استشعار المسؤولية في القرآن الكريم (3)

"من تحقيقِ المناط إلى ارتفاعِه"

المبحث الثالث

مستويات المسؤولية الفردية والمجتمعية

أولا- توزُّع المسؤولية:

1.مسؤولية تجاه النفس: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:6]، وقال صلى الله عليه وسلم لابن عمرو: ((يَا عَبْدَ اللَّهِ، أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ؟))، فَقُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: ((فَلاَ تَفْعَلْ صُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ؛ فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا))(1).

2.مسؤولية تجاه الغير: وفي الآية السابقة دلالة على هذا، وهذا الغير له مراتب عدة أهمُّها: المسؤولية تجاه الوالدين والأولاد والجيران وولاة الأمور، والمسؤولية تجاه غير المسلم وتجاه البيئة والحيوان، علمًا أن المسؤولية تجاه غير المسلمين تكون على حسب الحال، قال تعالى: {ادْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125].

ثانيا- مستويات المسؤولية المجتمعية:

أ‌- المسؤولية العلمية والفكرية، وتكون بنشر العلم والثقافة ومقاومة الخرافة والكهانة والأساطير وترك التَّقول على الله بغير علم، قال تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر:9] {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:111].

ب- المسؤولية الحياتية المعيشية كصلة الأرحام ودفع الزكاة والصدقات.

ج- المسؤولية بإقرار العدل وعدم التظالم، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:90].

د- المسؤولية بزرع القيم الأخلاقية وحمايتها، وتكون بزرع القيم ورعايتها كالإحسان والأمر بالمعروف والنهي عن الفحشاء والمنكر، قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110و111] وقال سبحانه: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال:25].

وحسبنا هنا الحديث عن نوعين تمس الحاجة إليهما في بلدنا الحبيب: المسؤولية الجدلية بين الزوجين، والمسؤولية الجدلية بين ولاة الأمور والعلماء.

من مجلة ( مقاربات) التي تصدر عن المجلس الإسلامي السوري، العدد السادس

الحلقة الثانية هنا

 

(1) صحيح البخاري، كتاب الصيام، باب حق الجسم في الصوم، رقم: 1975، تح: محمد زهير بن ناصر الناصر، الناشر: دار طوق النجاة، ط1، 1422هـ.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين