من هدي النبوة.. حديث آية المنافق ثلاث

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله حمد الشاكرين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا وقدوتنا محمد النبي الأمين.

 

جاء في الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:

"آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ"؛ في البخاري تحت الرقم 33 وفي مسلم تحت الرقم 59.

 

اللهم صل وسلم وبارك على معلم الناس الخير.. وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلۡهَوَىٰٓ (3) إِنۡ هُوَ إِلَّا وَحۡيٞ يُوحَىٰ (4)؛ سورة النجم

 

الحديث ظاهر وبيّن في معانيه ومراميه وفيه تحذير من أفعال النفاق مجتمعة ومتفرقة بكلمات موجزة بليغة. لكن ما يلفت انتباه المرء، هو الترتيب الحاصل في صفات النفاق والانتقال من واحدة إلى أخرى؛ ولعل هذا من ملامح الإعجاز في أحاديث نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام.

 

يبدأ النبي الكريم بالآية الأولى من آيات النفاق وهي كما تبدو العلامة الصغرى من العلامات: إذا حدّث كذب.. يكذب المنافق إذا تحدث؛ وعلى من اعتاد الكذب في حديثه وكلامه أن يحذر النفاق.

 

الآية الثانية وهي تشمل الأولى، إذا وعد أخلف. يكون الوعد حديثا-كما يكون كتابة- وبالتالي يشتمل على الخصلة الأولى من خصال النفاق (إذا حدّث كذب). صار عادة له أن يحدث الكذب لينغمس فيه ويطلق الوعود الكاذبة، الوعود التي لا يفي بها.  إذن هو كذب في القول أدى إلى عدم البر بالوعد.

 

ثم الآية الثالثة للنفاق الشاملة للآيتين الأوليتين.. إذا اؤتمن خان. الأمانة يلزمها قول (أو كتابة) كما يلزمها وعد (قولا أو كتابة) بأداء الأمانة. يبدأ الرجل بالكذب في الحديث لينتقل نحو الأعم ونقصد عدم الالتزام والوفاء بالوعد ليتدرج نحو المرتبة الثالثة الجامعة للمرتبتين السابقتين؛ يؤتمن فيخون الأمانة.

 

خان أمانة الصدق في الحديث.. ثم خان أمانة الوفاء بالعهد أو الوعد.. ليخون من ثمّ أمانة ما اؤتمن عليه.

 

والسؤال لماذا يضطر الإنسان إلى الكذب ابتداء؟ الجواب هو في الحديث الشريف نفسه وهو وجه آخر من أوجه الإعجاز في كلام النبي صلى الله عليه وسلم. الجواب هو في مفردة النفاق المضادة للإيمان والإسلام. النفاق أساسه فيما نحسب ونعتقد خوف وفقر وضعف وهذه بصورة أو غيرها لا تتفق مع معاني الإسلام والإيمان العظيمة. وفي الحديث النبوي نجد أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يستعيذ بالله تعالى من الإثم والمغرم (الذي هو الدَّين الذي سببه الغالب هو الفقر الذي كان النبي الكريم صلى الله عليه وسلم يستعيذ منه!! سلسلة متصلة مترابطة..) ولما اُستفهم عليه الصلاة والسلام عن كثرة استعاذته من الإثم والمغرم أبان وأفصح وأجاب:"إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَرِمَ حَدَّثَ فَكَذَبَ وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ"؛ صحيح مسلم: رقم 1325

 

والفقر غالبا ما يكون نتيجة ضعف. ضعف في المُكنة الفكرية أو ضعف في الإدارة والتدبير أو ضعف في الهمة والعزيمة وهذه جميعها، كما تعلمون، كان النبي الكريم عليه الصلاة والسلام يستعيذ منها. كما لا يخفى عليكم أن الفقر والضعف يؤديان إلى خوف- خوف من الأقوى؛ خوف من المجهول. هذا الخوف نقيض الإيمان الذي هو إباء وعزة والتجاء إلى الله الخالق المالك المدبر. ولما ينتفي الإيمان أو يضعف ينبت النفاق ويزدهر.

 

اللهم إنّا نعوذ بك من الرياء والنفاق وأسبابهما، ونسألك إيمانا راسخا صادقا؛ وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين