عمر بن الخطاب والذين شربوا الخمر متأولين

أورد السيوطي في الدر المنثور، رواية أخرجها ابن أبي شيبة وابن المنذر عن محارب بن دثار: أن ناساً شربوا الخمر بالشام، فقال لهم يزيد بن أبي سفيان (الوالي على الشام قبل أخيه معاوية) شربتم الخمر؟ قالوا: نعم. لقول الله: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا}.

فكتب فيهم إلى عمر، فكتب عمر إليه: إن أتاك كتابي هذا نهاراً فلا تُنْظِرْ بهم إلى الليل، وإن أتاك ليلاً فلا تُنْظِرْ بهم إلى النهار، حتى تبعث بهم إليَّ لا يفتنوا عباد الله.

فبعث بهم إلى عمر، فلما قدموا على عمر قال: شربتم الخمر؟ قالوا: نعم. فتلا عليهم: {إِنَّما الخَمْرُ والمَيْسِر...}. فقالوا: اقرأ التي بعدها: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا}.

فشاور فيهم الناس، فقال لعلي: ما ترى؟ قال: أرى أنهم شرَّعوا في دين الله ما لم يأذن الله فيه، فإن زعموا أنها حلال فاقتلهم، فقد أحلوا ما حرَّم الله، وإن زعموا أنها حرام، فاجلدهم ثمانين ثمانين، فقد افتروا على الله الكذب، وقد أخبرنا الله بحد ما يَفتري به بعضنا على بعض. فجلدهم ثمانين ثمانين.

وحتى نفهم المقصودين بالآية نستحضر سبب نزولها:

روى الترمذي عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: مات رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن تُحرم الخمر، فلما حرمت الخمر قال رجال: كيف بأصحابنا وقد ماتوا يشربون الخمر؟ فنزلت: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا}.

فهذه الآية تنفي الإِثم والجُناح عن الذين كانوا يشربون الخمر وماتوا قبل تحريمها، وليس الذين شربوا الخمر بعد تحريمها.


جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين