في ظلال أسماء السور (7) يونس... التوبة

هذه المقالة التدبرية، وإن جمع عنوانها بين سورتين كريمتين، فهي بالأساس تركز على سورة يونس عليه السلام، وأما بالنسبة لسورة التوبة فإن المقصد هو الوقوف على الحكمة من مجيء يونس بعد التوبة، أو لنقل محاولة استخلاص مقصود سورة يونس من خلال مجاورتها لسورة التوبة، كما تحاول هذه المقالة الإجابة عن بعض الأسئلة، من مثل: الحكمة من اختصاص يونس بسورة، وكذا حكمة مجيء سورة يونس في مقدمة السور التي سميت بأسماء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

لعل من أبرز حِكم مجيء سورة يونس عليه السلام بعد سورة التوبة، أن يونس عليه السلام وقومه يمثلون نموذجاً مهما من نماذج التوبة من حيث أن توبة يونس كانت بعد التقام الحوت إياه، وكان بعدها أن اجتباه ربه وأرسله إلى مائة ألف أو يزيدون فآمنوا، كما أن قومه قد تداركوا أنفسهم فأسلموا قبل وقوع العذاب فنجاهم الله، وهي أيضاً مثال جيد لقوم محمد في زمانه كي يقتدوا بهم ويسارعوا إلى الإيمان والتوبة والنجاة، وليست مثل قصة نوح أو هود حيث هلك قوماهما.

ولعل من حِكم الابتداء بسورة يونس قبل غيره من مثل إبراهيم ويوسف وهود، بل وقبل نوح ومحمد عليهم الصلاة والسلام، أن مثال يونس عليه السلام وقومه، هو أقرب الأمثلة لآدم عليه السلام وبنيه، فقد كان اجتباء آدم والتوبة عليه بعد الخطيئة، وكذلك كان يونس عليه السلام، ولئن كان أمثال يوسف وإبراهيم عليه السلام غاية في الإحسان والاستقامة والتقوى منذ الصغر حيث أوتي إبراهيم رشده من قبل، كما أن يوسف عليه السلام عندما بلغ أشده قد آتاه الله حكما وعلما لأنه كان من المحسنين، فإن القرآن قد سجل ليونس أنه فعل ما يستحق جزاء عليه أن يظل في بطن الحوت إلى يوم يبعثون لولا أنه كان من المسبحين.

وبالتالي فإن قصة يونس تؤنس العصاة الخطائين من بني آدم، و( كل بني آدم خطاء وخير الخطّائين التوابون)، وهم الغالبية العظمى منهم، فيما الذين نشأوا في عبادة الله هم الأقلون، ويستوي في مقارفة الخطايا والأخطاء، العامة والمصلحون من بني آدم، ولقد أضحى يونس بعد إباقه وخطيئته، مثلما أضحى آدم بعد الخطيئة، أفضل من حالهما قبلها إذ تاب الله عليهما واجتباهما، ولذلك فقد تحدثت عن قوم يونس الذين تداركوا أنفسهم فآمنوا قبل وقوع العذاب، وتحدثت سور أخرى عن يونس الذي تداركته نعمة من ربه فأخرجه أولاً من بطن الحوت ثم اجتباه وأكرمه بأن ألحقه بحَمَلة دينه وهدى على يديه أكثر من مائة ألف.

قصة يونس، وتوبة يونس وقومه، كي تستشرف نفوس القرشيين والعرب إلى التوبة والنجاة، بل وليكونوا حملة الدين إلى البشرية، وقصة يونس تؤنس وحشة العصاة الحائرين والذين لجّوا في الطغيان أنه لا يزال لديهم متسع من الوقت، وبصيص من الأمل أن يستدركوا فينجوا، ويلحقوا بركب الهداة والفاتحين.

ويكفي مثال سحرة فرعون، وخالد بن الوليد وعمرو بن العاص، ومن قبلهما عمر بن الخطاب رضي الله عنهم، ثم حال قريش وعرب الجزيرة ومن تبعهم، إذ نجاهم الله تعالى ثم أصبحوا أئمة الهدى وسادة الأمم.

الحلقة السابقة هـــنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين