كيف ننصر المستضعفين في سورية ؟

إن الله تعالى خلقنا وأمرنا بالعبادة والطاعة، ونهانا عن العصيان والنكران، وقد امتحننا فيما بين أيدينا من نفس وولد ومال وأرض وجاه، ليخبر صدقنا ويمحّص إيماننا، وامتحاننا مستمر لم ولن ينته حتى قيام الساعة، وها نحن في البلد العظيم سورية، وقد امتُحن أبناؤها امتحاناً صعباً وبكل شيء، فلم يبق شيء إلا وقد نالوا به الابتلاء والمحن والشدائد. 

وربنا عز وجل يفدي العبدَ اللاجئَ إليه المخلصَ في تقرّبه بما يقدمه لربه قرباناً وعرفاناً ليرض عنه، وقد قدّم شعبنا في ثورتنا السورية المباركة شتى أنواع التضحيات، فمنّا من قدم روحه، ومنّا من قدم ولده فلذة كبده، ومنّا من قدم أرضه وبيته، ومنّا من قدم كل ذلك، ومنّا من قدم القليل الزهيد بالنسبة لمن سبقوا، الذين لم يلتفتوا إلى دنيانا التي نسعى إليها سعي الوحوش، فلم يغادروا أهلهم ووطنهم ورباطهم، ماضون في ملاقاة أشد أنواع العذاب من الجوع والظلم والتشرد والحرمان وقسوة الحياة ومرارة العيش، فمن هؤلاء السابقين من بقي يجاهد في المناطق المحررة، ويقدّم أجمل وأبهى صور التضحية والبطولة في الذود عن الدين والأرض والعرض ومقارعة الأعداء، ومنهم من يرابط في حراسة أهلنا المدنيين من نساء وشيوخ وأطفال، فيقدّم روحه في سبيل أمن شعبه وسلامتهم، ومنهم يعمل في المجالات الإنسانية والاجتماعية والإغاثية في المخيمات وتجمعات المهجّرين في شمال سورية، ومنهم من يسعى جاهداً لتأمين لقمة العيش للمجاهدين والمشردين وذويهم من الجمعيات الخيرية الصادقة على الأرض.

والآن وقد مَنَّ الله علينا بتوحد الفصائل المجاهدة في سورية، التي تتقدّم وتُسطّر أروع البطولات وتأخذ مناطق عدة خسرتها عندما كانت أحاداً، وأبطالنا يتقدمون ويصلون ليلهم بنهارهم، يؤثرون رباطهم على راحتهم (على الرغم من شراسة العدو وثقله على الأرض والجو من عدة وعدد) ولا يدخرون وسيلة أو جهداً إلا وبذلوه إرضاء لله عز وجل، وسعياً في نصر مؤزّر يخلّص شعبنا من طغيان الأسد الظالم ومن معه من الروس والفرس. فأغتنم هذه الفرصة الطيبة وأوجّه كلمتي إلى شبابنا القاعدين في المحرر، وأقول لهم: إنّ العدو بات مرتبكاً منصدماً مما يراه من سرعة سيطرة المجاهدين على المناطق، وانقلاب المعركة لصالحهم، وما يظهرونه من شجاعة وبسالة لا نظير لها، فيلقون أرواحهم في لبّ الموت غير آبهين ولا خائفين، متترسين بعون الله ومدده، متراصين مع إخوانهم في كافة الفصائل تحت كلمة واحدة، فرحين باجتماع رجالها وتكاتف أبطالها في توحيد الهدف، فأقول لإخواننا القاعدين: لا يليق بكم يا إخوتي أن تبقوا هكذا مكتوفي الأيدي بين النساء والأطفال في المخيمات وإخوانكم يدافعون عنكم ويُضحون لبقائكم أحياء سالمين وأنتم تنظرون إليهم، فما عليكم إلا أن تكسروا طوق حبّ الحياة وكراهية الموت وتنتفضوا ملبّين لما عند الله، فهبّوا باسم الله وكبروا، فاحموا ظهور أبطالنا، واحملوا بنادققكم فهي تنتظر عشّاقها، واجعلوها تزغرد زغردة العروس المشتاقة لفارسها، وتملئ الأفاق تكبيراً وتهليلاً، فشعبنا السوري البطل ينتظر منكم نهضة تزلزل الأرض وترجّها رجاً، وتدك حصون أعدائنا دكاً، فلا نامت أعين الجبناء، فوالله إن استشهاد البطل عبد الباسط الساروت تقبله الله شوّقنا وشهّانا أن نكمل طريقه ونموت على ما مات عليه، فإياك ثمّ إياك أن تقول غداً وغداً، قمْ من الآن فالموت في الرباط والغزو أشرف لدينا من موتنا في الخيام بين النساء والأطفال.

وأقول لشبابنا في خارج البلاد القريبين من سورية، والذين يستطيعون العودة إليها (وأنا واحد منهم أسعى وأدعو الله أن يعيدني لما يحبه ويرضاه، ويكرمني بشرف الجهاد في سبيله): يا أبناء خالد بن الوليد ومعاوية وأبي عبيدة الكرام، لستم ممن سقط عنه الجهاد أو فاته القطار أو بردتْ همته، فعودتكم إلى الجهاد أفضل وأثوب وأكبر من جهاد غيركم، فأنتم رأيتم الأمن والأمان ورغد العيش (ولو قليلاً) وأضحيتم تأمنون على أنفسكم إن نمتم أو خرجتم، فعودتكم لبلادكم عمل عظيم لا يقدّر بثمن، فترككم ما أنتم فيه ورغبتكم في الخوض في ساحات القصف والموت والجوع والمجابهة والرباط أعظم درجة وتقديراً، فلا تفوتكم هذه الفرصة ولا تلهيكم الحياة الدنيا، ولا يشغلكم الولد والمال والنفس، فهناك من قدّم كل ذلك في سبيل بقاءكم أحياء مطمئنيين، فأوطانكم تناديكم، وساحات الوغى تنتظركم، والمجاهدون ينظرون إليكم نظرة إكبار وإجلال لما ستقدموه فور عودتكم.

أما شبابنا في الخارج الذين فقدوا الأمل من القدرة على الرجوع أقول لهم: من قال لكم أن باب الجهاد باب البندقية والرشاش فقط؟! إن أبواب الجهاد كثيرة ومتنوعة ومتجددة، فعلى كل واحد منكم واجب في البحث عن طرق أخرى في الجهاد، فأيُّ عمل يكون عوناً للمجاهدين ويصبُّ في مصلحتهم ويُنكّل أعدائهم فهو بابكم المفتوح، فلا تبخلوا عليه بشيء، وكل منّا عليه ابتكار أبواب جديدة، تفرّج عن المجاهدين وتسهّل عليهم، وتضييّق على الأعداء وتكدّرهم، ولا حجة بعد ذلك بترككم أهلكم يموتون وأنتم عنهم قاعدون آمنون، ودونكم قصة ذلك الصحابي الجليل الذي أسلم حديثاً في غزوة الخندق فابتكرَ نوعاً جديداً من الجهاد، بعدما أشار عليه نبينا صلى الله عليه وسلم فقال له: (خذّل عنّا ما شئت). 

وأقول لأصحاب الأموال في الداخل والخارج: لقد نال عثمان بن عفان رضي الله عنه ما نال من رضاء الله ورسوله، عندما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم ارض عن عثمان فإنّي عنه راض)، وقوله: (ما ضرَّ عثمان ما فعل بعد اليوم)، وكان ذلك الرضا لوقوفه في ساعة العسرة وقفة رجل مؤمن صاحب مسؤولية، فقدّم ما قدّم من المال في تجهيز الجيش ليقاتل في سبيل الله، فما أنتم فاعلون بأموالكم أيها الكرام؟! وهل ستنفعكم عند موتكم في شيء؟ فوالله لا تنفعكم أموالكم ولا أولادكم ولا أحسابكم إلا إذا جعلتموها مطيّة لإرضاء الله تعالى، فصاحبكم في قبوركم عملكم، فقدّموا لتك الساعة وعمّروا بيوت الآخرة بمواد ومال الدنيا، ولا تنتظروا وتسوفوا.. فرنين الرصاص وأزيزها في سبيل الله أجمل عند الله من رنين الدنانير والدراهم والليرات، ودعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان رضي الله عنه قد ينسحب على كلّ من يعمل مثل عمل عثمان، فعطاء الله لا ينقطع، وأمثال الصحابة كُثر في حياتنا، فاسعَ لتكون شريك صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان رضي الله عنه في الجنة.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من جهّز غازياً في سبيل الله فقد غزا ومن خلف أهله بالخير فقد غزا). إن المجاهد الذي ترك كل شيء وتقدّم فرحاً لما عند الله تاركاً الدنيا ومتعلقاتها، فمنهم من يكون خالص التفكير في ربه ورضاه والجنة والنصر أو الشهادة، ومنهم من يخالط ذلك شيئاً من التفكر بالأهل وماذا جرى لهم؟! وما مصير أولاده؟! هل هم جائعون عراة آمنون خائفون؟! ومن هذه الخواطر التي لا تترك مجاهداً إلا وتكدّر عليه سعيه، وعندما يقوم أحد القاعدين الموسورين ويكفل أهل المجاهد ويقول له: امضِ فأهلك بأمانتي بخير، ولا تفكر بهم فنحن نخلفك في عونهم وتأمينهم، فإنّه سيخترق ساحات العدو، لا يفكر بأي شيء إلا في النصر أو نيل الشهادة، (ولا يفوتنا أن نُسلّح المجاهدين بالتوكل على الله وحده، وأن يستودع أهله عند من لا تخيب عنده الودائع) فهلّا قمتم أيها الأخوة على سدِّ هذا الثغر، ولكم أجر الغزو كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم؟!. 

منذ مدة قام بعض الأخوة الكرام والشيوخ الأفاضل في المحرر السوري بمبادرة رائعة وأسموها حملة (ارم معهم بسهم)، وكان لها صدى كبير ومؤثر، وقد رأينا أصحاب الخير يتنافسون في تقديم الغالي والنفيس لعون أهالي المجاهدين وإعالتهم، وما نجح هذا الأمر إلا لتوفر الإخلاص والصدق في هذا العمل والأخوة الأوفياء الأمناء على أموال المحسنين (ولا نزكّي على الله أحداً) الذين أرونا كيف يعمل المجاهد إن لم يكن في ساحة المعركة، ويحتاج العمل الجهادي والمعاشي في سورية الآن لعشرات هذه المبادرات والحملات بل يحتاج لشركات كبيرة تعمل على تأمين المجاهدين وذويهم، فقدموا أيها الأخوة لأنفسكم، والله وليكم ولن يتركم أعمالكم. 

وأخيراً أقول لكل مسلم: إن أبواب الجهاد لا تنغلق ولا تُقيّد ولم تكن محدودة يوماً، فاعمل ليوم تلقى الله فيه مجاهداً، فمن لم يهتم لأمر المسلمين فليس منهم، والجهاد في سورية ليس حجراً على أهل سورية فحسب بل حق وواجب عموم أمة الإسلام، والمسلمون في الشام يجاهدون نيابة عن الأمة الإسلامية قاطبة، فإن كُسرت شوكة جهاد أهل الشام فلن تقوم قائمة للمسلمين، فعلى على المسلمين جميعاً عون إخوانهم في الشام بما يستطيعون فعله، وبأي وسيلة تقرّبهم من أهدافهم، وعلى جميع المنظمات والتجمعات الإسلامية توحيد الكلمة في الوقوف مع ثورتنا بشكل عملي وحقيقي وجاد، وتقديم الدعم لها بكافة أشكاله وعلى جميع الأصعدة، لتستمر شعلة الجهاد مضيئة في شامنا، وليكمل المجاهدون طريقهم ويؤدوا رسالتهم وينالوا حريتهم ويحققوا أهدافهم.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين