بين كأس العالم وعالم الكأس

 

- الحمد لله حمداً طيباً وكثيراً، الحمد لله سمى نفسه حميداً شكوراً، الحمد لله القائل (إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافوراً). 

- والصلاة والسلام على سيدنا محمد الأمين، سلام على الصادق المأمون، سلام على صاحب الدرع المرهون، سلام على من أقسم ربنا بحياته (لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون). 

- سأترك الخوض في كأس العالم لأحدثكم عن عالم الكأس، وما كأس العالم إلا واحدة من البرامج الموسمية لمشروع عالم الكأس.

أتدرون عن أي شيء أتكلم؟

- إنني أتكلم عن خطة المستبدين الكبرى في تحويل العلماء إلى حيارى، وتحويل العوام إلى سكارى، إنه عالم الكأس والشرب والخمر، عالم التعاطي والغفلة والنسيان، عالم التبلد وفقدان الشعور .. عالم شعاره: (وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد) هذا في الدنيا قبل الآخرة.

- إن التحديات الكبرى التي تعيشها الأمة على مستوى الشعوب والأنظمة وعلى مستوى الأفراد والجماعات تحتاج هذه التحديات إلى عالم الوعي والفكر والصحوة تحتاج إلى من يهزّ مشاعرنا بقول الله تعالى : (يا أيها المدثر* قم فأنذر* وربك فكبر* وثيابك فطهر* والرجز فاهجر* ولا تمنن تستكثر* ولربك فاصبر) .. أما أن نجلس معاً على طاولة واحدة نحن وأعداء الإسلام هم يشربون خمر الفرح نشوة بما فعلوه بنا ، ونحن نشرب من الكأس نفسه خمر النسيان لما حلّ بنا من كفر وفسوق وعصيان، أو لما اقترفه بنا المستبدون، حقاً إننا نعيش في عالم الكأس!

• عالم الكأس الخبيث نشرب فننسى ما فعلت انجلترا وهي تسلم فلسطين لليهود فنقعد على الشاشة لنصفق لها في كأس العالم.

• عالم الكأس الخبيث نشرب فننسى ما فعلت أمريكا وهي تسطو على العراق وأفغانستان، وتعربد في كل مكان فنقعد على الشاشة لنصفق لها في كأس العالم.

* عالم الكأس الخبيث نشرب فننسى ما فعلت إيطاليا وهي تنشر لواء الصليب عبر روما في العوالم كلها ، فنقعد على الشاشة لنصفق لها في كأس العالم.

• عالم الكأس الخبيث نشرب فننسى كيف تجثم إسبانيا على حضارة أجدادنا في الأندلس ، فنقعد عند الشاشة لنصفق لها في كأس العالم.

• عالم الكأس الخبيث نشرب فننسى كل ظلم من قريب أو بعيد ارتكبته دول الغرب والشرق أو سكتت عنه وهي ترى وتسمع أنات الجرحى والأسرى والشهداء في ساحات الأقصى وغزة والشام واليمن وبورما والشيشان.

- إن كثرة ما شربنا من كؤوس في عالم الكأس أوشك أن يحرف فطرتنا لنصير مثل قوم لوط لا سمح الله (ولو فتحنا عليهم باباً من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكّرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون). 

- إنني أخشى على نفسي وعليكم أن نكون مثل السفيه صاحب ناقة صالح الذي قال فيه رب العزة وقد سكر ثم قتل الناقة (فتعاطى فعقر) لقد تعاطى الخمر فعقر الناقة، والمسلمون اليوم يتعاطون مسكراً مادياً ومعنوياً ليعقر الواحد منهم عزته وكرامته فلا يقوم لنصرة المسلمين ، أو ليعقر همته وإرادته فلا يقوم لعبادة أو دعوة في العالمين.

• أليس مِنْ سُكرنا في عالم الكأس أن ندفن موتانا ولا نعتبر، أو أن نقاطع أرحامنا وأحبابنا وجيراننا وكأن شيئاً لم يكن.

• أليس من سكرنا أن ننسى أن لنا ماضياً مشرقاً يبث فينا الهمم ويدفع بنا نحو القمم. 

• أليس من سكرنا أن ننسى وقفة ثقيلة بين يدي خالقنا العظيم (وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد* ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد* وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد* لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد). 

- في عالم الكأس لم يترك الشيطان أحداً إلا أسكره ، روى مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "كل مسكر خمر وكل خمر حرام" وإن شرود ذهنك حتى في الصلاة عن خشوعها شكل من أشكال السكر المذموم ، وابحث إن شئت في المسجد كله عن خاشع بحق لتجد تصديق ما أقول (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون). 

فإذا صلينا أو حضرنا خطبة الجمعة - وهي صلاة - دون أن ندري ما نقول فنحن جزء من عالم الكأس سكارى (وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد). 

• في حالة السكر ينفق السكران مالاً ووقتاً وهو لا يدري فكم سينفق الصاحي على كأس العالم من وقت وجهد وهو يدري.

• في حالة السكر يخلق السكران من المشكلات مع أقرب الناس إليه وهو لا يدري ، فكم سيخلق الصاحي على كأس العالم من مشكلات وهو يدري (إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون) .

- ليس ما يجري اليوم افتتاح لكأس العالم بل هو بداية شوط جديد من عالم الكأس يستخف من خلاله الكفر الأكبر بعقولنا لنجدد له البيعة (فاستخف قومه فأطاعوه) نجدد البيعة لفرعون ونحن صم بكم عمي سكارى غافلون فنصدح بأعلى أصواتنا : يعيش فرعون يعيش فرعون يعيش فرعون

- إن خروجنا من عالم الكأس يعني أننا أحرار لم يستول علينا الكفر بسكرٍ يذهب عقولنا، والأحرار هم الأبرار تركوا كؤوس الدنيا الفانية ليشربوا من كؤوس الجنة الباقية (يسقون فيها كأساً كان مزاجها زنجبيلا). 

- إلى الذين لم يسكروا في عالم الكأس ولا في كأس العالم ؛ هنيئاً لكم عند ربكم (كأساً من معين بيضاء لذة للشاربين لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون)

- أما الذي تعاطى خمر السهو واللهو والغفلة والمعاصي فعقر العزة والكرامة والرحمة لنفسه وأمته فهذا مصيره مصير ذاك الشقي الذي أهلك نفسه وقومه (إذ انبعث أشقاها فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها* فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها* ولا يخاف عقباها)

- روى البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم : "من شرب الخمر في الدنيا حرمها في الآخرة".

- وروى مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم :"إن على الله عهداً لمن يشرب الخمر أن يسقيه من طينة الخبال ، قيل: وما طينة الخبال ؟ قال : عرق أهل النار" ، والجزاء من جنس العمل.

• إن عالم الكأس يدعوكم لأن تشربوا من كأسه المسموم، ورسالة المنبر تدعوكم إلى اللجوء للحيِّ القيوم.

• إن عالم الكأس يدعوكم للغفلة عن عبادة الذكر والفكر ، والمنبر (يعظكم بواحدة أن تقوموا مثنى وفرادى ثم تتفكروا). 

• عالم الكأس يدعوكم لنسيان النكبة والنكسة ويدعوكم لأن تكونوا أذلة على الكافرين أعزة على المؤمنين، تخافون في الله كل لائم وتهيمون مع كل هائم ، والمنبر يدعوكم لنصرة المؤمنين وتأديب أئمة الكفر لعلهم ينتهون.

وختاماً:

• لو أن ربك أخذ منك ما أوهب لأسقط عنك ما أوجب، لكنك تتمتع بنعمة العقل فلا تكن من السكارى الغافلين. 

• احرص على ما ينفعك وينفع أمتك ووطنك وكن من الصالحين المصلحين. 

• وخذ من العلم والفهم ما يؤهلك لنيل كأس العالِم ودع كأس العالَم للمجانين أو للفارغين. 

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين