هل يقتصر على المقاصد في الفتوى والاجتهاد؟

نص الاستشارة :

السلام عليكم قرأت عن قوم يسمون أنفسهم ب "المقاصديين" وهم يستنبطون الأحكام الشرعية من "مقاصدها" أي مثلا سمعت احدهم يقول إنّ صنع التماثيل مباحة في هذا العصر والدليل، أنّ التماثيل حُرّمت بسبب قرب عهد المسلمين بالوثنية وذلك سدا للذرائع حُرّمت أمّا الآن فلم يعد أحد من المسلمين قد يقوم بعبادة التماثيل وغيرها من الفتاوى.

و أنا كوني يغلب على ظني أنّ ما يزعمونه باطل، لكني ينتابني تردّد في أنّ أقوالهم قد تكون صحيحة وبسبب ترددي هذا صرت لا آخذ الفتاوى من العلماء العاديين وآخذ بالأحوط كثيرا لظنّي أنّه يجب أن أتيقن أنّ المقاصديين على منهج باطل لكي آخذ فتاوى العلماء العاديين لأنه لو كانوا -المقاصديون- على منهج صحيح و أفتوا بحرمة شيء والعلماء العاديين أفتوا بإباحته فأخذت القول بالإباحة فأنا قد أكون ارتكبت ذنبا بسبب أخذي لأقوالهم من دون البحث في منهج المقاصديين إن كان صحيحا أم باطلا, فما الدلائل على بطلان أقوالهم؟ وهل تركي آخذ الفتاوى من العلماء العاديين صائب حتى أتيقن من الأمر صحيح؟ جزاكم الله خيرا

الاجابة

علم مقاصد الشريعة لا يستقل به الفقيه وحده لمعرفة الأحكام الشرعية بل لا بد أن يكون إلى جانب ذلك العلم بالأدلة الشرعية التفصيلية وأسس النظر والاستدلال.

وعلم المقاصد الشرعية أعمله العلماء والفقهاء المتقدمون في أبحاثهم ومسائلهم وفتاواهم وأقضيتهم، وإن لم يظهر كعلم مستقل في ذاك الوقت، حتى جاء الإمام أبو إسحاق الشاطبي الغرناطي وأسس قواعد هذا العلم بكتابه الموسوم: الموافقات.

فتصور الفصام بين المقاصد والأحكام لدى فقهائنا الأقدمين غير صحيح.

فالمقاصد لا تنفصل عن الأدلة، بل وجب اندراجها تحتها، وموافقتها لها؛ لأنه من أخذ بكلي معرضا عن جزئيه فهو مخطئ، ومن أخذ بجزئي معرضا عن كليه فهو مخطئ كذلك.
والتساهل أو التسيب في إعمال المقاصد بالعقول المجردة زيغ، وإعمالها بعقول مسددة بالوحي، جزئيه وكليه، شرط من شروط الاجتهاد، وضابط من ضوابط تقويم الفكر وترشيده.

ويرجع الفضل إلى الإمام الشاطبي رحمه الله الذي بسط الكلام عن أهمية علم المقاصد بالنسبة إلى المجتهد.
ثم إن مسألة التصوير الفوتوغرافي هي مسألة جديدة لا يمكن حملها على معنى التصوير الوارد في لفظ الأحاديث، وهنأ ينبغي على المفتي إن يحقق مناط الحكم. وأما التعليل الذي ورد عن السائل في قضية التماثيل فليس وليد المقاصديين كما قال، وإنما هو مما أشار إليه الطحاوي رحمه الله.
قد يكون مع المستفتي الحق إن بعض الناس ممن يحسبون على الثقافة والفكر، وليس لهم في علوم الشريعة باع طويل، وهم منها من مكان بعيد، يقتحمون حمى الثوابت والقطعيات ابتغاء نسفها وتعطيلها، باسم المقاصد، فهؤلاء لا يعتد بكلامهم، ولا يعول على ما يصدر عنهم. صحيح انهم سيشوشون على عامة الناس والمثقفين، ولكن المقاصد والعلوم الإسلامية رجالاتها وفحولها الذين يؤخذ عنهم،

وعلم المقاصد الشرعية هو أوسع وأعم من معرفة علل الأحكام الشرعية الذي ذكرت مثالا عليه في حكم التصوير، وتوضيح العلة من تحريم التصوير. ونحن هنا لسنا بصدد الإجابة عن هذه المسألة.

والأصل في غير المختص بعلوم الشريعة أن يرجع إلى من يثق بعلمه ودينه فيأخذ منه الأحكام الشرعية، فليس لديه من الأدوات ما يخوله للنظر في المسائل وتمحيص الأدلة، والنظر في المسالك الدقيقة في الاستدلال. فمذهب العامي -أي: غير المختص – هو مذهب مفتيه.

وما تسأل عنه من أخطاء في تطبيقات بعض المقاصديين قد يكون واقعاً، وذلك إذا أهملوا نصوصا قطعية الدلالة وليس ثمة ما يعارضها من أدلة أقوى بحجة اتباع مقاصد الشريعة، لكن هذا لا يعني أن منهج علم مقاصد الشريعة من حيث الأصل والنظرية أنه سيؤدي إلى نتائج غير صائبة، بل الأصل فيه أن يؤدي إلى نتائج صحيحة ومعتبرة شرعاً، لأنه يُعمل الغايات والكليات الأساسية التي جاء بها الشرع الحنيف. والله أعلم.


التعليقات