دفاع عن الصحابة رضي الله عنهم (3-5) هل كانت ولاية معاوية فتنة كبرى ؟

زعم عداب أن الحسين عليه السلام كان: (يرى ولاية معاوية فتنة كبرى، ويرى جهاده واجبًا شرعيًّا). 

وعمدته ما وقع عند ابن سعد وغيره، أنَّ الحسين عليه السلام قال لمعاوية في كتاب كتبه إليه: (أتاني كتابك وأنا بغير الذي بلغك عني جدير، والحسنات لا يهدي لها إلا الله، وما أردت لك محاربة، ولا عليك خلافا، وما أظن لي عند الله عذرا في ترك جهادك، ولا أعلم فتنة أعظم من ولايتك أمر هذه الأمة).

فتأمَّل كيف تعلق عداب بآخر قول الحسين وترك أوله وهو: (وما أردتُ لك محاربة ولا عليك خلافا). وفي نفس الخبر أن الحسين كان قد بايع معاوية لأنَّ معاوية كتب له: (إنَّ من أعطى الله صفقة يمينه وعهده لجدير بالوفاء وقد أنبئت أن قومًا من أهل الكوفة قد دعوك إلى الشقاق وأهل العراق من قد جربت قد أفسدوا على أبيك وأخيك، فاتق الله واذكر الميثاق فإنك متى تكدني أكدك).

وهذا ظاهر في أن الحسين عليه السلام لم ينزع بيعة معاوية ، لأن هذا الخلاف كان في آخر عهد معاوية حيث عهد إلى يزيد الطاغية فثار الحسين عليه السلام وخالفه لأجل ذلك، لا لأنَّ ولايته كانت كما يرى عداب (فتنة كبرى).! 

كيف وهو قد بايعه واستمرَّ على طاعته في ولايته حتى وقع من معاوية العهدُ ليزيد، فوصفُه لولايته بالفتنة لأنه ختمها بالعهد ليزيد الطاغية وإلا فكيف تكون فتنة وهو قد بايعه وأطاعه وسلّم له، فقول عداب هذا يلزم منه أن الحسين –عليه السلام-رضي بالفتنة، واللازم باطل فالملزوم مثله.

قبول الحسين عليه السلام جوائز معاوية:

بدليل أن الحسين- عليه السلام- قبل جوائز معاوية وكيف يقبلها وهو لا يراه إماما؟!! كما رواه الآجري من طريق يحيى بن حسان قال: حدثنا سليمان بن بلال عن جعفر بن محمد عن أبيه أن الحسن والحسين رضي الله عنهما كانا يقبلان جوائز معاوية رحمه الله، وهذا إسناد من طريق العترة الطاهرة كما ترى.

ومن طريق محمد بن الفضل السدوسي عارم قال: حدثني مهدي بن ميمون، عن محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب قال: كان معاوية رحمه الله إذا لقي الحسين بن علي رضي الله عنهما قال: مرحبا بابن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهلا، ويأمر له بثلاثمائة ألف.

ومن طريق إسرائيل عن ثُوير عن أبيه قال: انطلقتُ مع الحسن والحسين رضي الله عنهما وافدين إلى معاوية رحمه الله فأجازهما فقبلا.

ولو لم يكن الحسين عليه السلام يرى معاوية إمامًا لما قبل جوائزه، لا يقال: إنـهما قد قاتلاه؟ لأن قتالهما إيَّاه كان قبل بيعته وتسليم الأمر له، كما أن خلاف الحسين لمعاوية كان بعد العهد ليزيد، وكان قبل ذلك مبايعا لمعاوية، فتنبه ...

ليس قول المجتهد حجة على مجتهد آخر: 

وهب يا دكتور عداب أنه كما تقول فكان ماذا إذا كان هذا رأي الحسين وخالفه أخوه الحسن فبايع معاوية، وكلاهما مجتهد ولا يكون قول مجتهد حُجَّة على آخر إلا بدليل، فكيف والدليل مع الحسن بإقرار النبي صلى الله عليه وآله وسلم على فعله.؟! 

بيعة الحسن عليه السلام لمعاوية ونزوله عن الخلافة: 

وقد علل النبي صلوات الله عليه وآله وصفه للحسن بالسيادة ببيعة معاوية التي وقع بـها الصلح بين المسلمين، وسكنت الفتنة، وهو يوجب صواب رأيه ورجاحته على رأي الحسين، لما تقرَّر في الأصول: أن تعقيب الحكم بوصف مشعر بعِلِّيَّـته، فيكون بيعته لمعاوية ونزوله له عن الخلافة الذي هو سبب الصلح بين الطائفتين علة استحقاق الحسن السيادة، وهو يقتضي صحَّة بيعة معاوية وإلا لم يكن لوصفه بالسيادة معنى.

وأيضا فالحسن ذو ولاية، والحسين لا ولاية له إذ ذاك، وقد تقرَّر في الأصول: أنَّ اجتهاد من له الولاية مقدَّم على اجتهاد من لا ولاية له، فسقط تشغيب عداب، وبطل قوله. 

وما أجود ما كتب السيد العلامة محمد بن إبراهيم الوزير للإمام المهدي يقول له:

لئن كنتَ مقتدياً بالحسين ... فلي قدوةٌ بأخيه الحسَنْ

فقد حمِدَ المصطفى فعلَهُ ........ لإطفائه لنيار الفتَـنْ

ولو كان في فعله مخطئاً ... لما كان للمدح معنىً حسَنْ

وفي (الاحتجاج) للطبرسي: قال الحسن عليه السلام: (أرى والله معاوية خيراً لي من هؤلاء يزعمون أنـهم لي شيعة، ابتغوا قتلي وأخذوا مالي، والله لأن آخذ من معاوية ما أحقن به من دمي وآمن به في أهلي خير من أن يقتلوني فيضيع أهل بيتي، والله لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتى يدفعوا بي إليه سلماً، ووالله لأن أسالمه وأنا عزيز خير من أن يقتلني وأنا أسير) وبالله التوفيق.

الحلقة الثانية هنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين