السيرة بلغة الحب والشعر(1)

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم.

بين يدي الكلام

يا أيها الكاتبون عن حبيبي

لا تفصلوا بين الزهور والعبير

فحبيبي ليس مثله بين البشر

فاجعلوا الحديث عنه

حديث فكر وقلب

حديث روح وحب

يا أيها الباحثون في الأوحال عن كمال

رويدكم لا تتعبوا

وارتفعوا قليلاً

وحدقوا المقل

في الأفق البعيد

وقلبوا النظر

فإنكم واجدون الكمال

بل كمال الكمال

في بطل الأبطال

في محمد صلى الله عليه وآله وسلم

يا أيها الباحثون عن سعادة

يا أيها الغارقون في شقاوة

إلام تجهلون

علام تدبرون

دليلكم قريب

وشأنه عجيب

إنه الإنسان

إنه محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

يا أيها الكاتبون عن حبيبي

اجمعوا وأنتم تكتبون

بين عبير الفكر

ورحيق الزهر

وروعة البيان

وسحر اللسان

فإن حبيبي سيد الأكوان

سماحة نفسي كروح الصبا

ورقة طبع كعهد الصبا

وحسن بيان كزهر الربا

وروعة خلق كبيض الظبا

فمن ذا يساميه في العالمين؟

من أي النواحي يفيه المقال

وقد جمع الله فيه الكمال

وألف فيه فنون الجمال

وألقى عليه رداء الجلال

ففاق الملائك روحاً ونفساً

ورقت حواشيه لطفاً وأنساً

وحاز الكمالات طهراً وقدساً

فمن ذا يقول؟ ومن ذا يبين؟

فيا أيها الكاتبون

إملأوا القلب ببرد اليقين

وأطلقوا الأشواق في الآفاق

وأنطقوا الأكوان بالأشواق

فلغة الحب أقوى

ولغة العقل أبقى

فليكن عقل وحب

المقدمة:

كثر الكلام في عصرنا - وذلك طيب - عن رسولنا عليه الصلاة والسلام وتكلم الكثيرون مسلمون وغير مسلمين عنه عليه الصلاة والسلام وذلك شيء طيب، ولقد صدر كتاب قريب عن كاتب غير مسلم يجعل فيه رسولنا صلى الله عليه وآله وسلم أعظم رجل أثر في أحداث التاريخ.

ولكن أكثر ما انصب الكلام عليه في هذا الشأن لا يخرج عن كونه إما عرضاً لأخباره وإما تدليلاً على رسالته، وأما تحليلاً لبعض أحداث هذه السيرة وكل ذلك طيب، ولقد كتبت كتابي (الرسول) وكنت فيه واصفاً لشخصيته عليه الصلاة والسلام ومبرهناً على أنه رسول الله حقاً، أقول هذا لأنفي أن يكون احتراسي هنا نوع نقد لجهد بذله إنسان التجلية شيء له صلة برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

ولكن هناك شيء آخر يحتاجه الكلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

فلئن كان الأخبار والتحليل والتدليل قضايا لابدَّ منها فإن هناك شيئاً آخر لابدَّ منه ولابدَّ من الإشارة إليه ولابدَّ من ذكره ولابدَّ من تبيانه.

هذا الشيء يأتي وراء المعرفة ووراء حديث العقل ذلك هو حديث الحب والوجدان.

إن هناك المرحلة التي يتعرف بها العقل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيتعرف بها على شخصيته وعلى رسالته، وهي مرحلة تنقدح بها مباشرة شرارة الإيمان في القلب لتنقلب المعرفة إلى محبة ووجد وعندئذ توجد لغة جديدة وعوالم جديدة وآفاق جديدة ينظر بها المسلم إلى شخصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأحداث سيرته وأحداث العالم كلها على ضوء ذلك.

إنَّ المسلم مطالب بمعرفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبعض المسلمين مطالبون بالقدرة الواسعة على التحليل والتدليل وهناك شيء وراء ذلك يطالب به كل مسلم هو الحب.

إنَّ التذكير بهذا هو الذي دعاني إلى أن أكتب هذا البحث مذكراً أن الكتابة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينبغي أن تكون بلغة العقل وبلغة العاطفة وأن ذلك واجب مسلّم، وإنّ ذلك لا ينفي الكتابة الموضوعية عن شخص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

لقد كثر الكلام عن موضوعية الأبحاث التي يراد بها الطريقة العلمية في البحث والعرض وأصبحت الموضوعية في كثير من الأحيان تعني الحياد والتجرد والموقف الجاف البارد من القضية المعروضة. وهذا إذا صح في الكلام عن الأشياء فإنه يصطنع في الكلام عن الأحياء، والمسلم يأباه وهو يتحدث عن الحق؛ فهو لا يستطيع أن يتكلم بلغة باردة أو محايدة ولكنه يتكلم بحرارة الحب وكهربائية الإخلاص، وهو في هذا كله على منتهى الموضوعية والعلمية والعقلية فهو على علم وعقل وموضوعية ولكنه في الوقت نفسه مؤمن تجاوز مرحلة التصديق إلى مرحلة التفاعل والدعوة إلى الحق الذي يعتقده.

ذلك شأنه في قضية الحق كلها وفي قضية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، إنه في كثير من الأحيان قد توجد المعرفة مصحوبة ببرود العاطفة ولكن معرفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تقتضي إيماناً، والإيمان يقتضي حباً. وبالتالي فإن المسلم الحق إذا تكلم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإنه لا يستطيع أن يتكلم إلا بلغة العقل والحب.

وإذا وجد مسلم لا يجتمع له حرارة العاطفة مع تصديق العقل فإنه مريض.

وإذا وجد مجتمع إسلامي لا تجتمع له حرارة التصديق وحرارة العاطفة فإنه مجتمع مريض وعلى الأطباء أن يعالجوه.

فحيثما وجد إيمان برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإنه لابدَّ أن يوجد حب. والحب دائماً يعبر عن نفسه بلغة الشعر، ومتى وجد الشعر وجد الحداء والغناء والانشاد. وهكذا كان.

عبَّر المسلمون عن كل شيء له صلة برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بلغة الحب، وعبَّروا عنه بلغة الشعر، وترنموا بهذا الشعر. بدأ ذلك في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا زال.

فحدا الحداة، وتغنَّى المغنون، وأنشد المنشدون، وأصبح كل شيء له صلة برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم محل وجد، والأرض التي وطئها، والأعمال التي عملها، والأقوال التي قالها، والأيام التي عاش فيها.

والشعر بطبيعته يعتمد المجاز والاستعارة والكناية والرمز، ولغة العاطفة بطبيعتها غير لغة القانون، وكثيراً ما تجر لغة الشعر إلى مبالغات في الخيال أو شطحات في الفكر يتجاوز معها صاحبها الحدود، يكون ذلك في كل شيء وقد كان ذلك في الشعر الذي تحدث فيه أصحابه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، حتى في حياته ترى ذلك في قول القائلة أمام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: وفينا نبي يعلم ما في غد.

مما جعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لها: (دعي هذا وقولي بالذي كنت تقولين)

وهكذا وجد الشعر ووجد الخطأ ووجد رد الفعل. وتوضحت حول هذه الأمور معان وقامت معارك ونشأت عادات، وبسبب من لغة الشعر والحب. وجدت فكرة عرض السيرة بلغة الحب والشعر، فوجدت فكرة المولد النبوي وقامت حولها معارك وكل ذلك دعانا إلى كتابة هذا البحث الذي سنكتب فيه مجموعة فصول.

الفصل الأول: في فرضية حبه عليه الصلاة والسلام.

الفصل الثاني. وعندما ينقص الحب أو يضعف أو يموت

الفصل الثالث: في محل الشعر والغناء في تكوين العواطف وما هو الحكم الشرعي في الشعر والغناء.

الفصل الرابع: في استماع النبي صلى الله عليه وآله وسلم الشعر وإنشاده في المسجد.

الفصل الخامس: في بعض ما تمثل به النبي صلى الله عليه وسلم من الشعر الفصل السادس: الشعر في خدمة المعركة

الفصل السابع: فيما يحمل عليه ما ورد في دم الشعر أو النهي عنه أو النهي عن الترنم فيه

الفصل الثامن: السيرة بين لغتين: لغة الرواية ولغة الشعر ونماذج على ذلك.

الفصل التاسع: في خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم بعد وفاته

الفصل العاشر: في الرمز

الفصل الحادي عشر: مهمة العلماء: التصحيح الرفيق لا الرفض المطلق للغة الحب والشعر.

الفصل الثاني عشر: في إحياء المناسبات.

الفصل الثالث عشر: في معركة المولد.

الفصل الرابع عشر في الحذر من أخطاء المحبين والشعراء.

الفصل الخامس عشر: في الأسباب الحاملة على كتابة هذه الفصول.

يتبع....

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين