لماذا ينبغي أن نتجنب التحليل القدري (1-٣)

سنة 2008 شاركت في مؤتمر (اقتصادي) لدراسة آثار الأزمة الاقتصادية الأمريكية التي أخذت طابعها العالمي بحكم قيادة الاقتصاد الأمريكي للاقتصاد العالمي.

كان الخطاب الديني التعبوي حاضرا بقوة في ذلك المؤتمر والمستند إلى تفسير أو تحليل قدري بحت، يتلخص بترديد قوله تعالى: (يمحق الله الربا)، وتحول جزء من المؤتمر إلى هتافات تعبوية، فيها قدر كبير من الشعور بالنصر، وأن الله تعالى قد حقق وعده بمحق الربا، ووصل الحد بباحث مشارك إلى القول: إن الغرب سيأتي راغما إلى الاقتصاد الإسلامي، فلا حل أمامهم أبدا إلا الإسلام.

في وسط هذا الجو شعرت كأني غريب، وكأن طريقتي في التفكير لا تتناسب أبدا مع هذا الجو، وربما سأبدو كأنني مدافع عن الغرب وعن ثقافته وسياساته الاقتصادية، فعادة ما يتم تصنيف الآراء هنا إلى (أسود) أو (أبيض)، (مع) أو (ضد)، ولا مجال للدراسة العلمية الموضوعية.

المهم بعد تردد، تشجعت بدافع الأمانة العلمية والشرعية، أن أطرح على المشاركين الأسئلة الآتية:

س1/ ماذا لو أن الأمريكان تمكنوا من اجتياز هذه الأزمة؟ ماذا سنقول للشباب الذين أقنعناهم بخطابنا اليوم أن هذه الأزمة هي وعد الله الذي لا يتخلف (يمحق الله الربا)؟

س2/ إذا كان معنى المحق هو هذا، فإن اليهود هم بؤرة التعامل الربوي من عمق التاريخ وإلى اليوم، وهم لا يزالون ممسكين بالرأس المال العالمي، رغم قلة عددهم؟ فكيف نفسّر هذا؟

س3/ هل قمنا بالفعل بدراسات علمية شاملة لمعرفة حقيقة الأزمة وأسبابها والجهات المؤثرة فيها، أو أن دورنا قد اقتصر بالإعراب عن فرحنا بوجود آية قرآنية لها علاقة في الموضوع فأغنانا ذلك عن التعب وبذل الجهد في تشخيص الواقع ودراسة الاحتمالات الممكنة؟

س4/ عودا على الآية الكريمة نفسها، هل هذه الآية آية (تشريعية) أو (آية خبرية قدرية)، وهل يجوز للمسلمين الاحتجاج بالقدر والاكتفاء به في الحكم على سلوك الإنسان التكليفي، وماذا سينبني على هذا لو عممناه في كل (النصوص القدرية)؟

في ذلك الوقت كانت العواطف قد أعفت الإخوة الباحثين والمشاركين عن التفاعل بإيجابية وموضوعية مع هذه الأسئلة، اليوم أرى بعضهم صار كأنه يتبنى هذه الأسئلة ويتعجب من الناس كيف كانت طريقة تفكيرهم عاطفية وبعيدة عن المنهج العلمي..الخ على العموم هذا شيء جيد وإن كان في الغالب يأتي بعد فوات الأوان..

يتبع

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين