الأمة الإسلامية.. نحو تكتل عالمي

مولاي المصطفى البرجاوي

من أروع ما قرأت: ما ناقشه المستشرق الفرنسي "مارسيل بوازار" عن فكرة الأمة الإسلامية" ومغايرتها المفهوم الغربي، فيقول:
"ليس لفكرة الأمة الإسلامية مقابل في فكر الغرب، ولا في تجربته التاريخية، فالجماعة الإسلامية، وهى تجمُّع من المؤمنين يؤلِّف بينهم رباطٌ سياسيٌّ وديني في آنٍ واحد، ويتمحورون حول كلام الله القدسي، والفرد يندمج في الإسلام بالجماعة المؤمنة بالتساوي عن طريق شهادته الفردية، واستبطان إرادته وصفاته الخاصة كمؤمن، فالنيَّة المعلنة والجهر بالكلام شرطان من شروط الانتماء إلى المجتمع، وبصورة تلازمية يحدِّد الامتثالُ لمشيئة الله البنيةَ الاجتماعية، وهكذا تكون النُّظُم التأسيسيَّة للجماعة مشروطة بالعبادة الواجبة عليها نحو الله"[1].
 
فمادام العالم الإسلامي حاليًّا لم يأخذِ الدرس من منابعه الصافية، فليأخذ العِبْرة من دُولٍ استطاعت أن تتخطَّى الخلافات السابقة، وتكوِّن تكتُّلاً قويًّا، يُستعصى فكُّ ترابطاته الاقتصادية حاليًّا، نعم، إذا كانت تلك التكتُّلات العالمية قد تَمَّت بالرغم من التباين بين المشاركين فيها: في الدِّين واللغة والتاريخ، وأخذت طريقها إلى التكامل الاقتصادي، وربَّما الاتحاد والاندماج، فإن إمكانيَّة تحقيق ذلك في العالم الإسلامي يبدو أقرب مع اتحاد الدِّين واللغة والتاريخ، إذا صدقت الهِمَم ووُضِعتِ الخُطط.
 
فعالم اليوم عالم تكتُّلات وتجمُّعات اقتصادية، والدول المنفردة تكون فريسةً ولقمة سائغةً للأقوياء؛ باستغلال مواردها وتوظيف طاقاتها لمصالح الدول المهيمنة على اقتصاد العالم، وقد شَهِدتِ الساحة تكتُّلات عديدة: "الاتحاد الأوروبي"، و"منطقة أمريكا الشمالية للتبادل الحرِّ"، و"منظمة آسيان"، والمنظَّمات الاقتصادية الدولية المنبثقة عن الأمم المتحدة: كـ"الفاو"، و"منظمة التجارة العالمية"، والشركات المتعددة الجنسيَّات وغيرها، وكلها تهدف إلى إحداث تكتُّل يحقِّق التكامل الاقتصادي بين الدول المشاركة فيها، بالاستفادة من مزايا الإنتاج بكميَّات كبيرة وخبرات فنيَّة متنوعة، مع ما يستلزمه ذلك من السعي لوفرة الموارد ووجود العِمالة بتحسين فُرص الإنتاج من جهة، وزيادة القدرة على التنافس في الأسواق العالمية من جهة أخرى.
 
يقول - تعالى -: ﴿ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ [البقرة: 251]، يقول - عز من قائل -: ﴿ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ ﴾ [الحج: 40]، فالبشر قديمًا وحديثًا يتدافعون، والفوز لمن يُحسن ويُجيد العملية ويحشد لها طاقاته وطاقات الأمة، ويحسن قواعد اللعْبَة: منها إنشاء تحالفات، وتجنُّب الدخول في صراعات لا تكافؤ فيها، ومع قوى أكبر منه ومن طاقات أُمَّته، فمن جَهِل أصول اللعبة ومَن تكاسل أو اشتغل بالسفاسف والأمور الصغيرة، وترك معالي الأمور والقضايا الجسيمة، ومن اختار الظلم على العدل، فهذا ليس مؤهَّلاً للنجاح في التدافع لا في غيره.
خَلَقَ اللهُ لِلْخُطُوبِ رِجَالاً
وَرِجَالاً لِقَصْعَةٍ وَثَرِيدِ
 
 
وفي حال الأمة، فهناك رجال لديهم الخبرة والحنكة السياسية، هناك مَن يُحْسن قيادة الجيوش، فإذا عكسنا الأمر فولَّينا السياسي قيادة الجيش والعسكري سياسة الأمة، قد لا نفلح في السياسة ولا في غيرها.
 
لقد سلَّم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قيادة الجيش لأمثال خالد بن الوليد -رضي الله عنه - ولما جاءه أبو ذر - رضي الله عنه - يطلب منه ولاية، قال له: ((إنها أمانة، وإنها يوم القيامة خِزْيٌّ وندامة))، بل قال له: ((إنك امرؤ ضعيف))، وأبو ذر مَن هو في إخلاصه وقوة إيمانه، ولكنه قد لا ينفع في الإدارة؛ لعدم معرفته لها وبها، وليس ذلك بعيب[2].
 
ومن عجيب الأمر: أن الأعداءَ من الغرب اجتمعوا اليوم - رغم الخلافات والصراعات الحادة الكثيرة فيما بينهم - على أساس القاسم المشترك، وهو محاربةُ المسلمين، والمنع من توسيع دائرة اشتغالهم: إغلاق المؤسسات الخيرية، تضييق الخناق على العلماء والدُّعاة، ومعاداة الله ورسوله، ومحادة الكتاب الذي أُنْزِلَ معه، فتداعوا على المسلمين تداعِي الأكلة إلى قصعتها.
 
[1] - مارسيل بوزار: "إنسانية الإسلامية"، ص (182- 183).
[2] - د.نعمان السامرائي؛ "تفسير التاريخ: اتجاهات ومدارس"، الرياض، 1427 هـ، ص (164)
المصدر : الألوكة

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين