الجهل بالتراث الإسلامي قنطرة تتسلل من خلالها الأفكار المنحرفة

من أكبر الجرائم التي ارتُكبت في حقّ هذا الجيل من المسلمين تجهيلهم بتراثهم الإسلامي بجميع فروعه، فليست حالة طبيعية تلك التي لا يعرف فيها معظم المسلمين تفاصيل وافية عن علوم العربية والتفسير والقرآن والحديث والأصول والفقه والسيرة والتاريخ والرجال وغيرها من العلوم الإسلامية. وإنّ الجهل الفاحش بهذه العلوم هو أهم قنطرة تتسلّل من خلالها الأفكار المنحرفة.

إنّ المعرفة وحدها في سياق التراث الإسلامي كافية لردّ معظم الشبهات المطروحة حول الإسلام ونصوصه ومصادره وشخصياته؛ لأنّ معظم هذه الشبهات تستغل حقيقة جهل المسلمين بتراثهم.

على سبيل المثال: عندما يردّد العامّة نقلا عن عدنان وشحرور وغيرهما مقولة مفادها أنّه كان هناك تساهل كبير في التاريخ الإسلامي في قبول الأحاديث المنسوبة للنبي صلى الله عليه وسلّم، وأنّ المسلمين اليوم يقبلون أي حديث يُنسب للنبي.. إلى آخر ما يدور حول فكرة واحدة: وهي أنّ المسلمين قبلوا الروايات المنسوبة للنبي دون تمحيص!

هذه المقولة تنهار تماما عندما يطّلع المسلم على نبذة يسيرة من علم الحديث تفيده بأنّ ما صحّحه علماء الإسلام مما نُسب للنبي صلى الله عليه وسلّم من روايات لا يتجاوز مما نُسب إليه! أي أنّ علماء الإسلام عبر التاريخ وحتى عصرنا هذا كانوا متشدّدين جدّا في قبول الروايات المتعلّقة بأقوال النبي صلى الله عليه وسلّم وأخباره وأحواله، ولو تبحّر قليلا لعلم أنّهم ابتكروا من الآليات الفاحصة فوق ما يتصوّره.

قسْ على ذلك كل شبهة في باب من أبواب العلوم الإسلامية: في العربية مثلا، من له اطلاع يسير على معاجم اللغة سيدرك أن الجذر الثلاثي للكلمة تتفرع عنه في كثير من الأحيان كلمات عديدة بمعان مختلفة، وهذه المعلومة وحدها كافية لدحض ما يطرحه محمد شحرور في إعادة تأويل المصطلحات القرآنية، فيدرك القارئ أنّه إنّما يختار من المعاجم المعنى الذي يتسق مع القيم العلمانية المعاصرة، لا المعنى الذي يتفق مع السياق.

ولو كان لدى المسلم ثقافة يسيرة حول تاريخ كتابة المصاحف واختلاف القراءات والاختلافات في تسمية السور وعدد آياتها؛ فلن يقع في شبهات من يزعم أنّ هناك آيات ناقصة في بعض السور! أو أن المسلمين غير متّفقين على قرآن واحد!

هذا غيض من فيض، فاقرأوا كتب العلماء قديما وحديثا، واطلعوا على تراثكم وثقافتكم في جميع الأبواب، فهذه ثقافة مهمة جدا لدفع الشبهات، ولتبيُّنِ الحجم العلمي الحقيقي لهؤلاء الذين يخرجون على وسائل الإعلام منتفخين كالبالونات، فإذا فتّشت عن حشوهم وجدت واحدهم خِلوًا من العلم، مشحونًا بالجهل والأهواء.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين