أهل البيت في الحديث النبوي (9)

رابعًا: أدلة القائلين بأن أهل البيت هم: أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم وذريته خاصة:

استدل أصحاب هذا القول لمذهبهم هذا بما ورد عن أبي حميد الساعدي([1]) رضي الله عنه أنهم قالوا: يا رسول الله، كيف نصلي عليك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «قولوا: اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وأزواجه وذريته، كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد».([2])

ووجه الاستدلال بهذا الحديث ورود روايات أخرى لنفس الحديث وأحاديث أخرى، وفيها يقول صلى الله عليه وآله وسلم: «اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد».([3]) في حين أنه صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الحديث يقول: «اللهم صل على محمد، وأزواجه وذريته». فهذا يفسر المجمل بالمراد بالآل في الآية والأحاديث الأخرى، ويبين أن آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم هم أزواجه وذريته. وقالوا أهل الرجل وآله سواء، وهم الأزواج والذرية، بدليل هذا الحديث.([4])

واحتجوا بحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «اللهم ارزق آل محمد قوتًا».([5])

ومعلوم أن هذه الدعوة لم تنل كل بني هاشم، ولا بني المطلب، لأنه كان فيهم الأغنياء، وأما أزواجه وذريته صلى الله عليه وآله وسلم فكان رزقهم قوتًا. ويؤيده قول عائشة رضي الله عنها: ما شبع آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم منذ قدم المدينة من طعام البر ثلاث ليال تباعًا حتى قبض.([6])

قالوا: ومعلوم أن العباس وأولاده وبني المطلب لم يدخلوا في لفظ عائشة ولا مرادها.

وقالوا: سياق الخطاب في الآيات في ذِكْرهن، فلا يجوز إخراجهن في شيء منه.([7])

بالإضافة إلى ما ذكر في أدلة القول الثاني.

فبدلالة السياق وكونهن ساكنات بيوت النبي صلى الله عليه وآله وسلم تدخل الأزواج في أهل البيت.

وحديث الكساء يضيف الذرية إلى الأزواج.([8])

خامسًا: أدلة القائلين بأن أهل البيت هم: مَن حرم الصدقة:

وهذا يشمل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأزواجه، والأربعة أهل الكساء، وبعض أقاربه، كما سنبين إن شاء الله.

وسأذكر أدلة هذا الفريق وردودهم على بقية الأقوال الأخرى، في المطلب التالي، حين مناقشة الأدلة والترجيح، فرارًا من التكرار.

وهم بشكل مختصر يستدلون بكل أدلة الأقوال الثلاثة الأخيرة على المراد بأهل البيت. فكل ما ذكر من أدلة فيها يعتبر دليلًا لهم، إلا أنهم لا يحصرون أهل البيت بما حصروهم به.

انظر الحلقة الثامنة هـــنا

 

([1]) أبو حميد الساعدي رضي الله عنه: مشهور بكنيته، قيل اسمه: عبد الرحمن، وقيل: منذر، ابن سعد، وقيل: ابن عمرو بن سعد الأنصاري. شهد أُحُدًا وما بعدها. توفي آخر خلافة معاوية رضي الله عنه. الاستيعاب:2/834، أسد الغابة:3/467، الإصابة:7/94

([2]) البخاري: كتاب الأنبياء، باب ﴿يَزِفُّونَ﴾ [الصافات:94]:3/1232، رقم:3189، و: كتاب الدعوات، باب هل يصلي على غير النبي صلى الله عليه وآله وسلم:5/2339، رقم:5999، ومسلم: كتاب الصلاة، باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد التشهد:1/306، رقم:407

([3]) البخاري: كتاب الأنبياء، باب﴿يَزِفُّونَ﴾ [الصافات:94]:3/1233، رقم:3190، ومسلم: كتاب الصلاة، باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد التشهد:1/305، رقم: 405، ورقم:406

([4]) التمهيد:17/302، جلاء الأفهام:210، نيل الأوطار:2/327

([5]) البخاري: كتاب الرقاق، باب كيف كان عيش النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه وتخليهم من الدنيا:5/2372، رقم:6095، مسلم: كتاب الزكاة، باب في الكفاف والقناعة:2/730، رقم:1055، وفي: كتاب الزهد والرقائق:4/2280. قال في فتح الباري:11/275: ((«اللهم اجعل رزق آل محمد قوتًا»: أي: اكفهم من القوت بما لا يرهقهم إلى ذل المسألة، ولا يكون فيه فضول تبعث على الترفه والتبسط في الدنيا. وفيه حجة لمن فضَّل الكفاف، لأنه إنما يدعو لنفسه وآله بأفضل الأحوال)).

([6]) البخاري: كتاب الأطعمة، باب ما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه يأكلون:5/2067، رقم:5100، و: كتاب الأطعمة، باب ما كان السلف يدخرون في بيوتهم وأسفارهم من الطعام واللحم وغيره:5/2067، رقم:5107، ومسلم: كتاب الزهد والرقائق:4/2281، رقم:2970. البُر: الحنطة. فتح الباري:4/379

([7]) جلاء الأفهام:216

([8]) تحفة الأحوذي:9/48

جميع المواد المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين