تنظير النصب في العصر الحديث

اعلم أنَّ النصب مصطلح يظهر معناه من الجهة التي تستعمله، فحين يطلقه الشيعة يعنون به كلَّ من يوالي الصحابة الكرام أو يبغض أهل البيت.

وحين تطلقه النابتة المتبرئة من معاوية في العصر الحديث فتعني به كل منْ يتولى معاوية رضي الله عنه.

أما حين يطلقه اهل السنة، فيعنون به من وجدت به صفة من الصفات التالية:

١-إنكار فضل أهل البيت عليهم السلام، مع أن فضلهم ثابت في القرآن الكريم والأحاديث الغفيرة. 

٢-إنكار صحّة خلافة علي بن أبي طالب عليه السلام،أو إنكار فضله، أو الثناء المطلق على من فعل ذلك، وتخطئته في حروبه مع معاوية.

وقد قال أحمد بن حنبل: من لم يربّع بعلي فهو أضل من حمار أهله. 

٣-إنكار مظلوميَّة الحسين عليه السلام حين قتل مع أهل بيته في كربلاء، والثناء المطلق على قاتليه والمتسبّبين في قتله، معاندة للحديث الشريف الناطق بفضله وأنه يقتل شهيدا.

وقد أولع النواصب بمدح بني أمية مطلقا، وإطراء فتوحاتهم، لكنهم عموا عن مصائبهم واستهتارهم بالدماء، وتوليتهم عتاة المجرمين، مثل زياد بن أبيه والحجَّاج بن يوسف وغيرهما.

وأقبح ذلك كيلهم المديح ليزيد، مع ما فعله عامله ابن زياد في كربلاء من قتل الحسين وأهل بيته، دون تفرقة بين الولدان منهم وغيرهم، وما فعله عامله مسلم بن عقبة في أهل المدينة من قتل واستباحة يوم الحرة. 

ثم اعلم أن النصب ظل بدعة مقيتة منبوذة عند أكثر المسلمين، لم ينتحلها إلا شرذمة من بني أمية إبَّان حكمهم الأول في الأمة وحكمهم الثاني في الأندلس، ولم يوالهم على ذلك إلا فئة من أهل الشام والبصرة من منتحلي الفقه والرواية، دخلوا في النصب حميَّةً لأجدادهم الذين قاتلوا ضد علي فقتلهم، كمثل حريز بن عثمان وأسد بن وداعة والمغيرة بن مقسم وغيرهم .

ووافقهم على ذلك الخوارج، وزادوا عليهم تكفير علي عليه السلام، وبقيت منهم إلى الآن بقايا الإباضية على اختلاف بينهم في ذلك.

ثم إنه في العصر الحديث، نبتت نابتة من الكتاب والمؤرخين الذين لم يحتموا من العلم بركن ركين، فأرادوا معاندة الرافضة ولو بسَوْق الأباطيل، وانضاف اليهم أناس غرّتهم دعوى القومية العربية، فأرادوا أن يجعلوا من الأمويين أبطالاً يُحتذى بهم، مع تبرئتهم من بوائقهم وبلاياهم.

فقامت هذه النابتة من حيث لم تشعر بالتنظير للنصب، وإرساء دعائمه بالحجج الواهية، والبراهين المتداعية.

فمن هذه الطائفة :

١-محمد إسعاف النشاشيبي، وهو أديب فلسطيني، ليس من العلم في قبيل ولا دبير، قاده جهله وخصومته مع آل الحسيني في بلده القدس إلى تصنيف كتاب (الإسلام الصحيح) أخرج فيه علياً وزوجه وأبناءه من أهل البيت، وقال فيه ص٤٣: (وأهل البيت أوآل البيت في كتاب الله هم نساء النبي فقط بس (كذا) ، لم يدخل معهم في ذلك القول داخل ولا داخلة ولا دخيل)! ولا شك أن هذا نصب صريح، وعماية عن حديث الكساء الصحيح.

وقد استفزّ كتابه الشيعة، فانتصب للرد عليه بعض علمائهم، بينما ظل السنة عنه ساكتين! 

٢-محمود مهدي الإستانبولي، حيث حشا تعليقاته على (العواصم من القواصم) بالنصب الصريح، ومن ذلك: زعمه ص٢٢٠ أن علياً رحمه الله هو من سنَّ لخصومه أن يلعنوه في أعقاب الصلوات، لأنه كان يلعنهم في الصلاة، فصار ذلك سنَّة في الأمويين إلى زمن عمر بن عبد العزيز!

فتأمل كيف جعل لعن الأحياء الذي فعله علي مبرِّراً لسبِّ الأموات عقوداً متطاولة!

٣-محمد حامد الفقي، ذمَّ الحسين عليه السلام صراحة وبرّر قتله، فحاز من النصب ذروته، ومن الجرم غايته، حيث قال في تعليقه على كتاب (رأس الحسين) ص١٩ : (لكن الحسين غلبه الشباب والإدلال بالنسب والخديعة بالشيعة،... فزجّ بنفسه وبمن معه من شباب بني هاشم في الأخطار التي أهلكتهم، ولم يكن شيء من كل ذلك يرضي الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم.. وما كان يسع يزيد ولا عبيد الله بن زياد - والفتن تموج بالجزيرة قلب العالم الإسلامي ودماء صفين لا تزال تلمع بالفتنة-ما كان يسعهم إلا ما كان، ولو أن الحسين أو غيره من بني هاشم كان مكانهم ما وسعه الا ما وسعهم)!

فتأمل التألّي على الله والرجم بالغيب! 

٤-محمد الخضري ، فقد حمّل الحسين جريرة فرقة الأمة الى يومنا هذا، فلام بذلك الضحية وأعرض عن الجلاد، فقال في محاضراته ص٤٦٠: (إن الحسين أخطأ خطأ عظيما في خروجه هذا الذي جرّ على الأمة وبال الفرقة والاختلاف، وزعزع عماد إلفتها الى يومنا هذا)!

إلى غير ذلك من ترهاته، وقد أحسن الرد عليه العلامة الشيخ محمد العربي التباني في (تحذير العبقري من محاضرات الخضري).

والخضري لم يكن من أهل هذا الميدان، لكنه انتدب في الجامعة المصرية لتدريس التاريخ، فوقع منه ما وقع، وهو أول من مال إلى النصب من مدرسة الإصلاح والتجديد، وخالف في ذلك شيخه محمد عبده وقبله الأفغاني. 

٥-طه حامد الدليمي، وهو ناصبي جلد، جمع جلَّ مصائب النواصب فأوعى، من إنكار فضل أهل البيت، والثناء على يزيد، وغير ذلك، مع جهالة عريضة وادعاء ممجوج.

 

انظر مقالة ( لماذا أعتذر إلى هؤلاء ؟ )

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين