الاعتراض على أقدار الله

نص الاستشارة :

أنا عانيت طيلة حياتي من الظلم والتنمر والعنف والفقر والذل لدرجة أني صرت أتمنى التعاسة والشر لكل شخص وأرغب بتدمير حياة اخرين بسبب ماضيي فأرى ان هناك اشخاص يحصلون على ما يرغبون به بأبسط الطرق والبعض يحتاجون مجهودا شبه مستحيل لتحقيق ذلك النجاح، هذا ظلم، وأرى ان من تتوفر له كل الاشياء يستحق أن يجرب مرارة الحياة وليس لدي مشكل أن أدمر حياته بنفسي وأن أخدعه لكن أريد أن اعرف لماذا الحياة حلبة مُصارعة والبقاء للأقوى.

الاجابة

سبب هذه الكراهية والمشاعر السلبية تجاهك وتجاه الآخرين هو ضعف الإيمان بالله تعالى، وضعف الإيمان بالقدر خيره وشره، ولا يكمل إيمان المسلم حتى يؤمن بالقدر خيره وشره، ففي حديث جبريل الطويل: قال: فأخبرني عن الإيمان، قال: «أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيرِه وشرِّه» [رواه مسلم].

وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن عبد حتى يؤمن بالقدر خيره وشره، حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه» [رواه الترمذي].

وعن أبي الدرداء، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لكل شيء حقيقة، وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه» [رواه أحمد].

ومن الإيمان أن لا تعترض على أقدار الله وعلى أفعاله في خلقه، فالأمر أمره والخلق خلقه، والفعل فعله: {لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُون} [الأنبياء:23]. أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك قَالَ: لَا يُسْأَل الْخَالِق عَمَّا يقْضِي فِي خلقه، والخلق مسؤولون عَن أَعْمَالهم.

تفكَّر في هذه المخلوقات العظيمة من السموات والأرضين والأفلاك والشمس والقمر والجبال الرواسي، والبحار والمحيطات، كيف أن لها ربا يدبرها ويسيرها وفق نظام دقيق محكم، فهل تظن أن هذا الرب الذي يدبر كل هذه العوالم العظيمة والهائلة أفتظنه يغفل عن أمر عباده ومخلوقاته، أفتظن أن تخلو هذه الأمور عن حكم وأسرار؟! حاشا لله.. جلَّت حكمته.  

وأمور الخلق متفاوتة، وأنت تنظر من زاوية واحدة ضيقة هي زاوية المال؛ فهذا وسَّع الله عليه في المال لكنه لم يرزق الولد، وآخر رزقه الله الأبناء ولم يؤت إلا الكفاف من العيش، وآخر وسَّع الله عليه في العلم وضيق عليه في المال، وآخر آتاه الله علماً ومالاً، وهكذا إلى شؤون متنوعة في الخلق لا تحصى، كلها تجري بأمر الله تعالى وحكمته وتدبيره، فثق به وارضَ بقسمته.

ومن أعظم ما يقوي الإيمان بالله تعالى هو التفكر والعيش في ظلال أسماء الله الحسنى، فهو سبحانه الخالق، الرازق، الحكيم، الخبير، اللطيف، القريب، المجيب. وتذكر النعم العظيمة التي تتقلَّب فيها ليل نهار دون أن تشعر، ومن أعظمها بعد نعمة الإسلام نعمة العافية التي لا تعدلها كنوز الأرض، فكم من أناس سلبوا هذه النعمة، ونعمة الأمان.


التعليقات