مكانة السنّة في حياة المسلم (2)

تحدّثنا عن الناحية الأولى والناحية الفردية كما يقال. أما الناحية الثانية فهي الأهمية الاجتماعية والنفع الاجتماعي. يكاد لا يكون ريب في أن أكثر المنازعات الاجتماعية ترجع إلى سوء فهم بعض الناس لأغراض بعضهم الآخر ولمقاصده. وسبب سوء الفهم هذا هو اختلاف الأمزجة والميول في أفراد البيئة الاجتماعية اختلافاً كبيراً، فإن الأمزجة المختلفة تحمل الناس على عادات مختلفة، وهذه العادات المختلفة إذا تبلورت بالمراس سنين طوالاً أصبحت حواجز بين الأفراد. ولكن على عكس ذلك، فإن نفراً إذا اتخذوا في حياتهم كلها عادات معينة ترجَّحَ أن تقوم صِلاتهم المتبادلة على التعاطف، وأن يكون في عقولهم استعداد للتفاهم. من أجل ذلك جعل الإسلام، وهو الحريص على خير الناس الاجتماعي والفردي، من النقاط الجوهرية أن يحمل أفرادَ البيئة الاجتماعية بطريقة منظمة على أن تكون عاداتهم وطباعهم متماثلة مهما كانت أحوالهم الاجتماعية والاقتصادية متنافرة.

ومع هذا فإن السنّة مع ما فيها من "التشدّد" المزعوم تقوم نحو المجتمع بخدمة أعظم: إنها تجعله متماسكاً مستقراً في شكله، وتَحُول دون تطور العداء والنزاع، كما اتفق في المجتمع العربي، إذ أثار ذلك التطور اضطراباً عظيماً تحت ستار ما يسمونه القضية الاجتماعية. إن مثل هذه القضايا الاجتماعية تنشأ حينما يبدأ الناس في النظر إلى بعض المؤسسات أو العادات على أنها غير كاملة في نفسها، وأنها من أجل ذلك خاضعة للانتقاد والتبدل المستمر. ولكن فيما يتعلق بالمسلمين، أي أولئك الذين يَعُدُّون أنفسهم مقيدين بشريعة القرآن الكريم، وبالتالي بأوامر الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن أحوال المجتمع عندهم يجب أن يكون لها مظهر مستقر لأنهم يرجعون بها إلى أساس مطلق. وما دام هذا الأساس لا يحوم حوله ريب ما، فليس ثمة من حاجة ولا رغبة في تبديل التنظيم الاجتماعي الذي نتج منه. وهكذا فقط نستطيع أن ندرك الإمكان العملي لما يفترضه القرآن الكريم من أن المسلمين يجب أن يكونوا "كالبنيان المرصوص". فلو أنا طبقنا هذا المبدأ تماماً لما كان المجتمع مضطراً إلى أن ينفق جهوداً على أمور فرعية وإصلاح اجتماعي ليس لها، حسب طبيعتها نفسها، سوى قيمة زائلة. فإذا تحرر المجتمع الإنساني من الاضطراب الكلامي (الجدليّ) ثم بُني على قواعد من الشرع الإلهي والاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه يستطيع حينئذ أن يستغلّ جميع قواه في معالجة مسائل تسبغ على المجتمع رفاهية حقيقية، مادية وعقلية، فتمهد الطريق أمام الفرد للسير في جهوده الروحية. هذا ولا شيء سواه، هو الغرض الديني للتنظيم الاجتماعي في الإسلام.

المصدر: [ باختصار من كتاب: الإسلام على مفترق الطرق. تأليف: محمد أسد (ليو بولد فايس) ]

الحلقة السابقة هـــنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين