خصائص التربية النبويَّة (3)

اختبار الضمائر:

يأتي في المرتبة العليا من امتيازات التربية النبويَّة:

نقد الرجال في مواقف صارمة وحازمة ليكونوا عدة للأحداث فالمسلمون منذ عهد الصحابة مع التسلسل في العصور الذهبية أدَّوا وحقَّقوا ما تطلبه الإنسانيَّة من إصلاح فلم تَخِرْ لهم عزيمة، ولم تقفْ في وجههم عقبات، فتكوَّنت أمَّة إسلاميَّة صامدة إلى اليوم في وجه كل ما يعترضها، فرغم ما أصاب المسلمين لا زالت فيهم قوة عزيمة ستصل في أمد بعيد إن شاء الله تعالى إلى افتكاك حقِّها المغتصب في بیت المقدس.

نقد الإسلام الرجال باختبار الضمائر والعزائم فمن اختباره للضمائر مما يعد نموذجاً من أهم ما تتركَّز عليه قوانين المجتمع.

إنَّ الناس في حال الرخاء سواسية لا يظهر خالصهم من زيفهم فإذا ما جاءت الأزمات ظهرت الضمائر المخلصة من الضمائر المريضة.

وقد أخبرنا القرآن بأنَّ في الإسلام النقد الدقيق ليظهر الصدق من الكذب: ﴿أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتۡرَكُوٓاْ أَن يَقُولُوٓاْ ءَامَنَّا وَهُمۡ لَا يُفۡتَنُونَ٢ وَلَقَدۡ فَتَنَّا ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۖ فَلَيَعۡلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعۡلَمَنَّ ٱلۡكَٰذِبِينَ٣﴾[العنكبوت:1-3].

الفتنة الاختبار:

ومنه قوله تعالى: ﴿وَفَتَنَّٰكَ فُتُونٗاۚ﴾[طه:40]، فالآيات الكريمات تعريف للناس بأنَّهم لا يتركون على حال واحدة: وهي الرخاء، بل تمازجها حال الشدة من أجل الاختبار.

الاختبار في غزوة بدر:

ومن التربية الفعليَّة مما هو من التربية الخاصَّة لسبر الضمائر قبل الإقدام على عظائم الأمور ما جاء في غزوة بدر الكبرى فإنَّ النبي صلى الله وآله وسلم استشار الناس حين خروج قريش نفيراً لإنقاذ العير التي عليها أبو سفيان والتي أقبلت من الشام في لقاء العير: أو لقاء النفير.

ولما جاء موطن الإختبار كان الصحابة عند حسن الظن بهم، فانبروا لإظهار ما تكنه صدورهم وما تنطوي عليه نفوسهم.

وتقدم أول الناس أبو بكر الصديق السابق لمرضاة الله جل وعلا ومرضاة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم فأعرب عما كان مفتاحاً لإخراج ما في الضمائر وما تكنه النفوس.

وتلاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه بما يشجع النفوس، ويقوي العزائم ويدعو إلى الاعتماد على أهل بدر ويصدع بالثبات والصبر.

وقام بعدها المقداد بن عمرو فقال: ما هو شفاء للنفوس

یا رسول الله امض لما أراك الله فنحن معك ولا نقول لك، كما قالت بنو اسرائیل: ﴿فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾ [المائدة: 24] ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا أنا معكما مقاتلون؛ فوالذي بعثك بالحق لوسرت بنا إلى برك الغِماد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه. [سيرة ابن هشام ج2 ص/266].

[برك الغِماد بكسر الغين المعجمة وهو موقع وراء مكة خمس ليال. أو هو بلد باليمن وهو أقصى حجر باليمن: والأقرب أنه المراد هنا].

كان هؤلاء الثلاثة السابقون للإعراب عن الضمائر من المهاجرين ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعلم ضمائرهم لهجرتهم معه، فإنهم ما هاجروا وفارقوا الوطن وتركوا الأموال وسلموا في الأقارب إلا وضمائرهم تنطق بأنهم لا تضعف نفوسهم ولا يخافون ولا يَهابون الشدائد فلا يحيدون قيد أنملة عما ندبهم إليه، ولكنه مع ذلك طلب وأعاد الاستشارة، فقال: أشيروا عليَّ أيها الناس وإنما يريد الأنصار.

وإنما أراد هم علاوة عن كونهم أنصاراً لقصد اختبارهم في الموطن الحرج الذي وقفه الإسلام في وجه الشرك وقفة جماعية.

فلابدَّ في هذا الموطن من الاستكشاف حتى تكون هذه الموقعة - موقعة بدر الكبرى فرقاناً بين الحق والباطل وتبيانا للعزائم، خصوصاً أنهم حين بايعوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم قالوا له:

إننا براء من ذمامك حتى تصل إلى ديارنا فإذا وصلت إلينا فأنت في ذمتنا نمنعك كما يمنع أبناءنا ونساءنا.

فالبيعة كأنها مقصورة على الدفاع دون الهجوم فالموطن يتطلب شرح ما عندهم لأنهم ربما يرون أن النصرة لا تكون واجبة عليهم إلا على عدوه إذا دهم المدينة.

وقد أدرك ما يطلبه من الكشف عن ضمائر الأنصار سعد بن معاذ رضي الله عنه فقال: والله لكأنك تريدنا يا رسول الله؟ قال: أجل.

قال: قد آمنا بك، وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة فامض يا رسول الله لما أردت.. فنحن معك فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلَّف منا رجل واحد وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً إنا لصُبر في الحرب صدق في اللقاء لعل الله يريك منا ما تَقَرَّ به عينك. فسر بنا على بركة الله. وقال سعد بن عبادة مثل ذلك: امضِ لما شئتَ فنحن متبعوك. [سيرة ابن هشام والتسهيل لابن جزي ج2 ص61].

وقد أنتج اختبار الضمائر هذا ما هو متوقع من الصحابة رضوان الله عليهم، مع أنه قد كان فريق من المؤمنين كارهين قتال العدو، وإنما كانوا راغبين في عير قريش المقبلة من الشام لأنَّ فيها الأموال العظيمة مع قلة من معها فهي لقمة سائغة.

دار الأمر بين إحقاق الحق وإبطال الباطل بإرغام الشرك ونصرة المسلمين مع قلة عددهم وعدتهم إذ كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر، ووفرة المشركين إذ كانوا ألفاً.

وبين الاستحواذ على العير بدون كبير عناء، وكثرة قتال، والنفس بالطبع ميالة مع إصابة المال بدون لقاء مكروه، والله يريد إعلاء الدين، واستئصال الكفر فشتان بين الموقفين فكان ما استخرجته المشورة انصياع ضمائر المسلمين إلى ما أراده الله تعالى فغلبوا نفوسهم ونسوا إرادتهم الأولى، فصدقوا القتال فكان ما وعدهم الله من إحدى الطائفتين حين أبْلَوا البلاء الحسن.

لهذا سبقت فتية من الأنصار إلى المبارزة لما دعا إليها عتبة بن ربيعة، وأخوه شيبة بن ربيعة وابن عتبة الوليد.

وهؤلاء الفتية من الأنصار هم:

عوف بن الحارث

وأخوه معوذ وأمهما عفراء

وعبد الله بن رواحة.

ولكن مبارزوهم من قريش أبوا مبارزتهم، وطلبوا الأكفاء من قومهم فكانت الدائرة على هؤلاء المتباهين الشامخين بأنوفهم.

ما أنتجه الإختبار:

بعد هذا الاختبار دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى قتال الأعداء المشركين وحرَّض على الجهاد بقوله:

«قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض» فلم يحجم الناس وأقبلوا على الجهاد صابرین محتسبين، مقبلين غير مدبرین.

ومنهم عمير بن الحمام رضي الله عنه [هو من الخزرج من بني سادة وهو أول من قتل من الأنصار في الإسلام]، فإنه حين أراد الإقبال على الجهاد وكان في يده تمرات يأكلهن فقال: بخ بخ فما بيني وبين أن أدخل الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء ثم قذف التمرات من يده وأخذ سيفه فقاتل حتى قتل: وهو يقول:

ركضا إلى الله بغير زاد = إلا التقى وعمل المعاد

والصبر في الله على الجهاد

إنه استطال الحياة، حياة أكل التمرات فلذلك ألقى بها كما جاء في صحيح مسلم، جاء فيه من حديث طويل.

فدنا المشركون، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض». قال - ابن انس رضي الله عنه يقول عمير بن الحمام الأنصاري: «جنة عرضها.. السموات والأرض - أي للنبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: نعم.. قال: بخ بخ. فقال رسول الله: «وما يحملك على قول بخ بخ». قال: لا يا رسول الله - إلاَّ رجاء أن أكون من أهلها قال: فإنك من أهلها. قال: فأخرج تمرات من قرنه - بفتح القاف والراء: أي جعبة نشابه فجعل يأكل منهن ثم قال: لئن حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة. قال: فرمی بما معه من التمر ثم قاتل حتى قتل. [صحيح مسلم ج 3 ص /1510].

وصنع قريباً منه عمرو بن الحارث: وهو ابن عفراء قال: يا رسول الله ما يضحك الرب؟ - أي يرضيه - من عبده. قال: غمسه يده في العدو حاسراً، فنزع درعاً كانت عليه فقذفها ثم أخذ سيفه: فقاتل حتى قتل.

هذه النفوس المختبرة التي اختبرها الإسلام في هذا اللقاء التاريخي حققت الشيء الكثير للإسلام إذ قضت على رؤوس الكفر، صناديد قريش.

وقد أشار إلى بعضهم حسان بن ثابت رضي الله عنه في قوله من قصيدة (الوافر)

فَغادَرنا أَبا جَهلٍ صَريعاً ** وَعُتبَةَ قَد تَرَكنا بِالجَبوبِ

وَشَيبَةَ قَد تَرَكنا في رِجالٍ ** ذَوي حَسَبٍ إِذا اِنتَسَبوا حَسيبِ

يُناديهِم رَسولُ اللَهِ لَمّا ** قَذَفناهُم كَباكِبَ في القَليبِ

أَلَم تَجِدوا حَديثِ كانَ حَقّاً ** وَأَمرُ اللَهِ يَأخُذُ بِالقُلوبِ

فَما نَطَقوا وَلَو نَطَقوا لَقالوا ** صَدَقتَ وَكُنتَ ذا رَأيٍ مُصيبِ

وجعلت رجالات قريش بعد تلك الهزيمة الشديدة تلقي بأيديها للأسر، فكانت بعد ذلك تلك الأنفة واقعة في الأسر إذ أسر منهم سبعون عدد قتلاهم إذ بلغ المقتولون سبعين ولاذ الكثير منهم بالفرار، أما المسلمون فقد استشهد منهم أربعة عشر رجلا من المهاجرين وثمانية من الأنصار.

قالت سودة بنت زمعة أم المؤمنين رضي الله عنها: والله إني لعندهم إذ أتينا فقيل هؤلاء الأسارى قد أتي بهم فرجعت إلى بيتي: ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم به: وإذا أبو يزيد سهيل بن عمرو في ناحية الحجرة مجموعة يداه إلى عنقه بجبل؟

قالت: فلا والله ما ملكت نفسي حين رأيت أبا يزيد كذلك أن قلت:

أبا يزيد، أُعطيتم ما بأيديكم! ألا مُتُّمْ كِرامًا! قالت: فوالله ما نبَّهني إلَّا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم من داخل البيت: "أَيْ سَوْدَةُ، أَعَلَى اللَّهِ وَعَلَى رَسُولِهِ تحرِّضين؟" قلت: يا رسول الله، والله ما ملكت نفسي حين رأيت أبا يزيد مجموعة يداه إلى عنقه أنْ قلتُ ما قلتُ. [سيرة ابن هشام ج 2 /299].

قالت ما قالت رضي الله عنها لأنها رأت من الأساری طواعية تدعو إلى التعجب حيث ألقوا بأيديهم إلى الأسر وما ذاك إلا لما لقوه.

فهي رضي الله عنها وأرضاها في نقطة استغراب تدعو إلى القول بمثل ذلك فالتعجب أنطقها.

وهؤلاء الأسرى معذورون لأنهم رأوا شدة مِراس من المسلمين جعلتهم بين أمرين إما الأسر، واما القتل الذريع حين رأوا صناديدهم قد أفنتهم الحرب فلذا انصاعوا إلى الأسر لما لم تهن عليهم نفوسهم.

الاختبار والرحمة:

ثم إنَّ الاسرى أوصى بهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم خيراً فقال: استوصوا بالأساری خيراً.

قَالَ أَبُو عَزِيزٍ فَكُنْتُ فِي رَهْطٍ مِنَ الْأَنْصَارِ حِينَ أَقْبَلُوا بِي مِنْ بَدْرٍ فَكَانُوا إِذَا قَدَّمُوا غَدَاءَهُمْ وَعَشَاءَهُمْ خَصُّونِي بِالْخُبْزِ وَأَكَلُوا التَّمْرَ لِوَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُمْ بِنَا، مَا تَقَعُ فِي يَدِ رَجُلٍ مِنْهُمْ كِسْرَةُ خُبْزٍ إِلَّا نَفَحَنِي بِهَا فَأَسْتَحِي فَأَرُدُّهَا فَيَرُدُّهَا عَلَيَّ مَا يَمَسُّهَا. [سيرة بن هشام ج 2 ص 299].

لقد مثلت غزوة بدر في أربابها المثل الممتاز من القيم التي أظهرها الاختبار أولاً، وحققها الواقع ثانيا.

اختبارٌ ثانٍ:

وكما اختبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ضمائر المسلمين في الصمود والصبر.. والجود بالنفس اختبرها في الجود بالمال وذلك في قسمة الأنفال.

فإنَّ المسلمين بعد أن جمعوا الأنفال في بدر - أي غنائم بدر - اختلفوا في قسمتها لأنه لما تسارع الشباب بقیت الشيوخ تحت الرايات فلما فتح الله عليهم جاءوا يطلبون ما جعل لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال لهم الأشياخ: لا تذهبوا به دوننا، ولا تستأثروا به علينا، فإننا كنا رِدْءاً لكم، لو انكشفتم إلينا فتنازعوا فأنزل الله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [الأنفال: 1]

هذه حال اختبار ثانية في خصوص الأموال فإنَّ هذه الأموال كادت تؤدي إلى قطيعة بين الشيوخ والشباب بسبب المنازعة ولكنها التربية الإسلاميَّة الاختبارية العالية استخرجت ما في الضمائر وعلمتهم إیثار المصلحة العليا على حب المال الذي هو قطعة من الكبد.

وقد أظهر الاختبار أنَّ المسلمين البدريين المتنازعين لم تطغَ عليهم المادة فنسوها حين أنزل الله أنَّ الأنفال لله وللرسول يضعها حيث أمره الله تعالى وقد بيَّن جلَّ وعلا مصارفها في قوله: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ... ﴾ [الأنفال: 41] الآية.

ويصوِّر لنا ما عليه المنتزع منهم الغنائم من نفسية منطاعة أنهم جادوا بها ونفوسهم راضية.

عن سعد بن أبي وقاص، قال: لما كان يوم بدر قُتِلَ أخي عُمَير، فقَتَلْتُ به سعيد بن العاص، وأخذتُ سيفه - وكان يسمى ذا الكيفة - فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (اذهَبْ فاطرَحْه في القَبَض)، فرجعت وبي ما لا يعلمه إلا الله مِنْ قَتْل أخي، وأخْذِ سَلَبِي، فما جاوزتُ إلا يسيرًا حتى نزلت سورة الأنفال، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اذهب فخُذْ سيفك). [أسباب النزول للواحدي ص227].

اختبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم سعدا بالجود بالمال، فطاع رضي الله عنه بسيفه الذي غَنِمَه فظهر بذلك أنَّ هذا الضمير النقي لا يؤثِّر على طاعة الله ورسوله شيئا وإن عز عليه.

اختبار ثالث للعقول:

جمعت غزوة بدر اختبارات مُتعددة منها ما تقدم من اختبار الضمائر في الجود بالنفس والجود بالمال.

ومنها اختبار العقول وذلك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نزل أدنى ماء من بدر فقال الحباب بن المنذر: وكان يقال له: ذو الرأي:

یارسول الله أرأيت هذا المنزل منزلاً أنزلَكَهُ الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة!؟ فقال: بل هو الرأي والحرب والمكيدة.

فقال: يا رسول الله فإنَّ هذا ليس بمنزل فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم ننزله ثم نغور ما وراءه من القلب ثم نبني عليه حوضاً فنملأه ماء ثم نقاتل القوم: فنشرب ولا يشربون.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أشرت بالرأي.

فنهض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن معه من الناس فسار حتى إذا أتى أدنى ماء من القوم نزل عليه ثم أمر بالقلب فغورت وبنى حوضاً على القلب الذي نزل عليه فملئ ماء، ثم قذفوا فيه الآنية.

إن في نزول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استفادة أمرين: الأول هو اختبارهم هل ينتبهون إلى موقعهم الحربي وصلاحيته وما يتطلبه من الحذر والأخذ بالحيطة فكان هذا الاختبار مجدياً حيث عرف أنهم متنبهون حريصون على الحيطة وحذرون.

والثاني تعويد لهم على الشورى واختبار لعقولهم وإنما كان هذا تعويداً لهم لأنه إذا أخذ بها من يتلقى الوحي من لدن حكيم عليم، فكيف بغيره فهم ملزمون بالأخذ بها، حتى يختمر الرأي وتجلَّى الحقيقة الناصعة.

للمقالة تتمة في الجزء التالي.

المصدر: المؤتمر العالمي الثالث للسيرة والسنة النبويَّة، الدوحة، محرم 1400هـ.

الحلقة السابقة هـــنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين