مختارات من تفسير

(وَإِذۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡفُرۡقَانَ لَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ)

السؤال الأول:

ذكر الله الفرقان في هذه الآية (وَإِذۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡفُرۡقَانَ لَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ) [البقرة:53] ولم يذكره في سورة القصص (وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ مِنۢ بَعۡدِ مَآ أَهۡلَكۡنَا ٱلۡقُرُونَ ٱلۡأُولَىٰ بَصَآئِرَ لِلنَّاسِ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٗ لَّعَلَّهُمۡ يَتَذَكَّرُونَ)   [القصص:43]

ما الفرق بين الكتاب والفرقان؟ ولماذا؟

الجواب:

 1ـ الكتاب هو التوراة، والفرقان هي المعجزات التي أوتيها موسى كالعصا، والمعجزات الأخرى؛ وهي تسع آيات , والفرقان هو الذي يفرّق بين الحق والباطل. , لذا قد يكون الفرقان وصفاً للتوراة , وهو أيضاً وصف للقرآن , قال تعالى : (تَبَارَكَ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلۡفُرۡقَانَ عَلَىٰ عَبۡدِهِۦ لِيَكُونَ لِلۡعَٰلَمِينَ نَذِيرًا) [الفرقان:1].

2ـ لكنّ السؤال: لماذا قال في الأولى: (الكتاب والفرقان)، وفي الثانية قال: (الكتاب) فقط؟

والجواب أنّ السياق هو الذي يحدد.

فالآية الأولى جاءت في سياق الكلام عن بني إسرائيل (يَٰبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتِيَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ) [البقرة:40]، من الذي شاهد الفرقان؟ شاهده بنو إسرائيل وفرعون الذين كانوا حاضرين , لكنّ الناس الآخرين لم يشاهدوا هذا الشيء , فلمّا تكلم مع بني إسرائيل خصوصاً كان الخطاب لهم وهم الذين شاهدوا قال: (ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡفُرۡقَانَ ) وقال: (لَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ) [البقرة:53].

 وأمّا الثانية فقال: (وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ مِنۢ بَعۡدِ مَآ أَهۡلَكۡنَا ٱلۡقُرُونَ ٱلۡأُولَىٰ بَصَآئِرَ لِلنَّاسِ) [القصص:43] .

فلمّا قال: (بَصَآئِرَ لِلنَّاسِ)[القصص:43] لم يقل: الفرقان؛ لأنهم لم يشاهدوا هذا الشيء , بل قال: (ٱلۡكِتَٰبَ)[القصص:43] لأنّ الفرقان ذهب وبقي الكتاب , والكتاب بصائر للناس. والله أعلم.

السؤال الثاني:

جاء في الآية (وَإِذۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡفُرۡقَانَ)[البقرة:53] وجاء في آية آل عمران (أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ)[آل عمران:186]  فما دلالة ذلك ؟

الجواب:

في هذا الباب ما نراه في القرآن الكريم في (ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ) فإنه على العموم إذا كان المقام مقام مدح وثناء أظهر الله ذاته ونسب إتيان الكتاب إلى نفسه، فيقول: (ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ) وإذا كان المقام مقام تقريع وذم، قال: (أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ).

  شواهد قرآنية في إسناد الإيتاء إلى نفسه في مقام المدح والثناء :

البقرة  [53،121، 146] الجاثية [16] الأنعام [114] الرعد [36] القصص [52] العنكبوت [47] النساء [54].

 شواهد قرآنية في مقام الذم ويُبنى فيها فعل الإيتاء للمجهول :

البقرة [101، 144، 145] آل عمران [19، 23، 100،186، 187] النساء [44، 47، 51] المائدة [57] التوبة [29] الحديد [16].

****

(وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ يَٰقَوۡمِ إِنَّكُمۡ ظَلَمۡتُمۡ أَنفُسَكُم بِٱتِّخَاذِكُمُ ٱلۡعِجۡلَ فَتُوبُوٓاْ إِلَىٰ بَارِئِكُمۡ فَٱقۡتُلُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ عِندَ بَارِئِكُمۡ فَتَابَ عَلَيۡكُمۡۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ)

 السؤال الأول:

ما الفرق بين الفاءين في قوله تعالى: (فَتُوبُوٓاْ) (فَٱقۡتُلُوٓاْ) في الآية ؟

الجواب:

الفاء الأولى للسبب؛ لأنّ طلب التوبة سببه الظلم, والفاء الثانية للتعقيب؛ لأنّ القتل من تمام التوبة، والمعنى : فأتبعوا التوبة القتل .

السؤال الثاني:

ما النفحات الفكرية والإضاءات البيانية في الآية ؟

الجواب:

1ـ أوحى الله إلى موسى عليه السلام أنّ شرط توبتهم قتل النفس، كما أنّ القاتل عمداً لا تتم توبته إلا بتسليم نفسه حتى يرضى أولياء المقتول أو يقتلوه.

2ـ قوله (فَتُوبُوٓاْ إِلَىٰ بَارِئِكُمۡ) [البقرة:54] أي: توبة بعيدة عن الرياء نابعة من القلب وهو مطّلعٌ على ضمائركم , ولو كانت توبتكم على غير ذلك فقد تبتم إلى الناس، وذلك مما لا فائدة فيه؛ لأنكم أذنبتم إلى الله فوجب أنْ تتوبوا إلى الله بارئكم.

3ـ جاء في التفاسير :أمر الله أن يقتلَ منْ لم يعبد العجلَ ،مَن عبده قتلاً حقيقياً ,  فيكون المعنى من قوله: (فَٱقۡتُلُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ)[البقرة:54] أي: استسلموا للقتل، وهو المعنى الأقرب، وقيل المعنى: ليقتل بعضكم بعضاً.

4ـ قوله: (ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ عِندَ بَارِئِكُمۡ) [البقرة:54]؛ لأنّ حالتهم كانت دائرة بين ضرر الدنيا وهو متناهٍ ، وضرر الآخرة وهو غير متناه؛ ولأنّ الموت لا بدّ منه فليس في تحمل القتل إلا التقديم والتأخير, وأمّا الخلاص من العقاب والفوز بالثواب فذاك هو الغرض الأعظم.

5ـ قوله: (فَتَابَ عَلَيۡكُمۡۚ)[البقرة:54]  هوإمّا من قول موسى عليه السلام كأنه قال : إن فعلتم فقد تاب عليكم, وإمّا أن يكون خطاباً من الله لهم على طريق الالتفات بتقدير : ففعلتم ما أمركم موسى فتاب عليكم بارئكم .

السؤال الثالث:

ما دلالة حذف حرف الألف (يَٰقَوۡمِ) من حرف النداء(يا) في الآية ؟  

الجواب:

حُذفَ حرفُ الألف من حرف النداء ( يا ) في جميع القرآن الكريم , ويوحي ذلك بأنّ النداء لا بدّ أن يكون من قرب حتى يكون تأثيره مؤكداً , فعبّر عن القرب بحذف حرف الألف .

ومثل ذلك كلمات :  (يَٰٓـَٔادَمُ) (يَٰرَبِّ) (يَٰبَنِيٓ) (يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ  ) (يَٰصَٰلِحُ).

والله أعلم .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين