عن ثورة الحسين المظلوم والمظلومَة

مع إطلالة شهر محرّم من كلّ عامٍ تتعالى الاحتفالات الشّيعيّة وتنعقدُ المجالس الحسينيّة في ذكرى استشهاد الإمام المعصوم عند الشّيعة الحسين بن علي رضي الله عنهما والذي هو سيّد شباب أهل الجنّة وريحانة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عند اهل السّنة والجماعة.

وتنشط الحوارات حول السّنة والشّيعة ويحضرُ فيها الكثير من الاستقطاب الطّائفيّ وتغيبُ حقيقةُ الذّكرى التي هي ذكرى ثورةٍ من أعظم ثوراتِ المسلمين على الإطلاق في وجه الاستبدادِ والظّلم وذكرى مجزرةٍ دمويّة من أبشع المجازر في تاريخ المسلمين.

ثورةُ الحسين هي من أكثر الثورات المظلومة في طريقة التّعاطي معها، وقد ظلمها الجميع السنّة والشّيعة على حدٍّ سواء.

• فزّاعة التّشيّع 

يُعرِضُ كثيرٌ من الدّعاة والخطباء والعلماء المسلمين من أهل السّنة عن التّفاعل مع ثورة الحسين رضي الله عنه، ويتحاشون الحديث عن ثورة حفيد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في وجه الاستبداد السياسيّ بسبب الخوف من الاتّهام بالتّشيّع، وكأنَّ الحسين رضي الله عنه حكرٌ على الشّيعة فمن يقتربُ من ذكره وذكراه وثورته واستشهاده يُرمى بالتّشيّع أو يقال فيه على الأقلّ بأنَّ عنده ميولًا شيعيّة.

وغالبُ من يتحدّثون عن واقعة كربلاء من دعاة أهل السّنة والجماعة يذكرونها في سياق نقض روايات الشّيعة والرّدّ عليها، وكان الأحرى أن تكون واقعة الطّفّ وحادثة كربلاء وثورة الحسين هي الثّورة الملهمة لكلّ الثّورات في مواجهة الطّغيان والاستبداد.

ويصلُ الأمرُ حدًّا في غاية الغرابةِ والاستهجان عندما ترى ثلّةً من الكتّاب والباحثين والدّعاة من اهل السّنّة يحاولون الغمز من الحسين رضي الله عنه وتحميله المسؤوليّة كما ‏يحاولون تبرئة يزيد بن معاوية من الجريمة وتحميل مسؤوليّتها للمحيطين به؛ تمامًا كما يقال عن كثيرٍ من طغاة اليوم بأنّهم جيّدون لكن المشكلة في المحيطين به.

وتدورُ بك الأرض وأنت تسمع بعضَ من يناصرون ثورات الشّعوب لكنّهم تحت تأثيرِ موروث فقه التّغلّب يدافعون عن يزيد بن معاوية الذي قال فيه الإمام الذّهبي في سير أعلام النّبلاء: "ويزيد ممن لا نسبّه ولا نحبّه .. كان قويًّا شجاعًا، ذا رأيٍ وحزمٍ وفطنةٍ وفصاحةٍ وله شعرٌ جيّد؛ وكانَ ناصبيًّا فظًّا غليظًا جلفًا، يتناول المسكِر ويفعل المنكر، افتتح دولتَه بمقتل الشّهيد الحسين، واختتمها بواقعة الحرّة؛ فمقتَه النّاس"

لقدَ ظلمَ أهل السّنّة والجماعة ثورة الحسين رضي الله عندما لم يحوّلوها إلى ثورةٍ ملهمةٍ لكلّ ثوراتِهم في مواجهة الطّغيان والاستبداد، وظلموها حين تحاشوا التّعاطي معها خوفًا من تهمة التّشيّع، فغابت عن أحاديثهم وخطبهم وندواتِهم ومحاضراتِهم، وظلموها حين تجنّبوا إحياء ذكراها كما يحيون ذكريات الوقائع المفصليّة في تاريخ الأمّة الإسلاميّة خشيةً من اتّهامهم بالتناغم مع المجالس الحسينيّة العاشورائيّة الشّيعيّة، والأصل فيهم أن يقولوا للدّنيا كلّها : نحن أبناء الحسين المظلومون مثله، نحن أبناؤه المحاصرون من الاستبداد مثله، ورؤوسنا معلّقة على رماح الطّغاة المجرمين مثل رأسه فهو منّا ونحن منه.

• لبّيكَ يا حسين بأسياف يزيد

أمَّا الشّيعة فما زالوا يظلمون الحسين وثورته من حين تخلّيهم عنه بعد قدومه إلى الكوفة وحتّى يومنا هذا.

لقد ظلموا ثورة الحسين حين جعلوها ثورة الثّأر الباطش العدوانيّ فما زالوا يهتفون "يا لثارات الحسين" فيتعاملون مع مخالفيهم على أنّهم نواصب من سلالة يزيد ويحمّلونهم مسؤوليّة قتل الحسين وينادون بالثّأر منهم.

لقد ظلموا ثورة الحسين حين هجموا على حواضر العالم الإسلامي تحتَ حجّة الثّأر للحسين؛ فحملوا أسياف يزيد فبقروا بها بطون النّساء واستباحوا المدن وحاصروا النّاس حتّى ماتوا عطشًا مثل آل بيت النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في كربلاء وهجّروا الآمنين من مدنهم وقراهم وهم يهتفون لبّيك يا حسين.

إنَّ تلبية الحسين لا تكون بالجنون الطّائفيّ الذي لن يُحِلّ بالأمّة إلّا مزيدًا من الدّمار والخراب

إنّ تلبية الحسين تكون بالسّير على نهج ثورته التي رفضت الخضوع للاستبداد والإجرام السّياسي.

إنَّ الذين ثاروا على الطّغيان ووقفوا في وجه الحكّام المجرمين، وصرخوا في وجوه المستبدّين وجيوشِهم كما نادى الحسين رضي الله عنه "هيهات منّا الذّلّة" هم أبناء الحسين الحقيقيّين وهم حملةُ رسالته وهم أحبابه وهم الأَولى أن ينادوا في المحافل كلّها "لبّيكَ يا حسين"

• لا تضيّعوا ثورة الحسين

من الظّلم بمكان أن يتمّ تضييع أوّل ثورةٍ شهدتها الأمّة الإسلاميّة في وجه الاستبداد السّياسي تحت وطأة الاستقطاب الطّائفي السّنّي الشّيعي.

إنَّ المطلوب اليوم هو أن تغدو ثورة الحسين رضي الله عنه عنوانًا للأحرار الثّائرين في وجه الطّغيان والاستبداد، وهذا يتطلّب إعادة نظرٍ حقيقيّة في التّعامل معها بعيدًا عن تأثير الاستقطاب الطّائفيّ واستفزاز الرّدّ على الرّوايات المضادّة من جهة، والتّخلص من رهاب الاتّهام بالتّشيّع من جهةٍ أخرى.

المطلوب اليوم إعادة قراءة حادثة كربلاء وثورة الحسين رضي الله عنه قراءة موضوعيّة متجرّدة عن ‏الصّراع الطّائفي لاستلهام معاني انتصار الدّم على السّيف، ولنرى أنَّ أوّل من ثار على الحكم المستبدّ هو حفيد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فكان سيّد شباب اهل الجنّة؛ فكلّ من استشهدوا على طريقه في مواجهة أحفاد يزيد من الحكّام المستبدّين هم سادة شباب أهل الجنّة معه.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين