مكانةالمرأة المسلمة ودورها في الرقي الحضاري

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد :

فهذه الكلمة موجهَّة إلى :

الأخت الفاضلة

الابنة الغالية    

 

إن فضل الإسلام على المرأة - وهي نصف المجتمع – ظاهر واضح ، لا يماري فيه إلا مكابر ، حيث إنه أنقذها وحرَّرها وردَّ إليها إنسانيتها وكرامتها ، ورفعها إلى القدر اللائق  والمكانة الرفيعة .

 

     ولن يصل الإنسان المنصف ، والناقد الحيادي إلى هذه الحقيقة إلا إذا رجع واطلع على وضع المرأة قبل الإسلام ، أو في المجتمعات غير المسلمة ، عندها سيرى البون الشاسع ، والنقلة الهائلة التي حظيت بها بنت اليوم وأم المستقبل .

 

     ولقد ساوى الإسلام بين الرجل والمرأة في كثير من المجالات ، من التكليف والحقوق والواجبات ، فما من خطاب في كتاب الله تعالى يبدأ بقوله سبحانه: يا أيها الذين آمنوا ، إلا والمقصود منه – غالباً – الجنسان معاً الرجال والنساء ، إلا إذا كان هناك قرينة صارفة ، أو كان في السياق ما يخصُّ الرجال فقط ، وهو قليل نسبياً .

 

     أنقذ الإسلام المرأة وحررها وأكرمها ورفعها إلى مصافِّ الرجال ، وعاشت أفضل أيامها في ظل المنهج الاسلامي والدستور الرباني ، ونهلت من معين هذه الشريعة : الإيمان والإسلام والإحسان والأخلاق ، ثم ساهمت مساهمةً فعالة في بناء البيت المسلم ، وشاركت في تشييد المجتمع المؤمن ، أحسنت فيما بينها وبين ربِّها ، وفيما بينها وبين بعلها وانتبهت إلى أولادها فأرضعتهم مبادئ التوحيد ، وأنشأتهم في ظلال الإيمان ، وأحسنت رعايتهم مع أركان الإسلام ، وبالغت في تربيتهم على الخلق الكريم ، والسلوك القويم ، على الحشمة والعفة ، على العزة والكرامة ، والشجاعة والشهامة ، والمروءة والوفاء .

 

ورحم الله شاعر النيل حافظ إبراهيم([1]) حيث يقول : 

 

الأم مدرسة إذا أعددتـها                      أعددت شعباً طيب الأعراق

الأم روض إن تعهده الحيا                      بالري أورق أيــما إيراق

                                  الأم أستاذ الأساتذة الأُلى                           شغلت مآثرهم مدى الآفاق([2])                       

 

ونشأ هذا الجيل ، ذكوراً وإناثاً ، وكبر وترعرع ، وحمل الأمانة بكل اقتدار ، وسار وفق النهج السَّويِّ الذي تربى عليه ، يؤمن بالله تعالى ربَّاً ، وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وآله وسلم نبياً ورسولاً .

 

            وقف هذا الجيل المؤمن في وجه صروف الدهر ، أبياً عزيزاً ، وشهماً كريماً ، يتعفف عن مغريات الدنيا وشهواتها وأهوائها :

 

قد رشَّحوك لأمر لوفطنت له                  فارْبَأْ بنفسك أن ترعى مع الهمل([3])

ويواجه بكل حزم وبأس وقوة محنها وأخطارها ، غير عابىءٍ بما يصيبه جراء ذلك ، محتسباً الأجر عند الله تبارك وتعالى :

 

ولست أبالي حين أصرع مسلماً                على أي جنب كان في الله مصرعي([4])

 

رضع هذا الجيل مبادئ الفضيلة والهدى ، والتقوى والرشاد ، فارتفعت راية الإسلام خفَّاقةً ، وأخذ الناس يدخلون في دين الله أفواجاً ، وسعدت البشرية أيما سعادة ، في ظلال الإيمان ، وتحت راية القرآن .

 

            وكان التقدم يسير بالأمة باطِّراد ، حتى ارتفع شأنها ، وعلت كلمتها ، وهابها من كانت تهابه ، وبخاصةٍ القوتان العظميان آنئذٍ : فارس والروم .

 

وكيف ساس رعاة الإبل مملكةً                 ما ساسها قيصرٌ من قبل أو شاهـُ([5])

 

وقد صاحب هذا التقدم الإيماني ، والتوسع الإسلامي : تقدم وتطور مادي ، في مجال العلوم بكافة أنواعها : الدينية والدنيوية ، فبرز علماء ، ونبغ فقهاء ، وظهر مكتشفون ، وبرع مخترعون ، مازالت كتبهم وآراؤهم العلمية بين يدي طلاب العلم ورواد المعرفة ، ومازالت أجيال من الأمم تتربى وتتعلم على مناهجهم ونظرياتهم .

 

أولئك آبائي فجئني بمثلهم                     إذا جمعتنا ياجرير المجامع([6])

 

ثم أين موقع المرأة من هذا الرقي الحضاري ؟ الجواب : إنها بعد فضل الله وتوفيقه : أول وأهم أسبابه ، أليست هي نصف المجتمع ، أليست هي المرضع والفاطم والمربية ؟ 

 

والذي ينظر إلى واقعنا اليوم ويرى ما نعانيه من ويلات التقهقر والتراجع ، والمذلة والهوان ، والجهل والتأخر ، والتبعية والانقياد :

 

كم صرَّفتنا يدٌ كنا نصرفها                     وبات يحكمنا شعب ملكناه([7])

 

وأصبحنا نحتاج غيرنا ، ونفتقر في بعض ضرورياتنا إلى عدونا ، نتردد على الأعتاب نلتمس القِرَى ، ونطرق الأبواب لعلنا نتعلم باباً من أبواب العلم ، أو طريقاً من طرق المعرفة :  وما لي لا أرى في الركب قومي               وقد كانوا أئمته قروناً

 

ضعفت الهمم أو بعضها ، وكلَّت العزائم ، وقعد الطموح بأهله ، وحسبنا الله ونعم الوكيل ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

 

            أين دور المرأة من هذا التقهقر والتراجع ؟ أين هي الآن لتتحمل دورها ومسؤوليتها الكاملة ،

 

  إنه نداء إلى الأخوات الفاضلات وإلى البنات الغاليات كي يعرفن مكانهن ويتبوأن مكانتهن ، ويؤدين الواجب على أكمل وجه :

( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ )([8]) .

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] - هو شاعر النيل محمد حافظ بن إبراهيم فهمي الشهير بحافظ إبراهيم ، ولد سنة 1871 م في ديروط ، نشأ يتيماً ، نظم الشعر أثناء الدراسة ، ثم عمل محامياً ، ثم التحق بالمدرسة الحربية ، وعمل بجريدة الأهرام ، طار صيته واشتهر شعره ، كان قوي الحافظة ، راوية سميراً مرحاً ، حاضر النكتة ، جهوري الصوت ، بديع الإلقاء ، كريم اليد في بؤسه ورخائه ، له : ديوان حافظ مجلدان ، وغيره ، توفي عام : 1932 م ، باختصار من الأعلام 6/76 .  

[2]- البيت من قصيدته التي مطلعها :      

كم ذا يكابد عاشقٌ ويلاقي       في حب مصرَ كثيرة العُشَّاقِ      

[3] -  البيت من لامية ابن الوردي ، ويروى : قد هيَّأوك لأمرٍ .

[4] - البيت لخبيب بن مطعم رضي الله عنه  ، قاله قبل أن يستشهد بأيدي مشركي مكة .

[5] -  البيت من قصيدة لأحمد محرم ، مطلعها : ما لي وللنجم يرعاني وأرعاه  أمسى كلانا يعاف الغمض جفناه .

[6] - البيت للفرزدق همام بن غالب التميمي من قصيدة في الفخر ، مطلعها:

منا الذي اختير الرجال سماحةً             وخيراً إذا هبَّ الرياح الزعازع

[7] - البيت من قصيدة أحمد محرم المذكور في الصفحة السابقة .

[8] - الرعد: من الآية11

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين