التحقيق في تاريخ وفاة النبي صلى الله عليه وسلم 

قضية الاحتفال بالمولد النبوي هي مثار جدال وخصام فهي بين موافق ومعارض ، وأياً كان الأمر فلكل فريق رأيه وحجته ، وتعتبر من المسائل الخلافية التي أفتى بجوازها الكثير كبار علماء الأمة ، بشرط إذا كان الاحتفال منضبطاً وخاليا من المنكرات ، وينبغي ألا يكون هذا الاختلاف سبباً في التنابز والتناحر ، فمن اقتنع بعدم جوازه فهذه وجهته ولا يليق أن يتهمه الفريق الآخر بالجفاء والقسوة وأنه لا يهتم بحب النبي صلى الله عليه وسلم ، وبالمقابل من اقتنع بجواز الاحتفال فله وجهته ولا يتهمه الفريق الآخر بالابتداع والضلال ومخالفة الهدي النبوي .

وأريد التنبيه لأمر كثيراً ما يستشهد به من ينكر الاحتفال بالمولد وهو أن الثاني عشر من ربيع الأول هو يوم ولادته وبآن واحد يوم وفاته فكيف نظهر الفرح في يوم كانت فيه وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ؟؟!!

#الجواب:

الحقيقية أن من يدرس هذه المسألة دراسة علمية تحقيقية يجد أنه لا توافق على الإطلاق بين يوم ولادته ووفاته، وأنه يستحيل تاريخياً وتقويمياً أن يكون ( 12) ربيع الأول هو يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، والتقاويم موجودة وكذلك مواقع الحسابات التقويمية على الشبكة العنكبوتية يمكن الدخول عليها بكل سهولة للتأكد من ذلك ، فهي متفقة على أن (12 ربيع الأول سنة 11هـ ) هو يوم الأحد وليس يوم الاثنين، وقد أجمع العلماء على أن النبي صلى الله عليه وسلم توفّي يوم الإثنين، في شهر ربيع الأول من العام الحادي عشر بعد الهجرة. 

ففي صحيح البخاري من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنّ أبا بكر الصديق سألها لمّا حضرته الوفاة: في أي يوم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: «يوم الإثنين».

وقال النووي: (واتفقوا أنه ولد يوم الإثنين في شهر ربيع الأول، وتوفي يوم الإثنين من شهر ربيع الأول).

نعم شاع في كتب السير أن النبي صلى الله عليه وسلم توفيّ في الثاني عشر من شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة للهجرة. 

ومسألة تاريخ وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فيها مواضع إجماع ، ومواضع خلاف ينبغي تبيينها: 

موضع الإجماع أنه يوم الاثنين من ربيع الأول 

وأما الخلاف فهو في تاريخ ذلك اليوم هل هو الثاني عشر أو غيره؟ 

ذكر ابن إسحاق والواقدي وغيرهما أنّه توفي يوم الإثنين الثاني عشر من ربيع الأوّل وهذا القول له علّة يأتي بيانها.

لكن هذا القول مخالف لما عليه العلماء المحققون ، وقد قام العلامة السهيلي رحمه الله بعملية حسابية لتحديد تاريخ وفاة النبي صلى الله عليه وسلم جعل نقطة الانطلاق هو يوم عرفة في حجة الوداع ، ثم استعرض الأيام التي عاشها النبي صلى الله عليه وسلم بعدها، والاحتمالات القائمة في عدد أيام الشهور التي جاءت بعد حجة الوداع وهي عدد أيام شهر ذي الحجة وشهر محرم وشهر صفر ، فوجد أنه من المستحيل أن يأتي يوم ( 12) في بداية ربيع الأول هو يوم الاثنين ، والعملية الحسابية التي قام بها قد سبق بها ما توصلت له التقويمات الحديثة .

قال العلامة السهيلي في كتابه "الروض الأنف" وهو من أجلّ كتب السيرة: (واتفقوا أنه توفي صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين قالوا كلهم: "وفي ربيعٍ الأول غير أنهم قالوا أو قال أكثرهم: "في الثاني عشر من ربيعٍ" ، ولا يصحُّ أن يكون توفي صلى الله عليه وسلم إلا في الثاني من الشهر أو الثالث عشر أو الرابع عشر أو الخامس عشر لإجماع المسلمين على أن وقفة عرفة في حجة الوداع كانت يوم الجمعة، وهو التاسع من ذي الحجة؛ فدخل ذو الحجة يوم الخميس؛ فكان المحرم إما الجمعة وإما السبت:

- فإن كان الجمعة فقد كان صفرٌ إما السبت وإما الأحد.

- فإن كان السبت فقد كان ربيعٌ الأحد أو الاثنين.

وكيفما دارت الحال على هذا الحساب فلم يكن الثاني عشر من ربيعٍ يوم الاثنين بوجه ولا الأربعاء أيضًا كما قال القتبي، وذكر الطبري عن ابن الكلبي وأبي مخنفٍ أنه توفي في الثاني من ربيعٍ الأول، وهذا القول وإن كان خلاف أهل الجمهور؛ فإنه لا يبعد إن كانت الثلاثة الأشهر التي قبله كلها من تسعةٍ وعشرين؛ فتدبره فإنه صحيحٌ، ولم أر أحدًا تفطَّن له، وقد رأيت للخوارزمي أنه توفي عليه السلام في أول يومٍ من ربيعٍ الأول ، وهذا أقرب في القياس ممَّا ذكر الطبري عن ابن الكلبي وأبي مخنفٍ)ا.هـ

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين