كيف أكون أبًا مثاليًا؟(1)

قال: عندي ثلاث بنات وولدان؛ وأرغب في أن أكون لهم أبًا مثاليًا.

قلت: نيّة طيّبة ورغبة صالحة، أدعو الله أن يُعينك على تحقيقها.

قال: هل لي أن أعرف صفات الأب المثالي لأحرص على التحلي بها؟

قلت: أولها أن تكون قدوة لأبنائك في كل خلق تريدهم أن يتحلوا به، فإذا كنت تريدهم أن يتحلوا بالصدق مثلًا، فإن عليك ألاتكذب أبدًا.. إنهم يراقبونك في كل شيء، وحالك يؤثر فيهم أكثر من كلامك.

قال: جميل. ثم ماذا؟

قلت: ألاتبخل عليهم بعلمك ووقتك ومالك.

قال: هذه ثلاثة أحتاج لها شرحًا منك.

قلت: أبشر.. أما علمك فهو كل مااكتسبته في حياتك من علم وخبرة وتجربة، تنقل إليهم منها ما هم في حاجة إليه في حياتهم.

قال: ووقتي؟

قلت: أعلم أن أكثر الناس هذه الأيام يشتكون ضيق الوقت، وكثرة الأعباء والمشاغل، ولكن يبقى الأبناء أول من يستحقون وقت أبيهم، فلاينشغل عنهم، ولا يُقدم عليهم سواهم من الناس، بل يجالسهم ليؤنسهم، ويوجههم، ويسمع منهم، ويلبي لهم حاجاتهم المختلفة.

قال: يبقى عدم بخلي على أولادي بمالي.

قلت: المال عصب الحياة كما يقولون، والأبناء وأمهم أولى الناس بمالك، ولقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم هذا الأمر في حديثه الشريف الذي أخرجه مسلم في صحيحه: (دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدّقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك؛ أعظمها أجرًا الذي أنفقته على أهلك).

قال: أعرف آباء يجعلون أولادهم في ذيل قائمة نفقاتهم، وهم بهذا يخالفون ما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الشريف.

قلت: والأب المثالي يقدم أسرته على جميع الناس في إنفاقه ماله عليهم.

قال: وماذا أيضًا من صفات الأب المثالي؟

قلت: أن يعدل بين أبنائه.

قال: فيمَ أعدل؟

قلت: في النفقة، والحب، والاهتمام.. في كل شيء.

قال: هل أمر النبي صلى الله عليه وسلم بهذا العدل؟

قلت: نعم، ففي حديثه الصحيح عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : (اعدلوا بين أولادكم في النِّحَل كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البِرِّ واللطف). صحيح الجامع.

قال: ما معنى (النِّحَل) الذي وَرَدَ في حديثه صلى الله عليه وسلم ؟

قلت: النَّحْلُ هو العطاء والمنح، والنِّحَل: جمع (نِحْلة) وهي العطية والهدية.

قال: إذن الأمر هنا بالعطاء المادي فقط؟

قلت: لا، بل بالعطاء المعنوي أيضًا، مثل التعبير عن حبك لهم، وتقبيلهم، والعطف عليهم. قال الدميري: لا خلاف في أن التسوية بينهم، أي الأولاد، مطلوبة حتى في التقبيل.

قال: يصْدِف أحيانًا أن يكون أحد أبنائي مريضًا فهل عليّ حرج إذا أوليته مزيدًا من الاهتمام والرعاية؟

قلت: لا حرج عليكَ إن شاء الله، فهذا مُسوّغ شرعي.. يقول الشيخ محمد صالح المُنجد مُعدِّدًا بعض الحالات المستثناة: (كأن تقوم حاجة بأحد الأولاد لم تقُم بالآخرين؛ كمرض، أو دَيْن عليه، أو مكافأة له على حفظه القرآن مثلًا، أو أنه لايجد عملًا، أو صاحب أسرة كبيرة، أو طالب علم متفرغ؛ ونحو ذلك، وعلى الوالد أن ينوي إذا أعطى أحدًا من أولاده لسبب شرعي أنه لو قام بولد آخر مثل حاجة الذي أعطاه أنه سيعطيه كما أعطى الأول.

غداً إن شاء الله نواصل الحوار.

يتبع

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين