إلغاء المسَلّمات توطيد للشبهات

مساكين أولئك الناقمون على دين الإسلام عقيدة وشريعة، ما يزالون يمضغون شبهاتهم على وجل، ثم يزردونها بصمت الواحدة تلو الأخرى، فرَقا من سيف المسلمات المسلول من غمده، والمسلط على رقابهم إن هم استفسروا عن غامض أو استوضحوا عن شبهة.

هذا الخيال المجنح المجافي للواقع اليوم، هو ما توحي به مقالة الدكتور سعد الكبيسي بعنوان (كروتنا الحمراء) التي جاءت على خلاف مقتضى الحال تماما.

إذ لا يخفى على من لديه أدنى اطلاع على ما يعرض عبر الفضائيات من هجوم منسق على الثوابت وزعزعة للمُسلَّمات على نحو من الشراسة جعلت بعض أهل المسلمات هم الذين يتحرجون ويتخوفون من سيف الشبهات المسلط على رقابهم، حتى لقد تراجع بعضهم عن مسلماتهم وسلّموا لأهل الشبهات بباطلهم، بل لقد رأينا ورأيتم من المنتسبين إلى العلم والدعوة من يحكم بإيمان اليهود والنصارى والمجوس، ويَعِد صالحيهم بالجنة يوم الخلود، ورأينا منهم من يفتي الراقصات بحل عملهن وبتأصيله شرعا ويثني عليهن به، ومن يفتي بحل ربا البنوك، ومن يفتي بحل زواج المسلمة من غير المسلم، ويفتي بالمساواة في الميراث بين بنات الميت وبنيه، وبين أخوات الميت وإخوته، ورأينا منهم من يحكم بمنزلة (شهيد) للقتلى في سبيل الوطن من غير المسلمين. أو من يفتي بحل بيع الخمر، أو يفتي بنزع حجاب المرأة، أو بإنكار المعجزات المادية، إلى غير ذلك مما يطول ذكره من هدم المسلمات بلا هوادة ولا رحمة. 

ولا أرى مقالة الدكتور سعد الكبيسي هذه إلا في سياق تنازل أهل المسلَّمات عن مسلَّماتهم تحت ضغط الهجوم الإعلامي المتواصل على تلك المسلَّمات، والمستظهر بمن وراءه من قوى ومراكز ودوائر تخطّط وتموّل وتحرّض وتحمي.

وكان مقتضى هذا الواقع أن ندعو إلى تقديس المسلَّمات وجعلها حمى حراما، لا أن ندعو إلى توهين وتهوين شأنها حتى يسومها كل مفلس من سفِلة الكُتاب والإعلاميين والمستغربين. 

وقد قرأت مقالة الدكتور سعد الكبيسي يوم نشْرها على المجموعة، فرأيت فيها ثغرات بل طامات في النقل والفهم والاستدلال، لا يغني معها تعقيب عابر أو حكم موجز عاجل، مما اقتضاني البحثَ والتتبع لرد الأمور إلى نصابها، ووضع النقاط على حروفها، لا على حروف غيرها.

وإنني في هذا المقام لأتمنى على الإخوة الدعاة من أهل علم التربية أو علم السياسة أو الإدارة أو الاقتصاد أو علم الاجتماع أو الطب ونحو ذلك، أنهم إذا أرادوا أن يُبْدِعوا أو يأتوا بالجديد الذي يَسعد به متابعوهم وتلامذتهم، أن يجعلوا ذلك الإبداع والتجديد في الآليات والأمور الإجرائية واستنباط الحِكَم ونحو ذلك مما لا يمس شيئا من ثوابت العقيدة والشريعة، لأن الإبداع في هذه الثوابت ابتداع مذموم، ولأن التجديد الحقيقي للدين إنما هو في الرجوع به إلى قديمه، وردِّ طارئ عِوجه إلى قويمه.

وأما أن نجعل تجديدنا وأفكارنا الإبداعية في الدعوة إلى طي مبدأ المسلَّمات وإغماد سيفها الذي يذود دونها، فهي فكرة جديدة لافتة جِدُّ فاقعة، ولكنها منكورة مرفوضة بقدر ما هي جديدة.

وأنكر منها الاستدلال عليها بأدلة عجيبة، منها ما لا يصح في ذاته، ومنها وقع الخلل في نقله فحصل الوهم فيه من قِبَل ذلك، ومنها ما فُهِم على غير وجهه، فأثمر ذلك كله دعوة الكاتب إلى إرجاع سيف المسلمات إلى غمده.

هذا إن كان قد بقي في أيدي أصحاب المسَلّمات سيف يغمدونه أو يستلونه.

والحق أن مثل هذه الأبحاث والوقائع والأدلة التي تناولها الكاتب لا يكفي فيها الكتابة من الذاكرة، والبناءُ على ما تسعفك به منها ومن فهمك لها، بل لا بد من تحديث العهد بتلك النقول والوقائع، وبتوجيه أهل العلم لدلالاتها ومعانيها، وإلا فيُخشى أن تكون النتيجة معكوسة، عندما تقدم لقرائك تجهيلا وتضليلا من حيث تظن أنك تقدم لهم تعليما وهداية.

وقد أحببت أن أعرض مآخذي على مقالة الكاتب الدكتور سعد الكبيسي مفصلة من خلال التعليق على كل فقرة تستوجب التعقيب منها. فأقول:

قال الكاتب: (أن يكون الأمر الديني قطعيا وثابتا ومسلّما به لا يعني أبدا عدم جواز الاستفسار عنه وعدم دخول الشبهة فيه على الناس.)

وأقول: القضية اليوم يا أخي ليست قضية شبهة تَعرِض فيسأل صاحبها عن جوابها، هذا لا ينكره ولا يجادل فيه أحد.

القضية اليوم هجوم شرس على المسَلّمات مرسوم منسّق مدعوم ممنهج مموّل، يُبتغى منه هدم القيم وتوهين الدين في نفوس المسلمين.

ولا يحق لنا ولا يصح منا تسطيح القضية وتمييعها بحيث لا نراها أكثر من مستفسر يبتغي بيانا، أو صاحب شبهة يريد أن يتحرر من أرقها.

قال الكاتب: (إن علينا أن لا نرفع الكارت الأحمر في لعبة الحوار والنقاش في وجه كل سائل ومتشكك لتحرمه من المتابعة وحقه في الاستفهام والمعرفة.) 

وأقول: لا خلاف على هذا الكلام لو كان التشخيص للواقع كذلك، وقد أسلفنا أن الأمر أكبر من ذلك بكثير.

هذا مع تحفظي على تسمية الحوار في المسَلمات "لعبة" فإن الله تعالى جعل اللعب في مقابلة الحق في قوله سبحانه: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (38) مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ} [الدخان].

قال الكاتب: (وإن علينا أن نرجع سيف المسلمات الى غمده ونسحب دعوى الثوابت من المرافعة).

وأقول: هذا الكلام فيه تساهل وجناية على العلم وعلى الحقيقة، فإن المسألة إذا كانت من المسَلّمات حقا، فإن من تبليغ الدين ومن بيان العلم الذي أوجبه الله تعالى على أهل العلم، أن نبيِّن للمحاور أو المستشكل أن هذه المسألة من المسَلّمات، وكتمان ذلك جناية على العلم وتأثيم للكاتم، وغش للمكتوم.

قال الكاتب: (إن الفكرة تقارع بالفكرة والحجة تدحض بالحجة وإن أكبر مقتل للمحاور أن يتعجل في حسم الحوار تحت حجة انه مخالف للثوابت والمسلمات والقطعيات في هروب مبطن من إثبات خطأ الفكرة محل الحوار الى طريقة سلبية في الحسم لا تصحح فكرة ولا تقنع محاورا.)

وأقول: هذا صحيح عندما تكون هناك فكرة وحجة...

وأما عندما يكون الطرح متمثلا في الإصرار على تسمية الكفر إسلاما، والهذيان برهانا، فإن من السُّخف والضعف وتوهين الحق وتضييع الوقت، القبولَ بهذا الطرح أصلا، فضلا عن مجاراة صاحبه فيه بذريعة الرد على كلام هو أغنى ما يكون عن الرد.

وإنما يقال لهذا المشكك بداية: هذا من الثوابت والمسَلمات. فإن لم يكن من المسَلّمات عندك فهلمّ فلنبدأ من الأصول كما يُحاور الكافر المعترف بالكفر، لنثبت له أن الله سبحانه حق، وأن القرآن محفوظ، وأن الرسول صلى لله عليه وسلم معصوم... إلى آخر ما هنالك، وعندئذ سيقرر هو بنفسه إن كان منصفا أن هذه المسألة أو تلك من المسَلّمات التي لا يختلف فيها مسلمان.

وإلا فما جدوى الحوار في الفروع قبل تحرير الأصول؟

قال الكاتب: (مع الانتباه أن كثيرا مما نعده ونظنه من الثوابت والمسلمات هو ليس كذلك ولم ينعقد عليها اجماع ولا اتفاق صحيح صريح. هل هناك قطعي أكبر من استحالة رؤية البشر لله تعالى في الدنيا؟!! ومن الشك في كيفية قدرة الله على إحياء الموتى؟!!!!)

وأقول: هذه الفقرة وما بعدها من كلام الكاتب فيها تناقض وخلل وعلل لا بد من بيانها لنتبين من خلال ذلك البيان أن التمثيل والاستدلال بكلا الواقعتين غير صحيح علميا، وذلك على النحو التالي:

أولا: ما كاد الكاتب يفرغ من التنبيه إلى أن بعض ما نعده من الثوابت والمسلمات ليس منها لعدم الإجماع والاتفاق على ذلك... حتى نقض تنبيهه وخالف قاعدته ووقع فيما حذّر منه من فوره حين قال: (هل هناك قطعي أكبر من استحالة رؤية البشر لله تعالى في الدنيا؟!!)

وأقول: لا نُسَلّم بأن رؤية البشر ربهم في الدنيا مستحيلة، فضلا عن أن تكون تلك الاستحالة قطعية. وذلك لنفس السبب الذي ذكره الكاتب في تنبيهه، وهو أن تلك الدعوى ليست موضع اتفاق ولا إجماع.

فإن الخلاف في هذه المسألة مشهور بين أهل العلم من لدن الصحابة رضي الله عنهم، حيث أثبت ابن عباس رضي الله عنه رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه ليلة المعراج، ونفتها عائشة رضي الله عنها.

وقد نقل النووي الخلاف في هذه المسألة، وذهب رحمه الله تعالى إلى مذهب ابن عباس في إثبات الرؤية، وله في ذلك نقول وتقريرات نفيسة في شرح صحيح مسلم إذ يقول نقلا عن الإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن محمد بن الفضل التميمي الأصبهاني الشافعي في كتابه "التحرير في شرح صحيح مسلم": [والأصل في الباب حديث ابن عباس حبر الأمة والمرجوع إليه في المعضلات، وقد راجعه ابن عمر رضى الله عنهم في هذه المسألة وراسله: هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه؟ فأخبره أنه رآه. ولا يقدح في هذا حديث عائشة رضي الله عنها، لان عائشة لم تخبر أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لم أر ربي. وانما ذكرت ما ذكرت متأولة لقول الله تعالى: {وما كان لبشر أن يكلمه الله الا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا} ولقول الله تعالى: {لا تدركه الأبصار} والصحابي إذا قال قولا وخالفه غيره منهم لم يكن قوله حجة، وإذا صحَّت الروايات عن ابن عباس في إثبات الرؤية وجب المصير إلى إثباتها، فإنها ليست مما يدرك بالعقل ويؤخذ بالظن، وإنما يتلقى بالسماع، ولا يستجيز أحد أن يظن بابن عباس أنه تكلم في هذه المسألة بالظن والاجتهاد. وقد قال معمر بن راشد حين ذكر اختلاف عائشة وابن عباس: ما عائشة عندنا بأعلم من ابن عباس. ثم ان ابن عباس أثبت شيئا نفاه غيره، والمثبت مقدم على النافي. هذا كلام صاحب التحرير. فالحاصل أن الراجح عند أكثر العلماء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ربه بعيني رأسه ليلة الاسراء لحديث ابن عباس وغيره مما تقدم، وإثبات هذا لا يأخذونه إلا بالسماع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا مما لا ينبغي أن يتشكك فيه. ثم ان عائشة رضي الله عنها لم تنف الرؤية بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو كان معها فيه حديث لذكرَتْه، وإنما اعتمدت الاستنباط من الآيات وسنوضح الجواب عنها ...اهـ انظر شرح النووي على مسلم [3 /5] ط إحياء التراث. وانظر البحث بأبسط من هذا عند الحافظ ابن حجر في الفتح ج8 ص607 وما بعدها. ط دار المعرفة.

وعليه فقد بطل تمثيل الكاتب واستدلاله على وجوب إغماد سيف المسَلمات بقضية رؤية البشر ربهم سبحانه وتعالى في الدنيا، لأن استحالة تلك الرؤية ليست مسَلّمة.

ثانيا: وأما قوله: وهل هناك شيء أكبر (من الشك في كيفية قدرة الله على إحياء الموتى؟!!!!)

فأقول: إن إقحام الشك في هذا المقام لا يصح بحال، لما فيه من اتهام سافر بالشك للخليل إبراهيم عليه السلام. وحاشا مقام الخليل من ذلك، فإنه عليه السلام لم يشكّ في قدرة الله تعالى على إحياء الموتى، ولا في كيفية قدرته على ذلك، معاذ الله، هذا باطل ينفيه حال الخليل ومقاله.

أما حاله فهو الحنيف المسلم، بل هو أبو المسلمين الذي بلغ من إسلامه لربه أنه لم يراجع ربه سبحانه حتى في أمره إياه بذبح ولده.

وأما مقاله فإنه قال: {بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} وطلبُ زيادة يقين القلب واطمئنانه لا ينفي أصل اليقين فكيف يفيد الشك في الإيمان؟!

كيف وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "نحن أحق بالشك من إبراهيم" متفق عليه.

قال الإمام النووي رحمه الله عند شرح هذا الحديث من صحيح مسلم: اختلف العلماء في معنى "نحن أحق بالشك من إبراهيم" على أقوال كثيرة أحسنها وأصحها ما قاله الإمام أبو ابراهيم المزني صاحب الشافعي وجماعات من العلماء، معناه: أن الشك مستحيل في حق إبراهيم، فإن الشك في إحياء الموتى لو كان متطرقا إلى الأنبياء لكنت أنا أحق به من إبراهيم، وقد علمتم أني لم أشك، فاعلموا أن إبراهيم عليه السلام لم يشك، وإنما خص إبراهيم صلى الله عليه وسلم لكون الآية قد يسبق إلى بعض الأذهان الفاسدة منها احتمال الشك، وإنما رجح إبراهيمَ على نفسه صلى الله عليه وسلم تواضعا وأدبا، أو قبل أن يعلم صلى الله عليه وسلم أنه خير ولد آدم. اهـ انظر شرح النووي على مسلم 2 /183 ط إحياء التراث.

قال الكاتب: (لقد حاور الله عبده موسى حين طلب النظر اليه ولم يجرمه بل اثبت له الاستحالة من خلال...)

وأقول: هذا استدلال جِدُّ عجيب. وهل يُنزَّل موسى عليه السلام في سؤاله النظر استزادةً من فضل الله تعالى بعد أن حصل له من لذة التكليم ما أطمعه أن يجمع بين منقبة التكليم ومنقبة الرؤية، فقال: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} فهل يُنَزَّل موسى عليه السلام في هذا منزلة من يسأل تعنتا ومكابرة.

وإلا فهل سأل الكاتب نفسه: لماذا لم يقابَل نفس السؤال الذي سأله موسى من طلب رؤية الحق سبحانه، عندما سأله الملأ السبعون من بني إسرائيل، بمثل ما قوبل به موسى من الحوار الهادئ والدليل البيّن؟

لماذا قوبل سؤال السبعين من خيرة بني إسرائيل أن يروا الله تعالى، بالتجريم والتنكيل والصعق الفوري المميت الذي حدثنا الله تعالى عنه في قوله: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (55) ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة]؟

إنهم لم يسألوا الرؤية حبا في الاستكثار من فضل الله كما فعل موسى عليه السلام، وإنما سألوا الرؤية تعنتا ومكابرة، وجعلوها شرطا لثباتهم على الإيمان، فإما أن يجابوا لطلب الرؤية وإما أن يرتدوا كفارا غير آبهين، كما يدل عليه قولهم: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً}

والسؤال الآن: أي السؤالين كان أنسب أن يُستشهَد به على واقع الجرأة على الدين اليوم، سؤال موسى الرؤية؟ أم سؤال قومه إياها؟

فهل اتضح الآن أن الاستدلال بسؤال موسى الرؤية، على إسقاط المسَلمات غير صحيح؟

قال الكاتب: (وحاور عبده إبراهيم حين طلب رؤية كيفية إحياء الله للموتى....)

وأقول: قد أسلفنا من قبل أن إبراهيم عليه السلام لم يكن في سؤاله شاكا ولا مترددا في المسَلمات ولا متجاوزا للخطوط الحمراء. فالاستدلال بهذا على إلغاء فكرة المسَلمات ليس في مكانه. 

قال الكاتب: (وانظر لحوار ابراهيم مع أبيه ازر حين أثبت له الايمان بحوار عقلي وعملي.)

وأقول: وهذا أيضا لا دليل فيه على ما استدل عليه الكاتب من وجوب إغماد سيف المسَلمات، لأن حوار إبراهيم مع أبيه وقومه حوار مؤمن لكفار ليس عندهم شيء من المسَلمات أصلا.

فأين هذا من حوار من يرون أنّ نقض المسَلمات هو الإسلام؟!

لو كانو يستعلنون بالكفر لكان السبيل معهم سبيل إبراهيم عليه السلام مع أبيه وقومه.

ولكنهم يعمدون إلى النصوص القطعية ليخرجوها من الدين، وإلى المنكرات القطعية ليقولوا هذا هو الإسلام.

فما أبعد حالهم عن حال آزر وقومه!!

قال الكاتب: (وهؤلاء الصحابة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه في أخطر قضية في الوجود وهي (وجود الله تعالى ومن الذي خلقه سبحانه؟ فيقول: "ذاك صريح الايمان ".)

وأقول: أما هذه فيؤسفني أن أقول: إن هذا الكلام باطل من ألفه إلى يائه، وكل ما بني عليه باطل بالضرورة.

فلا والله ما سأل الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وجود الله، ولا شكُّوا أصلا ليسألوه. ولا سألوه عمن خلق الله.

ولا والله لم تكن الإشارة في قوله: "ذاك صريح الإيمان" إشارة إلى سؤالهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وجود الله ولا عمن خلق الله.

فليتق اللهَ المسلم الذي ينقل المعرفة دون توثيق ولا تحقيق فيُضل الخلق من حيث يزعم أنه ينصر الحق.

هذا الحديث الذي أشار إليه الكاتب أصله في الصحيحين، أورده البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة من صحيحه، وترجم له بباب قال فيه: "باب ما يكره من كثرة السؤال..." ولاحظوا التباين في توجيه الحديث بين تبويب البخاري وبين السياق الذي أورده فيه الكاتب!

ونصه في صحيح البخاري عن أنس بن مالك: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لن يبرح الناس يتساءلون حتى يقولوا: هذا الله خالق كل شيء فمن خلق الله؟

وفي نص هذا الحديث في صحيح مسلم ما يدل على أن المقصود بذلك التساؤل في الحديث ما يقع في الخواطر من الوسوسة التي ينكرها المسلم ويستعظم طروءها في نفسه، ولم ينطق بها لسانه.

ونص الحديث عند مسلم: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لاَ يَزَالُ النَّاسُ يَتَسَاءَلُونَ حَتَّى يُقَالَ: هَذَا خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ، فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ؟ فَمَنْ وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَلْيَقُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ.

وواضح من قوله: "فَمَنْ وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَلْيَقُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ» أنه يتكلم عن وسواس في النفس وليس عن سؤال باللسان.

ولذلك فإن النووي رحمه الله تعالى لما بوّب لهذا الحديث من أحاديث كتاب الإيمان في شرحه على صحيح مسلم قال: باب بَيَانِ الْوَسْوَسَةِ فِي الإِيمَانِ وَمَا يَقُولُهُ مَنْ وَجَدَهَا. 

وتحت هذا الباب الذي بوّبه النووي يأتي حديث آخر في نفس القضية يؤكد أن التساؤل المذكور إنما هو وسوسة نفس وليس سؤالا باللسان وجهه أحد من الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

ونصه: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَسَأَلُوهُ: إِنَّا نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا مَا يَتَعَاظَمُ أَحَدُنَا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ. قَالَ: وَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: ذَاكَ صَرِيحُ الإِيمَانِ.

فانظر رحمك الله إلى قولهم: ... يَتَعَاظَمُ أَحَدُنَا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ. هل يُتصور معها أنهم سألوه عن وجود الله أو عمن خلق اللهَ، وهم يستعظمون مجرد النطق به؟!

ثم انظر رحمك الله كيف وافقهم النبي صلى الله عليه على ذلك التحرج الذي يجدونه حين قال: وَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ؟ فكنَّى النبي صلى الله عليه ولم يصرّح.

فهل يصح بعد هذا أن يزعم زاعم أن الصحابة سألوا رسول الله عمن خلق الله، ثم يبني على ذلك الدعوة إلى هدم الهيبة وإسقاط التحرج من هذا السؤال ونظائره؟! ولا يكتفي بذلك حتى يزعم أن النبي صلى الله عليه أثنى عليهم بذلك ووصف سؤالهم المزعوم الموهوم هذا بأنه صريح الإيمان.

اللهم إني أبرأ إليك من هذا الزعم، وأستغفرك من هذا الفهم.

أجل، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ذَاكَ صَرِيحُ الإِيمَانِ. ولكن الإشارة هنا إلى تحرجهم من التكلم بما يقع في خواطرهم، وليس إلى سؤالهم الذي لم يقع أصلا، ولا إلى الوساوس التي ضاقوا منها ذرعا.

قال النووي في شرح مسلم: فقوله صلى الله عليه وسلم :"ذلك صريح الايمان ومحض الايمان"، معناه: استعظامكم الكلام به هو صريح الايمان، فإن استعظام هذا وشدة الخوف منه ومن النطق به فضلا عن اعتقاده، إنما يكون لمن استكمل الإيمان استكمالا محققا، وانتفت عنه الريبة والشكوك. اهـ انظر شرح النووي على مسلم [2 /154] ط إحياء التراث.

وانظر في هذه المسألة فتح الباري ط دار المعرفة [13 /273]

فالصحابة رضي الله عنهم لم يسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وجود الله ولا عمن خلق الله، ومعاذ الله أن يفعلوا.

نعم، هناك من سأل هذا السؤال بعد الصحابة رضي الله عنهم، ولم يزل في الناس من يسأله إلى يوم الناس هذا، وذلك لأن اليقين في قلوب الصحابة لا يشبهه الشك الذي في قلوب من يسأل هذا السؤال.

وقد تنبَّأ النبي صلى الله عليه وسلم أن ناسا بعد الصحابة سيسألون الصحابة رضي الله عنهم هذا السؤال.

ففي صحيح مسلم عن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَيَسْأَلَنَّكُمُ النَّاسُ عَنْ كُلِّ شَيءٍ حَتَّى يَقُولُوا: اللَّهُ خَلَقَ كُلَّ شَيءٍ فَمَنْ خَلَقَهُ؟

ولقد شهد أبو هريرة رضي الله عنه تحقق هذه النبوءة بنفسه، كما جاء في صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لاَ يَزَالُونَ يَسْأَلُونَكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ حَتَّى يَقُولُوا: هَذَا اللَّهُ فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ؟ قَالَ: فَبَيْنَا أَنَا فِي الْمَسْجِدِ إِذْ جَاءَنِي نَاسٌ مِنَ الأَعْرَابِ فَقَالُوا: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، هَذَا اللَّهُ فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ؟ قَالَ: فَأَخَذَ حَصًى بِكَفِّهِ فَرَمَاهُمْ ثُمَّ قَالَ: قُومُوا قُومُوا، صَدَقَ خَلِيلِي.

فهل يظن عاقل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكر أولئك السائلين في معرض الثناء عليهم بهذا السؤال الغليظ القبيح؟!

كيف وقد قال سبحانه في ذمهم: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} [آل عمران: 7]

وفي الصحيحين عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: تَلاَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (هُوَ الَّذِى أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُو الأَلْبَابِ) قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِذَا رَأَيْتُمُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ فَاحْذَرُوهُمْ .

وهل ترون أن أبا هريرة عندما حصبهم كان يغمد سيف المسَلمات ويشجعهم على تجاوز الخطوط الحمراء؟!

ولم تكن هذه الصرامة من أبي هريرة بدعا من الناس، فقد سبقه إلى ذلك أمير المؤمنين سيدنا الفاروق رضي الله عنه، الذي أشهر سيف المسَلمات في وجه "صًبيغ بن عِسْل" الذي قدم المدينة فجعل يسأل عن متشابه القرآن وعن أشياء، فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه فبعث إليه عمر فأحضره وقد أعد له عراجين من عراجين النخل. فلما حضر قال له عمر: من أنت؟ قال: أنا عبد الله صبيغ. فقال عمر رضي الله عنه: وأنا عبد الله عمر. ثم قام إليه فضرب رأسه بعرجون فشجه، ثم تابع ضربه حتى سال دمه على وجهه، فقال: حسبك يا أمير المؤمنين فقد والله ذهب ما كنت أجد في رأسي. انظر تفسير القرطبي. آل عمران الآية 7

وفي مجموع فتاوى ابن تيمية: [وكان ابن عباس إذا ألح عليه رجل في مسألة من هذا الجنس يقول: ما أحوجك أن يُصنع بك كما صنع عمر بصبيغ.! وهذا لأنهم رأوا أن غرض السائل ابتغاء الفتنة لا الاسترشاد والاستفهام. كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: إذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه... وكما قال تعالى: {فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة} فعاقبوهم على هذا القصد الفاسد...] انظر مجموع الفتاوى لابن تيمية [13 /311]

وهذا الإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة، رحمه الله، يستل سيف المسَلمات في وجه السائل عن الاستواء، كما رواه البيهقي في كتاب "الاعتقاد" بسنده إلى يحيى بن يحيى قال: كنا عند مالك بن أنس، فجاء رجل فقال: يا أبا عبد الله، (الرحمن على العرش استوى) كيف استوى؟ قال: فأطرق مالك رأسه حتى علاه الرُّحَضَاءُ ثم قال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا مبتدعا. فأمر به أن يخرج.

فما قول الكاتب في الذي سبق من هدي عمر وأبي هريرة وابن عباس ومالك بن أنس وغيرهم رضي الله عنهم؟

قال الكاتب: (وهذا شاب يستأذن في محرم قطعي في الشريعة وهو محرم الزنا ويطلب اباحته فلم يعنفه .....")

وأقول: وهل كان ذلك الشاب يعلم أنه قطعي محرم حين سأل مسألته تلك؟ لو كان الزنا عند ذلك الشاب حين سأل إباحته قطعي التحريم لما سأل ما سأل، ولكنه سأل وهو يرجو الرخصة من صاحب التشريع صلى الله عليه وسلم.

فهل يصح الاستدلال بسؤاله ذاك على مشروعية الحوار في إباحة الزنا اليوم؟!

قال الكاتب: (إن كثيرا من الحوار النافع والتلاقح الفكري المثمر نخسره لمجرد أن أحد الأطراف يظن أن ما يقال مخالف للثوابت فتنتفض غيرته الدينية لحسم الحوار والنقاش ظانا أنه يحسن صنعا.)

وأقول: يا أخي لسنا نتحدث عمن جعل الخلافيات مسَلمات، فهذا جاهل يُعَلَّم.

وإنما نتحدث عن المجترئ المضل على علم، الذي يصر على زعزعة المسَلمات والثوابت التي لا خلاف عليها.

فهل نقول في حق أمثال هذا – وهمْ كثير – علينا أن نرجع سيف المسلمات إلى غمده ونسحب دعوى الثوابت من المرافعة؟!!

إذاً فما الفرق بين المسلَّمات والخلافيات؟!!

قال الكاتب: (إن في الشريعة خطوطا حمراء وثوابت راسخة لكن ليس في الشريعة منع أحد او تجريمه من الاستفسار عنها أو طرح شبهة دخلت عقل أحد دون علم.)

وأقول: الأمر يختلف باختلاف الباعث على السؤال والمناقشة وعرض الشبهة، فإن كان الباعث استدفاع الشك باليقين فنعم السؤال ونعم السائل.

وإن كان الباعث الصد عن الدين وإثارة الشكوك في قلوب المسلمين كما هو الشأن في إعلام الزندقة اليوم، فإن السائل عندئذ مجرم عن علم وعمد، وعضو في شبكة مجرمين كائدين يبغون المسلمين الفتنة، وفيهم سماعون لهم.

وهل هناك أبلغ جرما من الصد عن سبيل الله بعد أن قال الحق سبحانه: {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [المنافقون: 2]

وختامًا أقول: من المؤسف أنه ما يزال التساهل في أمر الثوابت والتمييعُ فيها حتى وجدنا أنفسنا وكأننا بلا ثوابت، ووجدنا أنفسنا نعترف للزنادقة بثوابت لا تُمس، ألا وهي حقهم في زلزلة ونسف كل ثوابتنا.

فما أسعدهم بتنازلنا عن ثوابتنا وإقرارنا لهم بثوابتهم!!

صحيح أن الأمة في مرحلة ضعف وعجز عن سل سيف المسَلمات على الذين في قلوبهم زيغ كما فعل عمر وأبو هريرة ومالك والخليفة المهدي العباسي الذي رقى بالسيف الزيغ الذي يعشش في قلوب الزنادقة..، 

ولكن هذا الضعف المرحلي لا يصح أن يكون أصلا لتقعيد القواعد وإطلاق الأحكام ضد الثوابت والمسَلمات من وحي ذلك العجز الطارئ.

إن هذا التساهل جناية على الحقائق كما أنه جناية على الأجيال الناشئة عندما يجدون أنفسهم وليس عندهم عقيدة جازمة ولا يقين راسخ في شيء من شؤون دينهم.

وأمام طغيان بهرجة الباطل على صفاء الحق سيجدون أنهم بلا تحصين ولا التزام بشيء مسَلّم لا يساومون عليه، مما يجعلهم عرضة للسقوط العقدي القاتل.

بلى نحن اليوم أحوج ما نكون إلى تأكيد قداسة الثوابت عن أن تُبتذَل على ألسنة التافهين والتافهات الذين يأخذون المشروعية من بعض من ينتسب إلى العلم والدعوة، ممن يرضى لنفسه أن يجالس هؤلاء ويحاورهم في المعلومات من الدين بالضرورة، ويرضى لنفسه في ذلك موقع المتهم الذي يجتهد في دفع التهمة، وما هي بتهمة. فيسيء إلى نفسه وإلى دعوته، ويخدُم من خلال ذلك شبهات الزنادقة وحلفائهم من الساسة والإعلاميين والمتربصين....

ولا يخفى على من له أدنى متابعة للهجمة الإعلامية المسعورة على الثوابت الإسلامية، قدرُ الخزي الذي يجره أناس يمثلون جانب الحق في الحوار، لأنهم سلموا للخصم بمبدأ جواز انتقاص كمالات الإسلام وازدراء محاسنه، ثم جعلوا يجتهدون في الدفاع.

والحق أغنى ما يكون عنهم وعن دفاعهم، لأنه قوي بنفسه، مسَلّم في ثبوته.

حوارات تذكرك بقول القائل:

ألم تر أن السيف يُزرَى بقدره إذا قيل إن السيف أمضى من العصا.

وإلى الله المشتكى.

والله أعلم.

تنظر مقالة : كروتنا الحمراء هنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين