أحكام

هل توصّلت جمعيات حقوق المرأة، بعد جهود مضنية لعشرات السنين، إلى إقرار أن الرجل والمرأة هما "جنس واحد"؟!

على حد علمي لم يصلوا إلى هذا الحدّ!.. فكل مساعيهم تصب باتجاه المساواة "بين الجنسين"، وفق رؤية "عصابة أمم" ،وبما يتطابق مع النموذج الغربي للمرأة، وبعيداً عن أي احترام للدين والثقافة والتاريخ!!

أعلم أن موضوعي عن الحجاب، واحتراماً لذوي التخصص، فلن أتحدث عن مؤتمرات واتفاقيات وأجندات الجهات العالمية لتحصيل حقوق المرأة العربية، لكنني أردت أن أفتتح بقضية لا جدال فيها، حتى مع من نصبوا أنفسهم "جبهة دفاع" عنا.. القضية أننا "جنسان"، أي أن الرجل والمرأة نوعان مختلفان، لكل منهما خصائص واختصاصات، فلا يعاب أحدهما بخصائصه، ولا يلام عليها، ولا يعدّ معاقباً بها، إنما يوجّه لضبطها، وحسن استثمارها، بما يضمن سلامة وأمن واستقرار واستقامة الجميع..

فمن خصائص الرجل الصلابة والخشونة والقوة الجسدية "وغلبة التعقل ونقص العاطفة"، وهي تعينه في مجال اختصاصه في الإعمار و"بناء الحجر"، وتحمّل البيئة القاسية التي يقضي فيها أكثر وقته (خارج البيت)، وخصائص المرأة النعومة والليونة والرقة والضعف البدني "وغلبة العاطفة ونقص التعقل"، وكلها معينات لها على القيام بما هو اختصاصها وحدها، من التربية والرعاية و"بناء البشر"، والتعامل مع البيئة اللطيفة التي تمضي فيها جُلّ أيامها (داخل البيت)، وعليه فلا تفاضل بينهما في المقام، لأن المعوّل عليه قيامهما بما اختُصا به من مهام..

على أنّ لكل خصيصة ضابط، وكلما عرف صاحب الخصيصة الضابط الذي يسهّل عليه التعامل معها، انقلبت إلى ميزة، ونقطة قوة، وعامل دفع يختصر له الطريق، ويهون عليه الوصول إلى أهدافه التي يعمل عليها..

وهنا يأتي السؤال: هل الحجاب قصاص فُرض على المرأة من باب التمييز ضدها، لضمان استقامة الرجل؟

أستأذنكم أولاً في أن تجيبوا أنتم عن هذه الأسئلة، ونعود بعدها لسؤالنا..

كلنا نعلم ماذا يرتدي الطبيب الجراح في غرفة العمليات: طبقات من الملابس متعددة النوعيات، غطاء للشعر، قفازات، قناع على الوجه، أغطية للقدمين، نظارات للعينين، فهل منكم من أحد نظر بعين الاستغراب إلى الطبيب، واعتبر بأن ما يلبسه هو عقوبة من الإدارة له، وتمييزاً ضده، ومصادرة لحريته، لأنه يتعامل مع جسم ضعيف وحساس تجاه أي مهدد لصحته، أم أنه اللباس الذي تفرضه طبيعة المهمة؟!

(واليوم نرى ماذا يرتدي المناضلون في خطوط الدفاع الأولى عن الشعوب، الأطباء والممرضون والأجهزة الطبية، في مواجهة فيروس يهدد الصحة العامة، ويفرض قيوداً وإجراءات على المجتمعات، فيما لم نسمع أن أحداً تفلسف، ونطق بكلمة واحدة حول ما يلبسه أولئك الأبطال!)

كما أننا رأينا كيف يتدجج العسكري في ساحة القتال بألوان وأنواع وطبقات من الملابس، مع تغطية الوجه، والتمويه والتخفي، فهل اعتبرنا يوماً أن لباسه هو إجراء تعسفي، أم أنه حماية ووقاية له مما قد يصيبه، وهو يؤدي مهمته النبيلة؟!

إذا لم يكن لباس الطبيب ولباس العسكري عقوبة لهما، وقصاصاً أوقع ظلماً عليهما، بل الواجب عليهما ارتداء تلك الملابس، بما يضمن نجاح مهمتهما، وأداء عملهما على أكمل وجه، فلماذا يُراد تصوير الحجاب على أنه عقوبة للمرأة، ولا ينظرإليه على أنه "زي المهمة"؟!

نعم: الحجاب بالنسبة لنا هو "زي المهمة" التي أراد الله منا أن نقوم بها، ولأننا نمتلك من الخصائص والمميزات، ما يجعل فرع البشرية الثاني مشتتٌ أمامها، فإننا نلبس "زِيّنا"، لنقول لشقيقنا بأننا خرجنا من بيوتنا في مهمة خاصة، وارتدينا لها هذا الحجاب، وأننا اخترنا أن نستفز العقول لا أن نستفز الغرائز، ورضينا بأن نُثبت أنفسنا بالأخلاق لا باستمالة الأعناق، وأن نساهم في بناء مجتمعاتنا بالفطنة لا بالفتنة.. ولنا مثل الذي لكم، وعلينا مثل الذي عليكم بالمعروف..

لماذا لا يتحجب الرجل؟! وهل "الأزياء الخاصة" في مجتمعنا هي مدعاة تقدير واحترام، أم هي تمييز عنصري بغيض يجب أن نتخلص منه؟

تابعوني لنجيب عن هذا السؤال في المقالة الرابعة من سلسلة #أحكام_نون_النسوة_المتحركة بإذن الله..

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين