الفحش في القول عند الرد على المخالف

نص الاستشارة :

سلام الله عليكم.

في السنوات الأخيرة انتشرت ظاهرة اتجاه بعض المتصدرين للدعوة خاصة صغار طلبة العلم لشتم وسب المخالف والسخرية منه الأمر الذي يصل لسب الأعراض ويحدث نفورا كبيرا وإذا ما حاولنا نصحهم بأن هذا اتباع للهوى ومخالف لهدي المصطفى، وأن الدعوة عبادة فليؤدها وفقا للمنهج الصحيح، وإلا فليعتزل التصدر. كان الجواب أن شيوخهم جوَّزوا ذلك.

وقد عرفت مؤخرا أنهم يستشهدون بحديث - أبي بكر رضي الله عنه - مع عروة فهلا بينت لنا حكم هذه المسألة؟ جزاكم الله خيرا.

الاجابة

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

الأصل أن المسلم يراعي في ألفاظه ما تمليه عليه الأخلاق والآداب، وهذا هو الهدي النبوي الكريم، فعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس المؤمن بطعَّان ولا بلعَّان ولا الفاحش البذئ. [رواه أحمد والترمذي]

وأسلوب السباب والشتائم والفحش في القول لا يعطي نتائج محمودة بل على العكس من ذلك غالباً ما يكون مبعثا لتوسيع الهوة والخلاف ونشوء الشقاق بين المسلمين، خاصة في مواقف الرد على المخالف،

إن هذه المواقف تستدعي إحسان القول، وسوق الدليل، وبيان الحجَّة وتوضيحها بالطريقة العلمية، لا بأسلوب التهكم والسخرية والسباب.

بل إن الإسلام أمرنا بما هو أبعد من ذلك، أمرنا بالتلطف في دعوة الكافرين، فمقام الدعوة يستلزم اللطف والهدوء والخلق الحسن؛ فقال تعالى: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44)}[سورة طه]

قال الإمام ابن كثير: هذه الآية فيها عبرة عظيمة، وهو أن فرعون في غاية العتو والاستكبار، وموسى صفوة الله من خلقه إذ ذاك، ومع هذا أمر ألا يخاطب فرعون إلا بالملاطفة واللين.

أما حديث سيدنا أبي بكر - رضي الله عنه – مع عروة فالحديث رواه الإمام البخاري في صحيحه، والإمام أحمد في مسنده، عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم قالا: ... فأتاه أي عروة بن مسعود ـ فجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي نحوا من قوله لبديل، فقال عروة عند ذلك: أي محمد أرأيت إن استأصلت أمر قومك هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أهله قبلك، وإن تكن الأخرى فإني والله لأرى وجوها وإني لأرى أوشاباً من الناس خليقاً أن يفروا ويدعوك، فقال له أبو بكر: امصص بظر اللات، أنحن نفر عنه وندعه... الحديث.

قال الإمام الخطابي في (معالم السنن):

وفي قول أبي بكر - رضي الله عنه - حين ذكر اللات وسبها ما يدل على أن التصريح باسم الأعضاء التي هي عورات وذكرها عند الحاجة إليه ليس من الفحش، ولا قائله خارج عن حد العدالة والمروءة.

قال الإمام ابن حجر في الفتح:

وكانت عادة العرب الشتم بذلك لكن بلفظ الأم، فأراد أبو بكر المبالغة في سب عروة بإقامة من كان يعبد مقام أمه، وحمله على ذلك ما أغضبه به من نسبة المسلمين إلى الفرار وفيه جواز النطق بما يستبشع من الألفاظ لإرادة زجر من بدا منه ما يستحق به ذلك.

وقال الإمام ابن بطَّال في شرحه لصحيح البخاري:

ولم يعلم عروة أن الذى عقده الله بين قلوب المؤمنين من محض الإيمان فوق ما تعتقده القرابات لقراباتهم؛ فلذلك قال له أبو بكر: (امصص بظر اللات) وهكذا يجب أن يجاوب من جفا على سروات الناس وأفاضلهم ورماهم بالفرار.

فيُعلم من نقول شرَّاح الحديث المتقدمة أن الذي قاله سيدنا الصدِّيق كان في معرض خاص، وهذا المقام يستوجب منه إظهار القوة والمنعة، وبيان عزَّة المسلمين وحمايتهم للدين، وإظهار حب الصحابة الكرام رضي الله عنهم للنبي صلى الله عليه وسلم وذودهم عنه بما يملكون، وفداؤهم له بأرواحهم وأنفسهم، فلا يصحُّ الاستدلال بها في كل مقام وفي كل موقف، ولا يقاس عليه ما يكون من كلام في مقام الحوار بين المسلمين أو حتى مع المسالمين من غير المسلمين . والله أعلم 


التعليقات