لماذا ينبغي أن نتجنب التحليل القدري (2-3)

أقرأ لأحد المشايخ تحليلا قدريا لسقوط الخلافة العثمانية أن الله قد أزال ملكهم بسبب منهجهم (الأشعري الصوفي)، وآخر من هذا الصنف يرى في محنة الإخوان وما جرى للرئيس مرسي -رحمه الله- وإخوانه أنه دليل على منهجهم الباطل فلو كانوا على الحق لنصرهم الله فوعد الله لا يتخلّف (إن تنصروا الله ينصركم)، طبعا هذا تحليل المخالفين أو المعادين، بينما يرى محبّوهم ومؤيدوهم أنها سنة الله في الابتلاء والتمحيص (إذا أحب الله قوما ابتلاهم) و (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ).

الشباب المغرر بهم بخطابات داعش، كانوا يتحركون وكأنهم قد أخذوا عهدا موثقا من الله أنه سبحانه سينصرهم على الأمريكيين والإيرانيين والمرتدين والمبتدعين والحكام العرب وصولا إلى الروس واليابانيين، والنصوص الدينية حاضرة وواضحة ولا تقبل عندهم الشك أو النقاش!

حصل تسونامي اليابان، فسمعت أحد الخطباء يبشر بتحقق وعد الله بمحق الكافرين (ويمحق الكافرين)، وكان حينما حصل تسونامي أندونيسيا وهي أكبر بلاد المسلمين، قال أحدهم: هذا عقوبة من الله على شاليهات الفساد والتبرج المنتشرة على الشواطئ، وحينما حصل زلزال تركيا الذي قتل 17000 وشرد مئات الآلاف من المسلمين فكان التحليل أن هناك ضابطا تركيا قد أهان القرآن الكريم لحظة حصول الزلزال!!، وإذا تذكرون كان قبل ذلك زلزال مدمّر في الجزائر في (مدينة الأصنام) وكان اسم المدينة كافيا لتحليل السبب الحقيقي وراء الزلزال.

لقد أصبحت هذه الثقافة تمارس حتى على مستوى العلاقات الشخصية، فالشريك إذا اختلف مع شريكه ثم أصاب شريكه أي سوء فيقول: انظروا كيف انتقم الله منه، أما إذا أصيب هو فيقول: الله يبتلي عباده وأحبابه بما يشاء! صار هذا معتادا حتى بين الزوجة وزوجها والجار وجاره على أدنى خلاف بينهما.

يا أخوة الموضوع أكبر بكثير من حكم التشفي بالعدوّ أو الخصم، الموضوع أصبح فوضى عقدية وفكرية وقيمية لها أول وليس لها آخر، وفيها جرأة على الله وجزم بمراد الله دون دليل، وإرادة الله المطلقة لا يمكن أن تخضع لأمزجتنا نحن ورغباتنا.

الأمر الثاني أن هذه الطريقة في التفكير جعلت هؤلاء يزهدون في الدراسات العلمية الموضوعية، فهناك فرق مثلا بين أن ندرس أسباب سقوط الدولة العثمانية دراسة علمية موضوعية، وبين أن نحيل ذلك إلى تحليلات غيبية بدون أي دليل، من هنا ترون أيها الإخوة أنه رغم كثرة مصائبنا وكوارثنا إلا أن قدرتنا على الإستفادة من هذه التجارب محدودة، إننا في الحقيقة نعجز عن البحث العلمي الميداني الذي كلفنا الله به، فنلجأ إلى التفسيرات الغيبية القدرية، فصار القدر كأنه سلاح بين المختصمين، مع أن الأصل أننا ينبغي أن نؤمن بالقدر إيمانا عقديا راسخا ومنه الإيمان بإرادته تعالى المطلقة وبعلمه وقدرته، ثم ندير شؤوننا ونحكم على الناس وقضاياهم بالشرع والعلم والبينة والدليل..ونطلب من الله التسديد والتوفيق والقبول، أما هذا الذي نراه فهو فوضى في الدين والعقل والحياة ولن نخرج منها بنتيجة

الحلقة السابقة هـــنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين