الرد على الدكتور علي كيالي بخصوص زواج السيدة عائشة رضي الله عنها (2)

والآن حان موعد الرد على الدكتور علي منصور كيالي في زعمه أن عمر أم المؤمنين عائشة الصديقة حين تزوجها رسول لم يكن 9 سنوات وإنما كان 25 سنة ، مخالفا في ذلك كل الروايات التاريخية ، والأحاديث والآثار المتعلقة بهذه القضية .. والغريبُ أن الكيالي لم يفند الثابت بثابت أرجح منه ، ولا اعتمد الدليل الراجح ، وإنما استند إلى أوهام اخترعها ، وتُرّهات ألبسها ثوب البحث والتمحيص ، ليتظاهر وكأنه أتى بما لم يُسبَقْ إليه ... وليتوصل بذلك إلى المهمة التي وُكِلَتْ إليه وإلى أمثاله ، ألا وهي التشويشُ على المسلمين في أمر دينهم ، وتشكيكُهُمْ فيما جاءهم عن نبيِّهم صلى الله عليه وسلم من سنة قولية وعملية ثابتة ، أو سيرة نبوية واضحة . وإليكم ردنا على ما قاله الكيالي في الفيديو ، الذي قمتُ بتفريغه ، والتعقيب عليه فقرةً ؛ فقرة ، مبيناً ما فيه من زيف وباطل .. والله المستعان والهادي إلى سواء السبيل .

قال الدكتور : علي منصور كيالي 

مقـالـة اليـوم [ عُمر السيّدة عائشة عند زواجهـا.!!! ]:

إن [ عُـمْر السـيّدة عائشـة رضي الله عنهـا وعن أبيهـا ، كان / 25 / سنة عند زواجها ] بالرسول صلى الله عليه وسلّم ، وكانت البداية في محاضرة ألقيتهـا في مدينة [ حلب ] عام 2006 بمناسبة [ حلب عاصمة الثقافة الإسلاميّة ] ، و ذلك [ بـعـدة إثبـاتات ] من أجل اليقـين التامّ ، وأوضحتُ في تلكَ المحاضرة هـذه الأمـور في ثلاثة إثباتات :

الإثباتُ الأوّل :

حـدَثَ عـام الحـزْن [ يوم وفاة السيّدة خديجة الكبرى رضي الله عنها ] ، حدث قبل زواج السيّدة عائشة رضي الله عنها بـ / 5 / سنوات .

وفي [ عـام الحـزْن ] جـاءت [ خـولة بنـت حـكيم ] وعـرضَتْ على الرسول صلى الله عليه و سلّم ، أنْ يتـزوّج إحدى اثنـتـيـن : إنْ ثيّـبـاً : [ سـوْدة بنت زَمَـعَـة ] ، و إنْ بـكْـراً : [ عـائـشـة بنـت أبي بـكْـر] 

فـإذا تـزوّجت وعُـمـرُها : / 9 / سنـوات كمـا يقولون .

فإنّ عُمـرها في عـام الحُـزْن يكون / 4 / سنوات، فهلْ يُعْقـل أنْ يُـعْـرَضَ على الرسول فتـاة عمـرُها / 4 / سنوات ؟ ! ! لتـحلّ مـكان [ خديجـة الكبـرى ] رضي الله عنهـا ؟ !!!!!!!!!!!! .

ردُّنا على الكيالي في إثباته الأول :

1 – نعم في عام الحزن كان عَرْضُ خولةَ الزواجَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم من عائشة الصدّيقةِ بنتِ أبي بكر الصديق ، وسودةَ بنتِ زمعة .. 

ولكنْ من أين أتى الكيالي بأن عمر السيدة عائشة رضي الله عنها كان آنذاك /4/ سنوات ؟ فليست هنالك رواية مسندة ولا غير مسندة تؤيد ما قال .. ومعنى ذلك ، أن قوله هذا هو تقوُّلٌ بدون مستند ولا دليل .

فكل روايات المحدثين ، وكتب السيرة النبوية ، تقول إن عائشة رضي الله عنها حين عقد عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في عام الحزن كانت قد أتمت السادسة من عمرها ، ودخلت شهوراً في السابعة .. وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد عقد عليها مجرد عقد ، لتكون زوجته حين تنضج بعد سنوات ، فما وجه الغرابة في ذلك ..

2 - وفي الواقع ، أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعجل بالعقد على عائشة إلا بأمرٍ من الله سبحانه وتعالى ، ولحكمةٍ يعلمها ربنا وحده ولا نعلمها نحن ، نعم إن النبي عقد على عائشة بأمرٍ من الله عز وجل ، وليس لمجردِ رغبةٍ شخصية منه صلى الله عليه وسلم . دليلُ ذلك ما جاء في صحيح البخاري ومسند أحمد ، أن جبريل عليه السلام أراه عائشة مرتين ، ملفوفة في سرقة من حرير أي في قطعة من جيد الحرير ، وكان جبريل عليه السلام يكشف للنبي صلى الله عليه وسلم عن وجه عائشة رضي الله عنها ، ويريه إياها ، ويقول يا محمد : هذه زوجتك في الدنيا والآخرة .. 

والذي لا يعرفُهُ الكيالي وأمثالُه ، هو أن رؤيا الأنبياء حق ، وأنه يجب على النبيِّ أن يفعل ما أراه الله إياه في المنام . لقوله تعالى في قصة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام { فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) الصافات } . فقد قال إسماعيل " يا أبت افعل ما تؤمر " لإدراكه أن رؤيا أبيه وحيٌ من الله يجب تنفيذه ، وأن الشيطان لا يتمثل للأنبياء في المنام ..

ثم انتقل الدكتور الكيالي في تأييد فكرته إلى :

الإثبات الثاني : 

فقال : إنّ السـيّدة [ أسـماء بنتُ أبي بكـر رضي الله عنها هي الأخت الكـبرى لعـائشـة ]، وكانت أكبر من السيدة عائشـة بحوالي / 7 / سنوات ، و قد توفيّت السيدة [ أسماء ] عام /70 / هجرية و كانت وفاتها عن /100 / عام وهي عمياء .

- إذنْ : في عام الهجرة كان عُمرهـا /30 / سنة ، 

- و في السنة [ الثانية للهجرة وهي سنة زواج أختها عائشة ] أصبح عمر أسماء = 32 سنة . 

- و بمـا أنها أكبر من أختهـا ب / 7 / سنوات ، فإنّ عمـر السيدة عائشـة = / 25 / سـنة في عام زواجهـا ، أيْ : 32 - 7 = 25 سنة

ردُّنا على الكيالي في إثباته (الثاني)

1 – وهنا أيضا نسأل الدكتور علي كيالي : من أيِّ مصدرٍ علميٍّ عَرَفَ أنَّ السيدة أسماء بنت أبي بكر تكبر أختها عائشة بـــ / 7 / سنوات فقط .. وكلُّ الروايات الحديثية ، والمصادر التاريخية تقول إنها تكبرها باثنتي عشرة ، أو إحدى عشرة سنة ، أو عشر سنوات بإسقاط الكسر من العقد الثاني .. ولكن الكيالي اختار الرقم / 7 / ليستقيم له الكذب ، مع أنه لم يقل بهذا التقدير في ظني أحدٌ سواه . ولو أنه اعتمد قول من قال إنها تكبرها بعشر سنوات ، أو إحدى عشرة سنة ، أو اثنتا عشرة سنة مثلا ؛ لَمَا استقام له الحساب الذي يريده .. ولهذا وقع اختياره على الرقم (7) الذي اخترعه من عنده ، وأقام استدلاله عليه ، و ( ما بُنِيَ على باطلٍ فهو باطل ) وليس بعد الحق إلا الضلال . 

2 – ونسأل الكيالي أيضا ، لماذا اختار القول بأن أسماء رضي الله عنها توفيت عن مائة عام ، وهناك أقوال أخرى في تحديد عمرها عند وفاتها غير القول الذي تبناه الكيالي .؟ فهناك من قال أنها توفيت عن ثمانين سنة ، وهناك من قال عن بضع وسبعين سنة ، وهناك من قال عن بضع وثمانين .. ولكن الكيالي اختار الـ (100) سنة ليحبك الكذبة حبكا وثيقا . وليقوم بعملية جمع وطرح ، يستنتج من خلالها أن عمر عائشة عند زواجها كان (25) سنة. ولو اعتمد أياً من تلك التقديرات الأخرى لعُمُر أسماء رضي الله عنها؛ غير التقدير الذي اختاره هو لما استقام استنتاجه .. فاستنتاج الكيالي إذن مبني على وهم ، وقائم على احتمال .. وكما يقول علماء الأصول : ( الدليل إذا تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال ) . 

3 – وفي العام الأول من الهجرة ، وبعدما أتمت عائشة من عمرها تسع سنوات ، زُفَّتْ إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فبنى بها .. وعلى هذا فتكون أسماءُ في ذلك العام بنت (19) سنة أو (20) أو (21) سنة على أعلى تقدير ، بحسب اختلاف الروايات في تحديد مقدار السنوات التي كانت أسماء تكبر بها أختها عائشة ، وهي كما علمنا قبل قليل إما أنها تكبرها بـ (10) أو (11) أو (12) سنة .. فكيف ومن أين أتى الكيالي بأن أسماء كانت بنت (32) سنة يوم زفاف عائشة ؟ .. لا أدري .!! ولكن الذي أدريه يقيناً ؛ هو أن هذا الرجل يفكر بالمقلوب . فيدع الروايات الثابتة ، ويخترع قولا لم يقل به أحد غيره ، فيتبناه ، ثم يبني عليه ما يريد من نتائج ، وهذا قلبٌ للمنهج العلمي رأسا على عقب ؛ وليس بمقدور هذا الرجل أن يقلب الباطل حقاً مهما جد في تزويق باطله واجتهد .. 

لقد اختار الكيالي الأرقام التي بنى عليها كذبته بدقة ، ورجَّحَ ما شاء ترجيحَهُ بدون مرجح ولا دليل ، ليُروِّجَ مقولتَهُ المخترعة ، محاولا أن يدفعَ بها الروايات الصحيحة في البخاري ومسند أحمد وغيرهما من كتب السنة المعتبرة والسيرة المطهرة .{ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ..؟ (50) } القصص .. لا أحد أضل منه ..

ثم خلص الدكتور الكيالي إلى : إثـباته الثـالـث : 

فقال : قبل الدعوة الإسلامية ، كانت السيدة عائشة [مخطوبة] إلى شخص اسمه: [ جُـبَـيْر بن المُـطْـعِـم بن عُـدَيْ ] ، و في بداية الدعوة أسلَم أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه و أسلمتْ معه أسـرته ، فأرسل إلى [ جُبيْر ] و طلبَ منه أنْ يُسْلم من أجل استمرار الخطوبة ، لكنّ جُـبيْر لـم يُسلمْ حينهـا ، و تمّ فسْخ الخطوبة .

فإذا كان عُمـر السيدة عائشة آنذاك = 10 سنوات . 

و بقيَتْ الدعوة الإسلامية في مكّة المكرّمة = 13سـنة .

و تزوّجتْ السيدة عائشة عام / 2 / هجريّة . 

فيكون عُمـرها عند زواجهـا = 10+ 13 + 2 = 25 سنة 

ردُّنا على الكيالي في إثباته (الثالث)

1 – زعم الكيالي " أن عائشة كانت مخطوبة قبل البعثة " وهذا غير صحيح ، لسبب بسيط ، هو أنه لم تكن عائشة رضي الله عنها قد ولدت بعدُ . فأمها أم رومان قالت إنها ولدتها في السنة الرابعة من البعثة . فليت شعري من الأَوْلَى بأن يُصَدَّقَ في هذه القضية .؟ هذا الكيالي .. أم نصدق أمها أم رومان التي ولدتها ، وهي رضي الله عنها صرحتْ في أكثر من رواية صحيحة : أن عمر ابنتها كان (6) سنوات يوم عقد عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم .؟

2 – لم يكتف الدكتور كيالي بدعواه المخترعة ؛ التي زعم فيها أن عائشة وُلدتْ قبل البعثة النبوية، وإنما أضاف إلى تلك الكذبة كذبة أخرى ، فافترض أنها ولدت قبل البعثة ، ثم زعم أن ميلادها كان قبل البعثة " بعشر سنين ".. وأتحداه أن يأتي بمرجع واحد مطبوع أو مخطوط يؤيده فيما قال .!! فكل الروايات الحديثية والتاريخية تقول بأن عائشة رضي الله عنها قد ولدت في السنة الرابعة بعد البعثة النبوية . وهذا يعني أن القائل بخلاف ذلك هو جاهل لا يدري ، أو مفترٍ كذاب ..

3 – ورغم كل التزوير الذي قام به الكيالي في " إثباتاته الثلاثة " التي لم يثبت منها شيء البتَّة .. فإنه لم يستقمْ له الحساب إلا بإضافة كذبةٍ ثالثة ، لتكون بمثابة ثالثة الأثافي التي لا يقوم قدر افترائه في هذه القضية إلا عليها . فقد ادعى أن زواج السيدة عائشة كان بعد تمام سنتين من الهجرة ، يعني في أوائل السنة الثالثة للهجرة ، ولكنه عاد فنقض كذبته بقوله إن زواجها كان في العام الذي وقعت فيه غزوة بدر ، فكذَّبَ بذلك نفسَهُ بنفسِهِ . لأن هذا الدكتور الجاهل لا يعلم أن المحدثين والمؤرخين مجمعون على أن غزوة بدر وقعت في 17 رمضان من السنة الأولى من الهجرة ، وليس في السنة الثالثة كما زعم هذا الكيالي . ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنى بعائشة في شوال بعد معركة بدر بأسبوعين أو ثلاثة .. 

فتصور معي - يا رعاك الله- أن دكتوراً كهذا ؛ يكتب ثلاثة أسطر ، فيخالف فيها الحقائق الثابتة في ثلاث : 

لقد زعم في (الأولى) أن عائشة وُلِدَتْ قبل البعثة بـ (10) سنين .. والصواب : أنها ولدت في السنة الرابعة من البعثة .

وزعم في (الثانية) أن عائشة رضي الله عنها كانت مخطوبة قبل البعثة " لـجُبَير بن مُطْعِم " وهي رضي الله عنها لم تكن جاءت إلى الدنيا بعد .. لأنها لم تُولد إلا بعد البعثة ، وليس قبلها ..

وزعم في (الثالثة) أن زواجها كان بعد مضي سنتين من الهجرة النبوية ، والواقع أن زواجها كان في شوال من السنة الأولى للهجرة .. ولكن البروفسور الكيالي تعمد هذا الكذب المُركَّب ليستقيم له الحساب، فأبى الله إلا أن يفضحه على رؤوس الأشهاد . 

4 - وهنالك مزاعم أخرى ، اخترعها الكيالي ليصنع منها رتوشا لحكايته المخترعة ، والتي لم يقل كلمة حق فيها من [ طاق ؛ طاق .. إلى السلام عليكم ..] وإليكم بعض هذه المزاعم : 

( 1 ) زعم الكيالي : أن عائشة رضي الله عنها كانت مخطوبة لجبير بن مطعم خطبة رسمية .. 

والحق ، أنه لم تكن هناك خطوبة . وإنما الذي كان هو أن مطعم بن عدي أبدى رغبته في خطبة عائشة لابنه جبير .. فكلم أبا بكر في ذلك ، فوعده أبو بكر خيرا .. ولم يكن بعدها خطبة رسمية . إلى أن خطبها رسول الله لنفسه .. 

( 2 ) زعم الكيالي : أن أبا بكر رضي الله عنه فسخ خطوبة عائشة ، بسبب رفض جبير أن يدخل في الإسلام .. وهذا كذب على التاريخ ، وتزييف للحقيقة .. فالصحيح أن أبا بكر رضي الله عنه لما علم برغبة النبي صلى الله عليه وسلم في الزواج بعائشة ، ذهب إلى (مُطْعِم) ليتحلل من وعده إياه بطريقة ما .. ولكنْ ما إن دخل أبو بكر رضي الله عنه بيت (مُطْعِم) ؛ وسأله : علام استقر رأيكم بشأن عائشة وجبير .؟ حتى بادرتْ زوجة (مُطْعِم) فقالتْ : أخشى أن تصبي ابننا فيترك دينه .. لا حاجة لنا بها .. قال أبو بكر : ما قولك يا (مُطْعِم) .؟ قال : القول ما سمعتَ .. وهكذا هيَّأتِ الأقدارُ لأبي بكر أن يتحلل من وعده لمطعم بصورة لا تحرجه بين الناس.

الحلقة السابقة هــنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين