في اليوم العالمي للغة العربية (2)

لا تَقُل. وقُل.

قدَّمنا النهي على الأمر لأنَّ درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، ولأنَّ التخلية قبل التحلية.

1- لا تقل مثلا: ضربه بالدُّرة. بضم الدال المشددة. – تقصد السوط – فإنَّ صوابها: بالدِّرة. بكسر الدال المشددة. 

قال المجد في القاموس المحيط: والدِّرَّةُ بالكسر: التي يُضْرَبُ بها.

2- لا تقل عن الثوب البالي: ثوبٌ خَلِق. بكسر اللام. 

وقل: ثوبٌ خَلَق. بفتحها. 

قال في القاموس المحيط: والخَلَقُ مُحرَّكةً: البالي للمُذَكَّرِ والمُؤَنَّثِ جمعه: خُلْقانٌ. اهـ

3- لا تقل: صَمّام الأمان. بفتح الصاد وتشديد الميم.

وقل: صِمام الأمان. بكسر الصاد وتخفيف الميم.

قال في القاموس المحيط: وصِمامُ القارُورَةِ وصِمامَتُها وصِمَّتُها بكَسْرِهِنَّ: سِدادُها. اهـ

4- لا تقل في المدح: فلان له القَدَح المُعَلّى. بفتح القاف والدال.

وقل: له القِدْح المُعَلَّى. بكسر القاف وتسكين الدال. 

قال في القاموس المحيط: القِدْحُ بالكسر: السَّهْمُ قَبْلَ أن يُراشَ ويُنْصَلَ، جمعه: قِداحٌ وأقْدُحٌ وأقاديحُ... وبالتحريكِ: آنيةٌ تُرْوِي الرَّجُلَيْنِ أو اسْمٌ يَجْمَعُ الصِّغارَ والكِبارَ جمعه: أقْداحٌ. اهـ

قلت: والمناسب للسياق هو القِدْح بمعنى السهم، وليس القَدَح بمعنى الآنية، وذلك لأن "المُعَلّى" من سهام الميسر. 

قال صاحب القاموس: والمُعَلَّى كمُعَظَّمٍ: سابعُ سِهامِ المَيْسِرِ. اهـ

5- لا تقل مثلا: كلما اجتهدتَ أكثرَ كلما ارتقيتَ أكثر.

وقل: كلما اجتهدتَ أكثرَ ارتقيتَ أكثر. فإنَّ تكرارا "كلما" في هذا السياق الذي يجري على ألسنة كثير من المتحدثين، حشو ثقيل لا معنى له، إن لم يكن مخلا بالمعنى.

وفي التنزيل: (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَیۡهَا زَكَرِیَّا ٱلۡمِحۡرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزۡقࣰاۖ) [سورة آل عمران 37]

ولم يقل: (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَیۡهَا زَكَرِیَّا ٱلۡمِحۡرَابَ "كُلَّما" وَجَدَ عِندَهَا رِزۡقࣰاۖ)

6- لا تقل مثلا: وعلى فَرَض أنّ الأمر كان كذلك... بفتح الراء من "فرض"

وقل: وعلى فَرْض أنّ الأمر كان كذلك... بتسكين الراء، فإن الـ "فرض" لا تأتي مصدرا للفعل "فَرَضَ" إلا ساكنة الراء.

قال الفيروزآبادي في القاموس المحيط: الفَرْضُ كالضَّرْبِ: التَّوْقِيتُ ومنه: فمن فَرَضَ فيهن الحَجَّ. والحَزُّ في الشيء ... و من القَوْسِ: مَوْقِعُ الوَتَرِ ... وما أوْجَبَهُ اللَّهُ تعالى ... والقراءةُ والسُّنَّةُ ... ونَوْعٌ من التَّمْرِ، ... والتُّرْسُ، وعُودٌ من أعْوادِ البَيْتِ، والثوبُ، والعَطِيَّةُ المَوْسُومَةُ، وما فَرَضْتَهُ على نَفْسِكَ فَوَهَبْتَهُ أو جُدْتَ به لغيرِ ثَوابٍ، و من الزَّنْدِ: حيثُ يُقْدَحُ منه، أو الحَزُّ الذي فيه... اهـ

قلت: ولم يكن استعمال الفرْض بمعنى الاحتمال والتخَيُّل معروفا في عصر الفصيح، فالكلمة بهذا المعنى مما أقرَّه مجمع اللغة العربية في القاهرة، كما جاء في المعجم الوسيط الصادر عن المجمع. فإن فيه: (الفَرْضُ) الحَزُّ في العُود وغيره جمعه: فِراضٌ وفُروضٌ. وما أوجبه الله عز وجل على عباده. وما يفرضه الإنسان على نفسه. "وفكرة يؤخذ بها في البَرْهَنة على قضية أو حل مسألة" (مج) اهـ 

ومعلوم أن قوله: (مج) رمزٌ للكلمات التي أقرَّها مجمع اللغة العربية، كما هو منصوص عليه في مقدمات المعجم الوسيط.

7- لا تقل مثلا: تخرَّجتُ من المدرسة. تخرَّج فلان من الجامعة.

وقُل: تخرَّجتُ بالمدرسة. تخرَّج فلان بالجامعة. بتحميل الباء معنى السببية.

وفي رأيي أن منشأ اللحن في ذلك أن اللاحنين بها يُحَمِّلون كلمة "تَخَرَّج" معنى الخروج من المكان ومغادرته. عاش في المدرسة أو الجامعة مدة الدراسة، ثم خرج منها وفارقها. 

والحق أن الكلمة ليست موضوعة لهذا المعنى. وإنما معناها في هذا السياق: تدرَّب واكتسب المهارة والكفاءة فيما طلبه من العلم. 

يُذَكِّرني هذا بما كنا نسمعه من العامة من قولهم: فلان يخرّج سيارته بعد تجديد أو إصلاح المحرك: أي يُمَرِّنها ويحركها برفق بلا حِمل إلى أن تدمن آلاتها الحركة، ثم يعود بها إلى العمل الجاد. وهو استعمال عامي له أصل في الفصيح.

قال الزبيدي في (تاج العروس) في مادة "خ ر ج": من المَجَاز: الخُرُوجُ: خُرُوجُ الأَدِيبِ ونَحْوِه، يقال: خَرَجَ فُلانٌ فِي العِلْمِ والصِّنَاعَةِ خُرُوجاً: نَبَغَ. و: "خَرَّجَه في الأَدَبِ تَخْرِيجاً فتَخَرَّجَ هو". قال زُهَيْرٌ يَصِف خَيْلاً: 

وخَرَّجَهَا صَوَارِخَ كُلَّ يَوْمٍ فَقَدْ جَعَلَتْ عَرائِكُهَا تَلِينُ 

قال ابنُ الأَعرابيّ: مَعْنى خَرَّجَها: "أَدَّبَها كما يُخَرِّجُ المُعَلِّمُ تِلميذَه" 

من المجاز: هو خَرِيجُ مَال كأَمِيرٍ. و: "خِرِّيج " مالٍ "كِعنِّينٍ" بمعنى مَفْعُولٍ: "إِذا دَرَّبَه في الأُمورِ. اهـ

وفي تاج العروس في مادة "خ س ر": ومنها الإِمام العلامة حُسين ابن جمالٍ الأَصبهانيّ وُلِد بخونْسار سنة 1017 وقرأَ بأَصْبَهان على جَعْفَرِ ابنِ لُطْفِ الله العاملّي والسيّد محمّد باقراماد الحسينيّ. ومّمن "تَخَّرجَ به" وَلدُه العلامة مُلاَّ جمال... اهـ

وفيه أيضا: في مادة "رمى": وأَبو سعيدٍ محمدُ بنُ العبَّاس السَّمَرْقَنْدي المَعْروفُ بالرَّامِي. إلى الرَّمْي بالقَوْسِ "تخرُجُ به جماعَة" في الرَّمي. اهـ

8- لا تقل مثلا: هذا القرار يَطال جميع الفئات...

وهو لحن شائع تسرَّب إلى كثير من الألسنة والأقلام؛ فيُجْرون الفعل "طال" مجرى الأفعال (نال، وغار، ونام) فيقولون: طال يَطالُ. كما يقولون: نال يَنالُ. و: غار يَغارُ. و: نام يَنامُ. وهذا لحن، لأن الذي في المعاجم: "طال يَطُولُ" مثل: قال يقول. وليس في شيء منها: "طال يَطال"

وعليه فلعل الصواب أن تقول: هذا القرار يَطول جميع الفئات...

وإنما قلت: فلعل الصواب... لأن في النفس شيئا من هذا الاستعمال، فإن الذي في المعاجم أن: (طاله يطوله) تعني: صار أطول منه. وهو معنى غير مقصود في قولك: هذا القرار يَطول جميع الفئات... 

قال ابن الأثير في النهاية في غريب الأثر: وفي حديث اسْتِسْقاء عُمَر: [رأيتُ العباس رضي اللّه عنه وقد طال عُمَرَ...: أي كان أطْوَلَ منه لأن عُمَرَ لمَّا استسْقَى أخذَ العباسَ إليه وقال: اللهم إنّا نَتَوسَّل إليكَ بعَمِّ نبيِّك. وكان إلى جانبه، فرآه الراوِي وقد طالهَ: أي كان أطْوَل منه. اهـ

وفي القاموس المحيط في مادة (ش ر ف): وشَرَفَهُ كنَصَرَهُ: غَلَبَهُ شَرَفاً أو طالَهُ في الحَسَبِ. اهـ

فالصواب الذي تطمئن إليه النفس أن تقول: هذا القرار "ينال" أو "يتناول" جميع الفئات...

قال تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ} [الأعراف: 37]

وقال تعالى: {أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ} [الأعراف: 49]

وفي صحيح مسلم: عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لاَ تُسَافِرُوا بِالْقُرْآنِ فَإِنِّي لاَ آمَنُ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ

وفي مسند الإمام أحمد من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَأْكُلُونَ فِيهِ الرِّبَا. قَالَ: قِيلَ لَهُ: النَّاسُ كُلُّهُمْ؟ قَالَ: مَنْ لَمْ يَأْكُلْهُ مِنْهُمْ نَالَهُ مِنْ غُبَارِهِ.

فأنت ترى استعمال مادة "نال" في هذه النصوص التي كثر اليوم في مثل سياقاتها في كلام الناس استعمال مادة "طال"

9- لا تقل: مَائة. ثلاثمَائة.... بفتح الميم فيهما وفي أخواتهما. 

وقل: مِائة. ثلاثمِائة... بكسر الميم. فإن ميم "المِائة" مكسورةٌ قولا واحدا. ومن نطق الميم فيها مكسورة استحال عليه أن ينطق الألف بعدها أصلا، وبهذا يتبين أن الألف فيها تُكتب ولا تُلفظ. 

وما أكثر ما يقع اللحن في هذه الكلمة بسبب هذه الألف! وهو لحن يفسد المعنى، فإن الماءة في اللغة: المرأة النمامة. قال في القاموس المحيط: وامرأةٌ ماءَةٌ كماعةٍ: نَمَّامَةٌ. اهـ

وإنما أضيفت الألف في المئة - قبل مرحلة نقط الحروف - للتمييز بين كلمة "مئة" وكلمة "مِنَّة" وما كان على شكلها في الرسم، ولولاها لأمكن الغارمَ أن يدعي أن العبارة في وثيقة الدَّين تقول: (له علي منَّة). بدل: (له علي مئة). فأدخلت الألف في الرسم لحفظ الحقوق بين الناس.

وفي التنزيل الحكيم: {فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ} [البقرة: 259]

وفيه: {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ } [الكهف: 25]

10 - لا تقل مثلا: رقَى الخطيبُ المنبرَ. ولا: رقَيتُ المنبر. بفتح القاف فيهما.

وقل: رقِيَ الخطيبُ المنبرَ. و: رقِيتُ المنبر. بالكسر.

فإن (رقاه يرقيه): بمعنى عوَّذه. وهي من الباب الثاني من أبواب الثلاثي؛ (بفتح عين الفعل في الماضي، وكسرها في المضارع) و: (رقِيه يرقاه) بمعنى صعِده. وهي من الباب الرابع؛ (بكسر عين الفعل في الماضي، وفتحها في المضارع)

قال الفيومي في (المصباح المنير في غريب الشرح الكبير): رَقَيْتُهُ أَرْقِيهِ رَقْيًا. مِنْ بَابِ رَمَى: عَوَّذْتُهُ بِاَللَّهِ، وَالِاسْمُ: الرُّقْيَا.عَلَى فُعْلَى.... وَرَقَيْت فِي السُّلَّمِ وَغَيْرِهِ أَرْقَى، مِنْ بَابِ تَعِبَ، رُقِيًّا.... وَرَقَيْتُ السَّطْحَ وَالْجَبَل عَلَوْتُهُ. اهـ

قلتُ: وقد وقع الوهم من محققي هذه الطبعة من المصباح المنير، "طبعة المكتبة العلمية" في ضبط بعض كلمات هذه المادة؛ وذلك في قول الفيومي: وَرَقَيْت فِي السُّلَّمِ وَغَيْرِهِ أَرْقَى... ثم في قوله: وَرَقَيْتُ السَّطْحَ وَالْجَبَل... فقد ضبط المحققون الماضي في الموضعين بفتح القاف، والصواب كسرها "وَرَقِيْت". 

وإنما نسبتُ السهو إلى المحققين لا إلى الفيومي المصنف، لأن الفيومي أتبعها بقوله: "مِنْ بَابِ تَعِبَ" فقد حصَّن الكلمة من هذا الوهم حين جعلها من باب "تَعِب" أي من الباب الرابع من أبواب الثلاثي "بكسر عين الفعل في الماضي، وفتحها في المضارع" فكما أنك تقول: "تعِبتُ" بكسر العين لا بفتحها؛ فكذلك تقول: "رَقِيتُ" بكسر القاف لا بفتحها. 

وقد جاءت في "لسان العرب" مضبوطة على الصواب؛ فقال ابن منظور: ورَقِيتُ في السُّلَّم رَقْياً ورُقِيّاً إذا صَعِدْتَ. اهـ

وفي صحيح البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةً ثُمَّ رَقِيَ الْمِنْبَرَ.. الحديث. بكسر القاف، ولم يقل: ثُمَّ رَقَى الْمِنْبَرَ.. بفتحها.

والله أعلم.

الحلقة الأولى هـــنا

جميع المواد المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين