نِسَائِك الْحِجَاب , فَإِنَّهُ يَدْخُل عَلَيْهِنَّ الْبَرّ وَالْفَاجِر، وفي رواية: (يكلمهن البر والفاجر) فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ " وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاء حِجَاب ". والعبرة بعموم النص لا بخصوص السبب.

 

وإذا كان الله قد فرض على أطهر جيل من الرجال والنساء هذا الفصل بينهما لأن: {ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُم ْوقلوبهن} فأحرى أن يكون هذا التوجيه لمن بعدهم من الناس. علما بأن زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم كنَّ يلبسن الحجاب، فالحجب كان للفصل بين الجنسين.

 

يقول سيد قطب – رحمه الله – في تفسيره:  

ثم تقرر الآية الحجاب بين نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم والرجال: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ}، وتقرر أن هذا الحجاب أطهر لقلوب الجميع: {ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُم ْوقلوبهن}. فلا يقل أحد غير ما قال الله.

لا يقل أحد: إن الاختلاط، وإزالة الحجب، والترخص في الحديث واللقاء، والجلوس والمشاركة بين الجنسين أطهر للقلوب، وأعف للضمائر، وأعون على تصريف الغريزة المكبوتة، وعلى إشعار الجنسين بالأدب وترقيق المشاعر والسلوك...، إلى آخر ما يقوله نفر من خلق الله الضعاف المهازيل الجهال المحجوبين.

 

لا يقل أحد شيئا من هذا، والله يقول: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ۚ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُم ْوقلوبهن ۚ }، يقول هذا عن نساء النبي الطاهرات، أمهات المؤمنين، وعن رجال الصدر الأول من صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ممن لا تتطاول إليهن وإليهم الأعناق!.

 

وحين يقول الله قولا، ويقول خلق من خلقه قولا، فالقول لله - سبحانه - وكل قول آخر هراء، لا يردده إلا من يجرؤ على القول بأن العبيد الفانين أعلم بالنفس البشرية من الخالق الباقي الذي خلق هؤلاء العبيد! والواقع العملي الملموس يهتف بصدق الله، وكذب المدعين غير ما يقوله الله. والتجارب المعروضة اليوم في العالم مصدقة لما نقول. وهي في البلاد التي بلغ الاختلاط الحر فيها أقصاه أظهر في هذا وأقطع من كل دليل. وأمريكا أول هذه البلاد التي آتى الاختلاط فيها أبشع الثمار.

 

2- الآية {يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا} فهذا نهي عن تليين المرأة صوتها اذا تكلمت مع أو أمام الرجال، وهي عرضة لذلك في الاختلاط .

3- الآية {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ،وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ..} وفي الاختلاط يشق الانضباط بهذا الخلق.

4-عن عطاء أن النساء كنَّ يطفن بالبيت مع الرجال على العهد النبوي ولكن لا يخالطن الرجال ) رواه البخاري حيث كان يمكن ذلك وقد نهى عمر أن يطوف النساء مع الرجال .

5- عن أبي أسيد الأنصاري أنه سمع رسول الله يقول وهو خارج من المسجد، فاختلط الرجال مع النساء في الطريق، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للنساء: استأخرن، فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق عليكن بحافات الطريق فكانت المرأة تلتصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به )رواه أبو داوود . حاق الطريق: وسطه.

6- حديث: (خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها). رواه مسلم.

 

لماذا هذا التقسيم وهذا التفضيل ؟

قال النووي في شرح صحيح مسلم :

أما صفوف الرجال فهي على عمومها فخيرها أولها أبدأ وشرها آخرها ابدأ أما صفوف النساء فالمراد بالحديث صفوف النساء اللواتي يصلين مع الرجال وأما إذا صلين متميزات لا مع الرجال فهن كالرجال خير صفوفهن أولها وشرها آخرها.

والمراد بشر الصفوف في الرجال والنساء أقلها ثوابا وفضلا، وأبعدها من مطلوب الشرع وخيرها بعكسه، وإنما فضل آخر صفوف النساء الحاضرات مع الرجال لبعدهن من مخالطة الرجال، ورؤيتهم وتعلق القلب بهم عند رؤية حركاتهم وسماع كلامهم ونحو ذلك. وذم أول صفوفهن لعكس ذلك والله أعلم. (شرح النووي على مسلم 4: 160).

 

7-‌ جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله ذهب الرجال بحديثك فاجعل لنا من نفسك يوما نأتك فيه تعلمنا مما علمك الله، قال: اجتمعن يوم كذا وكذا، في موضع كذا وكذا، فاجتمعن فأتاهن فعلمهن مما علمه الله. (رواه البخاري ومسلم)، لقد خصص لهن مكانا وزمانا خاصين من دون الرجال لماذا؟.

 

8- مبدأ سد الذرائع للفساد:

يمنع الاختلاط الحر المنفلت من الضوابط الشرعية لأنه قد يؤدي إلى مفاسد كثيرة، ومنها: الزنا ودواعيه، والخيانات الزوجية، وتفكيك الأسر، وذهاب الدين والأخلاق، وجرائم القتل غيرة، والاغتصاب والتحرش الجنسي، والنموذج الغربي حاضر بقوة في ذلك.

إنه الانهيار التام لفضيلة العفة والطهارة الأخلاقية التي حرص عليها الاسلام، قال الله تعالى: {وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا} (27) سورة النساء.

اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا بفضلك ياكريم.

 

لجنة الفتوى – رابطة العلماء السوريين

9-شعبان-1435هـ


التعليقات