تاريخ ندوة العلماء بلكنؤ، الهند (3)

تمهيد المدارس الكبرى في آخر العهد المغولي

ضعفت قوة المسلمين السياسية بعد وفاة الملك الصالح أورنك زيب عالمكير رحمه الله، ولكن نشأ في عهد الضعف علماء كبار قاموا بترسيخ جذور التعليم الإسلامي وتطويره في الهند تطويرا لا يوجد له نظير في سائر العالم الإسلامي في ذلك الزمان، وأنشئت مدارس كبيرة غيرت مجرى المجتمع الهندي الإسلامي، وانتشرت الثقافة في كافة أنحاء البلاد، وقصدها الطلاب والعلماء من العالم العربي وغيره من البلدان الإسلامية، وصارت الهند أهم مراكز العلوم الإسلامية، وعلى رأس هذه المدارس: المدرسة الرحيمية، ومدرسة فرنكي محل، ومدرسة خير آباد، وسأتحدث عنها، فإن هذه المدارس الثلاث هي التي كان لها التأثير الأبلغ في المدارس التي أنشئت في عهد الاستعمار البريطاني ولا تزال نشيطة.

المدرسة الرحيمية

هي المدرسة التي أنشأها الشيخ عبد الرحيم الدهلوي، ثم طوَّرها نجله الشاه ولي الله الدهلوي، وخلفه فيها أبناؤه وأصحابه، وفيما يلي ترجمة مختصرة للأولين:

الشيخ العالم الكبير العارف عبد الرحيم بن وجيه الدين العمري الدهلوي، ولد ونشأ بدهلي، وقرأ صغار الكتب الدرسية على صنوه الكبير أبي الرضا محمد الدهلوي، وكبارها على القاضي محمد زاهد بن محمد أسلم الهروي، وقرأ دروساً من شرح العقائد على الشيخ عبد الله بن عبد الباقي النقشبندي الدهلوي، واستفاض منه فيوضاً كثيرة، وقع الاتفاق على كمال فضله بين أهل العلم والمعرفة، وانتهى إليه الورع وحسن السمت والتواضع والاشتغال بخاصة النفس. قال حسن بن يحيى الترهتي في اليانع الجني: إنه كان من وجوه مشايخ دهلي ومن أعيانهم، توفي يوم الأربعاء لإثنتي عشرة خلون من صفر سنة إحدى وثلاثين ومائة وألف في عهد فرخ سير وله سبع وسبعون سنة .

وشيخ الإسلام قطب الدين أحمد ولي الله بن عبد الرحيم بن وجيه الدين العمري الدهلوي. ولد يوم الأربعاء لأربع عشرة خلون من شوال سنة أربع عشرة ومائة وألف في أيام عالمكير، وأخذ العلوم عن والده ومحمد أفضل السيالكوتي وغيرهما، وتزوج وهو ابن أربع عشرة سنة، وبايع والده واشتغل عليه بأشغال المشايخ النقشبندية، وأجيز بالدرس وفرغ من التحصيل وهو في الخامس عشر من سنه، وخاض في بحار المذاهب الأربعة وأصول فقههم خوضاً بليغاً ونظر في الأحاديث التي هي متمسكاتهم في الأحكام وارتضى من بينها بامداد النور الغيبي طريق الفقهاء المحدثين، واشتاق إلى زيارة الحرمين الشريفين فرحل إليها سنة ثلاث وأربعين ومائة وألف ومعه خاله الشيخ عبيد الله البارهوي وابن خاله محمد عاشق وغيرهما من أصحابه، فأقام بالحرمين عامين كاملين، وصحب علماء الحرمين صحبة شريفة وأخذ عنهم الحديث وكتبه، واستجازهم، وعاد إلى الهند سنة خمس وأربعين ومائة وألف، واختص بعلوم لم يشرك معه فيها غيره، والتي شرك فيها معه غيره من سائر الأئمة كثيرة لا يحصيها البيان، وقد أثنى عليه الأجلّة من العلماء ومنهم شيخه أبو طاهر محمد بن إبراهيم المدني، قال: إنه يسند عني اللفظ وكنت أصحح منه المعنى، أو كلمة تشبه ذلك، وكتبها فيما كتب له. ومصنفاته الجيدة الحسان الطيبة كثيرة تدل على سعة نظره وغزارة علمه. توفي إلى رحمة الله سبحانه ظهيرة يوم السبت سلخ شهر الله المحرم سنة ست وسبعين ومائة وألف بمدينة دهلي، وله اثنان وستون سنة .

مقرراتها الدراسية:

اللغة الفارسية.

اللغة العربية: الرسائل المختصرة بالعربية، والصرف والنحو، وشرح الكافية للعارف الجامي.

المعاني: المختصر والمطول.

التفسير: المدارك تفسير البيضاوي 

الحديث: مشكاة المصابيح، الموطأ، والأصول الستة، وشمائل الترمذي.

أصول الحديث: وعرف الشاه ولي الله الدهلوي بتمكنه في أصول الحديث، وأشار ابنه عبد العزيز إلى أن له فيها تحقيقات مستظرفة لم يسبق إليها.

الفقه: مختصر القدوري، وشرح الوقاية، والهداية.

أصول الفقه: الحسامي، والتوضيح والتلويح، وكان الشاه ولي الله يشرح أصول المذاهب المختلفة، ويرد وجوه الاستنباط على كثرتها إلى عشرة وأسس قواعد الجمع بين مختلف الأدلة وبين قوانين الترجيح.

المنطق والفلسفة وسائر العلوم العقلية: شرح الشمسية وشرح المطالع، وشرح هداية الحكمة، وموجز القانون في الطب، وبعض الرسائل في الهيئة والحساب.

الكلام: شرح العقائد، والخيالي وشرح المواقف.

التصوف: قطعة من العوارف.

مزاياها:

عنايتها بالقرآن الكريم:

هذه هي المدرسة الوحيدة في الهند عنيت بالقرآن الكريم وتفسيره عناية منقطعة النظير، تشهد بذلك مؤلفات أصحابها، فمن نظر في كتب الشاه ولي الله شهد بتوفر حظه منه، منها فتح الرحمن في ترجمة القرآن بالفارسية، وهي على شاكلة النظم العربي في قدر الكلام وخصوص اللفظ وعمومه وغير ذلك. ومنها الزهراوين في تفسير سورة البقرة وآل عمران. ومنها "الفوز الكبير في أصول التفسير" ذكر فيه العلوم الخمسة القرآنية وتأويل الحروف المقطعات وحقائق أخرى. 

ومنها : "تأويل الأحاديث" رسالة نفيسة له بالعربية في توجيه قصص الأنبياء عليهم السلام وبيان مباديها التي نشأت من استعداد النبي وقابلية قومه ومن التدبير الذي دبرته الحكمة الإلهية في زمانه. 

ومنها فتح الخيبر وهو الجزء الخامس من الفوز الكبير، اقتصر فيه على غريب القرآن وتفسيره مما روى عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه. ومنها رسالة نفيسة له بالفارسية في قواعد ترجمة القرآن وحل مشكلاتها. 

ومنها منهيانه على فتح الرحمن جمعها في رسالة مفردة له.

وكذلك عمل ابنه الشاه عبد العزيز تفسيرًا للقرآن الكريم، واشتهرت ترجمة الشاه عبد القادر بن ولي الله، وترجمة الشاه رفيع الدين بن ولي الله اشتهارا لا مزيد عليه، وعظم الانتفاع بهما.

عنايتها بالحديث النبوي الشريف:

تميزت بعلم الحديث والأثر مع العناية بحفظ المتون وضبط الأسانيد والنظر في دواوين المجاميع والمسانيد، ومن مصنفات الشاه ولي الله في الحديث وما يتعلق به: المصفي شرح الموطأ برواية يحيى بن يحيى الليثي مع حذف أقوال الإمام وبعض بلاغياته تكلم فيه ككلام المجتهدين. ومنها المسوي شرح الموطأ فيه على ذكر اختلاف المذاهب وعلى قدر من شرح الغريب. 

ومنها شرح تراجم الأبواب للبخاري أتى فيه بتحقيقات عجيبة وتدقيقات غريبة.

ومنها النوادر من أحاديث سيد الأوائل والأواخر. 

ومنها الأربعين جمع فيه أربعين حديثاً قليلة المباني وكثيرة المعاني، رواها من شيخه أبي طاهر بسنده المتصل إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه. 

ومنها الدر الثمين في مبشرات النبي الأمين. ومنها الإرشاد في مهمات الإسناد. 

ومنها إنسان العين في مشايخ الحرمين. 

ومنها رسالة بسيطة له في الأسانيد الفارسية مشتملة على تحقيقات غريبة وتدقيقات عجيبة.

وخلفه أصحابه وأبناؤه وتلاميذهم في نشر الحديث في الهند بل وفي عامة أرجاء العالم الإسلامي.

عنايتها ببيان أسرار الدين:

ومن مصنفات الشاه ولي الله في أصول الدين وأسرار الشريعة وغيرها: حجة الله البالغة في علم أسرار الشريعة، ولم يتكلم في هذا العلم أحد قبله على هذا الوجه من تأصيل الأصول وتفريع الفروع وتمهيد المقدمات والمبادىء واستنتاج المقاصد.

ومنها إزالة الخفاء عن خلافة الخلفاء كتاب عديم النظير في بابه، لم يؤلف مثله قبله ولا بعده يدل على أن صاحبه لبحر زخار لا يرى له ساحل. 

ومنها قرة العينين في تفضيل الشيخين بالفارسي. 

ومنها حسن العقيدة رسالة مختصرة له في العقائد العربية. 

ومنها: الإنصاف في بيان أسباب الاختلاف بين الفقهاء والمجتهدين.

ومنها: عِقْد الجِيد في أحكام الاجتهاد والتقليد. ومنها: البدور البازغة في الكلام. ومنها المقدمة السنية في انتصار الفرقة السنية.

التوسع والمرونة في الفروع الفقهية:

وخرجت هذه المدرسة من نطاق المذهب الحنفي إلى علوم الفقه على المذاهب الأربعة وأصحابهم والاطلاع على مآخذ المسائل ومنازع الحجج والدلائل، ودعت إلى التوسع والمرونة، ونبذ ضيق النظر والعصبية.

اللغة العربية:

وعرفت بالعناية باللغة العربية الفصحى نطقا وكتابة، قال محسن بن يحيى الترهتي في اليانع الجني. في الشاه ولي الله الدهلوي: أكرمه الله تعالى من الفصاحة في اللغة العربية والربط الخاص بالفنون الأدبية في النظم والنثر كأنما الإعجاز أو السحر من رقة اللفظ ومعناه وصفاء المورد ومغناه.

مدرسة فرنجي محل

وهي المدرسة الواقعة في لكهنؤ، أنشأها أولاد قطب الدين السهالوي رحمه الله تعالى، وعلى رأسهم الشيخ نظام الدين اللكهنوي، وهو:

الشيخ الإمام العالم الكبير العلامة الشهير صاحب العلوم والفنون الشيخ نظام الدين بن قطب الدين بن عبد الحليم الأنصاري السهالوي ثم اللكهنوي الذي تفرد بعلومه وأخذ لواءها بيده، لم يكن له نظير في زمانه في الأصول والمنطق والكلام. ولد بسهالي وتوفي والده مقتولاً وهو في الرابع عشر أو الخامس عشر من سنه فانتقل إلى لكهنؤ مع صنوه الكبير محمد سعيد فأعطى عالمكير بن شاهجهان سلطان الهند قصراً بذلك المقام لأبناء الشيخ الشهيد يعرف بفرنكي محل لأنه كان من أبنية تاجر أفرنكي، فلما اطمأن قلبه خرج من لكهنؤ وذهب إلى بلدة جائس وقرأ أكثر الكتب الدرسية على ملا علي قلي الجائسي ثم ذهب إلى بلدة بنارس وتتلمذ على الحافظ أمان الله بن نور الله البنارسي وقرأ عليه شرح المواقف ثم رجع إلى بلدة لكهنو وتتلمذ على الشيخ غلام نقشبند بن عطاء الله اللكهنوي وقرأ عليه الرسالة القوشجية في الهيئة، وقرأ فاتحة الفراغ وله خمس وعشرون سنة، ثم تصدى للدرس والإفادة فتكاثر عليه الطلبة وخضع له العلماء وطارت مصنفاته في حياته إلى الأمصار والبلاد، وتلقى نظام درسه في مدارس العلماء بالقبول وانتهت إليه رئاسة التدريس في أكثر بلاد الهند. كان مع تبحره في العلوم وسعة نظره على أقاويل القدماء عارفاً كبيراً زاهداً مجاهداً شديد التعبد عميم الأخلاق حسن التواضع كثير المؤاساة بالناس، وكان لا يتقيد بتكبير العمامة وتطويل الأكمام والطيلسان، أخذ الطريقة القادرية عن الشيخ عبد الرزاق بن عبد الرحيم الحسيني البانسوي، بايعه وله أربعون سنة، كما في رسالة قطبية للشيخ عبد الأعلى المذكور. ومن مصنفاته شرحان على مسلم الثبوت للقاضي محب الله الأطول والطويل، وشرح له على منار الأصول وشرح على تحرير الأصول لابن الهمام، وشرح على المبارزية، وحاشية على شرح هداية الحكمة للشيرازي، وحاشية على الشمس البازغة للجونبوري، وحاشية على شرح العضدية للدواني، وحاشية على الحاشية القديمة له، وله مناقب رزاقية كتاب بالفارسي في أخبار شيخه عبد الرزاق، وأما شرحه الأطول على مسلم الثبوت فإنه فقد منذ مدة طويلة. وأما تلامذته فإنهم كثيرون،. توفي يوم الأربعاء لثمان خلون من جمادى الأولى سنة إحدى وستين ومائة وألف في مرض حصاة المثانة وقد جاوز سبعين سنة .

مقرراتها الدر اسية:

وهي المعروفة بالدرس النظامي" نسبة إلى الملا نظام الدين الفرنكي محلي المذكور، يغلبها كتب النحو والصرف والمنطق والفلسفة والكلام، وينقصها الاعتناء بالقرآن الكريم والحديث النبوي الشريف:

النحو: نحو مير، شرح مائة عامل، الكافية لابن حاجب، شرح الملا عبد الرحمن الجامي على الكافية.

الصرف: الميزان والمنشعب، وصرف مير، وبنج كنج، وزبدة، وفصول أكبري، والشافية لابن حاجب.

المنطق: الصغرى، والكبرى، وإيساغوجي، والتهذيب، وشرح التهذيب، والقطبي، وسلم العلوم.

الفلسفة: الميبذي، وصدرا، والشمس البازغة.

الحساب: خلاصة الحساب، وتحرير الأقليدس، وتشريح الأفلاك، والرسالة القوشجية، وشرح جغمني.

البلاغة: مختصر المعاني، والمطول.

الفقه: مختصر القدوري، شرح الوقاية، الهداية.

أصول الفقه: نور الأنوار، والتوضيح والتلويح، ومسلم الثبوت.

الكلام: شرح العقائد النسفية، وشرح العقائد الجلالية، والميرزا زاهد، وشرح المواقف.

التفسير: تفسير الجلالين، وتفسير البيضاوي.

الحديث: مشكوة المصابيح.

مدرسة خيرآباد

وهي مدرسة المنطق والفلسفة، أنشأها العلامة فضل إمام الخيرآبادي، وخلفه فيها ابنه العلامة فضل حق الخيرآبادي، وخلفه ابنه العلامة عبد الحق الخيرآبادي، وفيما يلي تراجم الثلاثة:

الشيخ الفاضل العلامة فضل إمام بن محمد أرشد بن محمد صالح بن عبد الواجد بالجيم بن عبد الماجد بن القاضي صدر الدين العمري الحنفي الهركامي ثم الخير آبادي، أحد مشاهير العلماء، انفرد بالإمامة في صناعة الميزان والحكمة في عصره، ولم ينازعه في ذلك أحد من نظرائه، ولد ونشأ بخير آباد، وقرأ العلم على مولانا عبد الواجد الخير آبادي، ثم درس وأفاد وأقبل على المنطق والحكمة إقبالاً كلياً، وصنف الكتب، وخدم الدولة الإنكليزية ببلدة دهلي، حتى نال معاش تقاعد، وكان قليل الخبرة بالفقه والحديث، مات بخير آباد لخمس خلون من ذي القعدة سنة ثلاث وأربعين ومائتين وألف .

والشيخ الإمام العالم الكبير فضل حق بن فضل إمام بن محمد أرشد العمري الحنفي الماتريدي الخير آبادي أحد الأساتذة المشهورين، لم يكن له نظير في زمانه في الفنون الحكمية والعلوم العربية، ولد سنة اثنتي عشرة ومائتين وألف، وانتفع بوالده وتفنن في الفضائل عليه، وأخذ الحديث عن الشيخ عبد القادر ابن ولي الله العمري الدهلوي، وحفظ القرآن في أربعة أشهر، وقرأ فاتحة الفراغ وله ثلاث عشرة سنة، وفاق أهل زمانه في الخلاف والجدل والميزان والحكمة واللغة وقرض الشعر وغيرها، ونظمه يزيد على أربعة آلاف شعر، وغالب قصائده في مدح النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبعضها في هجو الكفار، أتته الطلبة للاشتغال عليه من بلاد بعيدة فدرس وأفاد وألف وأجاد، وكان زيه زي الأمراء دون العلماء، يلعب بالشطرنج ولا يحتشم عن استماع المزامير والحضور في مجالس الرقص وغير ذلك من المنكرات، وكان مأموراً بديوان الإنشاء بدهلي، ثم اتهم بالخروج على الحكومة الإنكليزية سنة ثلاث وسبعين فحبس ونفي إلى جزيرة من جزائر السيلان.

قال القنوجي في أبجد العلوم: إنه كان إمام وقته في العلوم الحكمية والفلسفية بلا مدافع غير أنه وقع في أهل الحق ونال منهم على تعصب منه، وكان السبب في ذلك قلة الخبرة منه بعلوم السلف وطريقتهم في الدين واتباعهم للأدلة الواردة من سيد المرسلين مع ميل إلى البدع التي يستحسنها المقلدة، ولذا انتقد عليه عصابة من علماء الحق، لهم تواليف في ذلك، قال: وقد رأيت الشيخ فضل حق بدهلي في زمان الطلب وهو كهل في المسجد الجامع وقد أتى هناك لصلاة الجمعة وزيه زي الأمراء دون العلماء، وكان بينه وبين أستاذي العلامة محمد صدر الدين خان الدهلوي صدر الصدور بها مودة أكيدة ومحبة شديدة لأنهما كانا شريكين في الاشتغال على أستاذ واحد وعلى أبيه الفاضل

فضل إمام، ومع ذلك يسخط أستاذي عليه في بعض أموره، منها رده على الشيخ الحافظ الواعظ المحدث الأصولي الحاج الغازي الشهيد محمد إسماعيل الدهلوي، ويقول: لا أرضى منك ذلك وليس هذا بعشك، انتهى. مات لإثنتي عشرة خلون من صفر سنة ثمان وسبعين ومائتين وألف بجزيرة من جزائر السيلان فدفن بها .

والشيخ الفاضل العلامة عبد الحق بن فضل حق بن فضل إمام العمري الخير آبادي، أحد العلماء المبرزين في المنطق والحكمة، لم يكن مثله في زمانه، تخرج على والده ولازمه مدة طويلة، ثم قربه نواب كلب علي خان الرامبوري إلى نفسه، ولم يتركه يذهب إلى بلاد أخرى، ولما توفي الأمير المذكور قام مقامه ولده مشتاق علي خان، وكان معتوهاً فصر الحل والعقد بيد وزيره أعظم الدين خان، فخرج عبد الحق من رامبور وأقام ببلدته زماناً، ثم سافر إلى حيدر آباد وتقرب إلى بعض الأمراء، فنال المنصب وصار راتبه الشهري مائتين من النقود المروجة بحيدر آباد بدون شرط الخدمة، فرجع إلى بلدته وأقام بها إلى أن توفي مشتاق علي خان المذكور وقتل أعظم الدين خان واستقل بالملك حامد علي خان بن مشتاق علي خان، فاستقدمه حامد علي خان المذكور إلى رامبور، وخصه بالعناية، فأقام برامبور إلى أن توفي إلى الله سبحانه. وكان إماماً جوالاً في المنطق والحكمة، عارفاً بالنحو واللغة، ذا سكينة ووقار، ووفور ذكاء وحسن تعبير، وخبرة بمسالك الاستدلال، ولطف الطبع وحسن المحاضرة، وملاحة النادرة إلى حد لا يمكن الإحاطة بوصفه، ومجالسته هي نزهة الأذهان والعقول، بما لديه من الأخبار التي تشنف الأسماع، والأشعار المهذبة للطباع، والحكايات عن الأقطار البعيدة وأهلها وعجائبها، حتى كان من سحر بيانه يؤلف بين الماء والنار، ويجمع بين الضب والنون، وكان مداعباً مزاحاً ذا نفوذ عجيب على جلسائه، فلا يباحثه أحد في موضوع إلا شعر بالانقياد إلى برهانه، وإن كان البرهان في حد ذاته غير مقنع. وكان حسن الصورة جميل الوجه، كثير الإعجاب بنفسه، شديد التعصب على من خالفه، بسيط اللسان على غيره من العلماء، لم يزل يشنع عليهم بشقشقة اللسان ويقول: لم يكن في بلاد الهند علماء، بل كانوا معلمي الصبيان، لا يتجاوزون على الضمير والمرجع، وأنهم ما شموا روائح العلوم، وكان يستثنى من هؤلاء الشيخ نظام الدين محمد السهالوي والشيخ كمال الدين الفتحبوري وبحر العلوم عبد العلي محمد اللكهنوي ويقول: إنهم كانوا بحور العلم، وأذكياء العالم، وكانوا أمثال الدواني والسيد الشريف، وله مؤلفات مقبولة عند العلماء، وفي عباراته قوة وفصاحة، وسلاسة تعشقها الأسماع وتلتذ بها القلوب ولكلامه وقع في الأذهان، توفي سنة ثمان عشر وثلاثمائة وألف .

مؤلفات أصحاب هذه المدرسة:

أذكر فيما يلي مؤلفات أصحابها الثلاثة تشهد بما اختصت به من المنطق والفلسفة:

مؤلفات فضل إمام الخيرآبادي:

المرقاة في المنطق متن متين، وتلخيص الشفاء للشيخ الرئيس، وحاشية على مير زاهد رسالة، وحاشية على مير زاهد ملا جلال.

مؤلفات فضل حق الخيرآبادي:

الجنس الغالي في شرح الجوهر العالي كتاب في الحكمة الإلهية، والهدية السعيدية في الحكمة الطبيعية، والروض المجود في حقيقة الوجود، وحاشية على تلخيص الشفاء لوالده، وحاشية على الأفق المبين للسيد باقر داماد، وحاشية على شرح السلم للقاضي، ورسالة في تحقيق العلم والمعلوم، ورسالة في تحقيق الأجسام، ورسالة في تحقيق الكلي الطبعي، ورسالة في التشكيك وفي الماهيات، وتاريخ فتنة الهند، ورسائل في الرد على الشيخ إسماعيل بن عبد الغني الدهلوي في إثبات امتناع نظير النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.

مؤلفات الشيخ عبد الحق الخيرآبادي:

تسهيل الكافية معرب من شرح الكافية للسيد الشريف، وشرح هداية الحكمة للأبهري، وحاشية على حاشية غلام يحيى علي مير زاهد رسالة، وحاشية على حاشية مير زاهد على شرح المواقف، وحاشية على شرح السلم لحمد الله، وحاشية على شرح السلم للقاضي، وشرح على مسلم الثبوت.

الحلقة الثانية هــنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين