كلنا نحبُّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولكنْ!

يصعب أن نتصوّر مسلماً لا يمتلئ قلبه بحب الله تعالى، وحب نبيّه صلى الله عليه وسلم، وحب أصحابه ومَن سار على دربه.

أيٌّ منا لا يَطْرَبُ لذكر النبي صلى الله عليه وسلم، ويغضب إذ يرى من ينتقصه أو يجافيه؟ وأيّنا لا يقول بلسانه أو بقلبه: روحي فداك يا رسول الله؟!.

لكن هل تكفي هذه العواطف للتعبير عن حبه صلى الله عليه وسلم؟ لقد جعل الله تعالى اتباع النبي صلى الله عليه وسلم هو المعيار لحبّ الله تعالى: (قُل: إن كنتم تحبّون الله فاتّبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم، والله غفورٌ رحيم). {سورة آل عمران: 31}.

فاتباع النبي صلى الله عليه وسلم هو الدليل على حبّنا لله سبحانه، وهو الطريق لنكون ممن يحبّهم الله ويغفر لهم ذنوبهم. وهو، صلى الله عليه وسلم، الأسوة الحسنة (لِمَن كانَ يرجو الله واليوم الآخر).

فهل عرضْنا أنفسنا على هذا الميزان؟: كم نحرص على فعل ما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى تجنّب ما كان ينهى عنه؟ وعلى الحذر مما لم يفعله من أمور هذا الدين. وما أحسن ما قاله بعض الفضلاء: كل طريق لم يسلكها رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي مظلمة ولا يُؤْمَنُ على سالكها من العطب.

ولْنتذكّر الحوار الذي جرى بين الصحابيين الجليلين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما بعد معركة اليمامة التي قُتل فيها عدد كبير من القرّاء حتى خشي عمر أن يستحرّ القتل بقرّاء القرآن في المواطن كلها، فرأى أنه لا بد من جمع القرآن في مصحف واحد، فقال أبو بكر رضي الله عنه: كيف نفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟. فلم يزل عمر يراجعه حتى شرح الله صدره وعلِمَ أن هذا الجمع من ضرورة حفظ القرآن [وهذا مما عُرف فيما بعد تحت عنوان المصالح المرسلة وغيرها من مصادر التشريع]. والقصة مرويّة في صحيح البخاري.

فأبو بكر يتحرّز من فعل شيء لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم، وعمر يبيّن أن هذا الفعل هو الذي يحفظ كتاب الله من الضياع.

إنه الحب الصادق من الصحابيين الكريمين لله وكتابه ورسوله.

وليعرض كل منّا أخلاقه على أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرى كم تحقق في نفسه من هذه الأخلاق.

وإذا كان صلى الله عليه وسلم قد جمع الكمالات كلها، بأعلى درجاتها، فلنتذكر بعض كمالاته لنتحقق بها ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً:

كان صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أشجع الناس، وكان أحلم الناس، وأكثرهم لأنعُم الله شكراً، وعلى بلائه صبراً. وكان أصدقهم لهجةً، وأحفظهم أمانةً، وأوفاهم وعداً.

فلنجعل من اقتدائنا به في سنّته القولية والفعلية والخُلقية دليلاً على حبّنا إياه، عسى الله أن يحشرنا تحت لوائه.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين