فقه السيرة النبوية (11)

الدعــــوة إلى الإسلام 

عرف النبي صلى الله عليه وسلم معرفة اليقين أنه أصبح نبيا لله الرحيم الكريم، وجاء جبريل عليه السلام للمرة الثانية، وأنزل الله على نبيه قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ) [المدثر: 1-4]. 

وتعد هذه الآيات أول أمر بتبليغ الدعوة، والقيام بالتبعة، وقد أشارت هذه الآيات إلى أمور هي خلاصة الدعوة المحمدية، والحقائق الإسلامية التي بني عليها الإسلام كله، وهي الوحدانية ، والإيمان باليوم الآخر، وتطهير النفوس، ودفع الفساد عن الجماعة، وجلب النفع . 

كانت هذه الآيات تهييجًا لعزيمة رسول الله صلى الله عليه وسلم لينهض بعبء ما كُلِّفه من تبليغ رسالات ربه، فيمضي قُدمًا بدعوته، لا يبالي العقبات والحواجز، كان هذا النداء المتلطف ( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ) إيذانا بشحذ العزائم ، وتوديعًا لأوقات النوم والراحة ، وجاء عقب هذا النداء الأمر الجازم بالنهوض ( قُمْ ) في عزيمة ناهضة وقوة حازمة، تتحرك في اتجاه تحقيق واجب التبليغ، وفي مجيء الأمر بالإنذار منفردًا عن التبشير في أول خطاب وجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد فترة الوحي, إيذان بأن رسالته تعتمد على الكفاح الصبور، والجهاد المرير، ثم زادت الآيات في تقوية عزيمة النبي صلى الله عليه وسلم، وشد أزره وحضه على المضي قدما إلى غاية ما أمر به، غير عابئ بما يعترض طريقه من عقبات مهما يكن شأنها فقيل له: ( وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ) أي: لا تعظم شيئا من أمور الخلق, ولا يتعاظمك منهم شيء, فلا تتهيب فعلا من أفعالهم، ولا تخشى أحدًا منهم، ولا تعظم إلا ربك الذي تعهدك وأنت في أصلاب الآباء وأرحام الأمهات، فرباك على موائد فضله، ورعاك بإحسانه وجوده, حتى أخرجك للناس نبيًّا ورسولاً، بعد أن أعدّك خَلْقًا وخُلُقًا، لتحمل أمانة أعظم رسالاته، ( وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ) فكل تعظيم وتكبير وإجلال حق لله تعالى وحده، لا يشاركه فيه أحد، أو شيء من مخلوقاته. 

وفي قوله: ( وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ) فكأنه قيل له صلى الله عليه وسلم: فأنت على طهرك وتطهرك بفطرتك في كمال إنسانيتك بما جبلك الله عليه من أكرم مكارم الأخلاق، وبما حباك به من نبوته ليعدَّك بها ليومك هذا ، أحوج إلى أن تزداد في تطهرك النفسي، فتزداد من المكارم في حياتك مع الناس والأشياء، فأنت اليوم رسول الله إلى العالمين، وكمال الرسالة في كمال الخلق الاجتماعي, صبرًا، وحلمًا، وعفوًا، وإحسانًا ودُؤُوبًا على الجد في تبليغ الدعوة إلى الله تعالى ، ولا يثنيك إيذاء ، ولا يقعدك عن المضي إلى غايتك فادح البلاء. 

وفي قوله: ( وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ) فكأنه قيل له صلى الله عليه وسلم: ليكن قصدك ونيتك في تركك ما تركت، فطرة وطبعًا هَجْرَه تكليفًا وتعبدًا لتكون قدوة أمتك، وعنوان تطهرها بهداية رسالتك .

بدء الدعوة السرية

بعد نزول آيات المدثر قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الله وإلى الإسلام سرًّا، وكان طبيعيًا أن يبدأ بأهل بيته، وأصدقائه، وأقرب الناس إليه. 

منطلقا الدعوة الاسلامية

(الأسرة الفاضلة - الصحبة المباركة) 

أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله تعالى عنها 

لقد انطلق الاسلام الى هداية البشرية من ركنين اساسين هما :الأسرة الفاضلة المسلمة، والصحبة المباركة المرتكزة على الحب الصادق . فقد بُعثَ النبي صلى الله عليه وسلم وآمنت برسالته زوجته الصالحة خديجة -رضي الله تعالى عنها- وبناته الطاهرات زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة . وآمن علي بن أبي طالب ربيب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمه وآمن زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان قد تبناه قبل النبوة .

كانت المحبة الصادقة، والألفة والوداعة، والإخلاص والتعاون، والتفاهم والهدوء، والمشاركة الوجدانية، والبعد عن مظهر الفساد والوثنية، كانت سمات الأسرة الطيبة التي ضمّت محمداً صلى الله عليه وسلم وخديجة رضي الله عنها وأولادهما الستة، الذين نشؤوا على الفضيلة والأخلاق الحميدة.

ومثلما اختار الله تبارك وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يتربى يتيماً، أراد له أيضاً أن يفقد أولاده الذكور تباعاً قبل أن يبعث نبياً، فمات القاسم ولحق به عبد الله(الطيب الطاهر)، ولله في ذلك ارادة هو أعلم بها، وأما بناته الأربعة فقد عشن معه وأدركن الاسلام، وأسلمن ومتن في حياته إلا فاطمة رضي الله عنها التي ماتت بعد وفاته صلى الله عليه وسلم .

ولم يتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخديجة على قيد الحياة، فقد كانت السند الداخلي والدعامة المهمة في بيت الزوجية ، عرفت قدره وعلمت منزلته ، وأدركت أي رجل من الرجال هو ، وأي عظيم من العظماء هو ، وكأنها تنتظر له الشأن المرتقب ، والأمانة العظيمة ، فما رأت منه خلال خمسة عشر عاماً كان استمراراً للصورة الفاضلة التي ارتسمت في قلبها عنه منذ حدّثها غلامها ميسرة ، وأعطى ورقة بن نوفل فيه رأيه .... انه نبي هذه الأمة . وهذا ما انطلق على لسانها مباشرة عندما عاد اليها من غار حراء ، وقد نزل عليه الوحي جبريل الأمين فقالت

أبشر يا ابن عم واثبت ، فو الذي نفس خديجة بيده إني لأرجو ان تكون نبي هذه الأمة.

ويوم جاءها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: يا خديجة والله ما أبغضت بُغض هذا الأصنام شيئاً قط ولا الكهان ، وإني لأخشى أن أكون كاهناً. قالت : كلا يا ابن عم لا تقل ذلك ، فإن الله لا يفعل ذلك بك أبداً . إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتؤدّي الأمانة ، وإن خلقك لكريم 

هكذا أعد الله لرسوله صلى الله عليه وسلم البيت الفاضل الصادق ، الذي يشكل الدعامة الأولى في مساندة رسول الله صلى الله عليه وسلم فحازت خديجة بذلك رضى الله ، وبلغها جبريل سلام ربه وبشرها ببيت في الجنة من قصب ، لا صخب فيه ولا نصب .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :((سيدات نساء أهل الجنة بعد مريم ابنة عمران، فاطمة، وخديجة، وآسية امرأة فرعون)).

كانت أول من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم من النساء، بل أول من آمن به على الإطلاق السيدة خديجة رضي الله عنها، فكانت أول من استمع إلى الوحي الإلهي من فم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وكانت أول من تلا القرآن بعد أن سمعته من صوت الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم، وكانت كذلك أول من تعلم الصلاة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبيتها هو أول مكان تُلي فيه أول وحي نزل به جبريل على قلب المصطفى الكريم صلى الله عليه وسلم بعد غار حراء. 

كان أول شيء فرضه الله من الشرائع بعد الإقرار بالتوحيد إقامة الصلاة، وقد جاء في الأخبار حديث تعليم الرسول صلى الله عليه وسلم زوجه خديجة الوضوء والصلاة, حين افترضت على رسول الله؛ أتاه جبريل وهو بأعلى مكة فهمز له بعقبه في ناحية الوادي فانفجرت منه عين, فتوضأ جبريل عليه السلام, والرسول ينظر ليريه كيف الطهور للصلاة، ثم توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم كما رأى جبريل توضأ، ثم قام جبريل عليه السلام فصلى به وصلى النبي صلى الله عليه وسلم بصلاته، ثم انصرف جبريل عليه السلام فجاء رسول الله خديجة فتوضأ لها, يريها كيف الطهور للصلاة، كما أراه جبريل عليه السلام، فتوضأت كما توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صلى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما صلى به جبريل عليه السلام. 

الصحبة المباركة: (أبو بكر الصديق) 

-منَّ الله على أبي بكر الصديق أن كان أول صاحب سارع إلى الاسلام منذ اليوم الأول، فانصهرت روحه في روح رسول الله، فشعَّ نوراً وهدى، وتحول من تاجر قرشي الى صاحب النبي وصديقه، وشريك جهاده ونضاله وعمله ومعاناته، لم يكن الصديق صاحباً كأي صاحب تمضي به الرحلة وينتهي به الأمر الى ذكرى تترد في عالم النسيان، بل كان صديقاً يذكر اسمه، ويُحمد وضعه ، ويزهو عمله كلما ذكر الاسلام وذكر رسول الاسلام .

لقد كان النور الإلهي الذي يحمله رسول الله أسرع الى قلب أبي بكر الصديق من سرعة الصديق في حبه لرسول الله وتصديقه برسالته.

فما لبث أن شعَّ وهَّاجاً متأججا، يخترق مواقع المال والتجارة والأهل والأصحاب في نفسه، ليكون أول داعية بعد رسول الله ، وتحوَّل المال والتجارة والأهل والأصحاب في نظره من مشاغل وأهداف وغايات الى وسائل يجب وضعها على درب الحق، وفي خدمة الايمان.

فلا المال يُغويه عن حب الله ، ولا الأهل يشغلونه عن صحبة رسول الله. وتحولت بالتالي مكانة الصديق في مسيرة الحياة الانسانية من تاجر يمضي في ركب النسيان مع من مضى من التجار، الى داعٍ سخَّر ماله وتجاراته وخبراته وحياته لخدمة الدعوة، فَخَلُد ذكره وحفظ في سجل الخالدين.

وكانت على يديه أول مجموعة دعوة اسلامية في التاريخ وجميع أفرادها ممن حازوا على شرف المبشرين بالجنة.

كان عند أبي بكر يوم أسلم أربعون ألف درهم فكان يعتق منها ويقوي المسلمين حتى قدم المدينة بخمسة آلاف درهم. ثم كان يفعل فيها ما كان يفعل بمكة.

-لم تمض ساعات على إسلام أبي بكر الصديق حتى انطلق يشع نوراً فيمن حوله في مكة، انطلق أولئك الذين عَرَفَ فيهم الخلق الكريم والتوجه الفكري السليم وكراهية الأصنام والفساد، ولكأن جميع طاقات الصديق قد تفجرت دفعة واحدة، فلا مجال للانتظار. والدين الذي آمن به بعد طول انتظار وجد فيه الحق والصدق والمجد، فهل يبقيه دفيناً في صدره أم يفتح له الأبواب لينطلق إلى صدور الصادقين أمثاله في قومه؟.

جاء أبو بكر الصديق في الغد من إسلامه وبصحبته:

1-عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب

2-الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب

3-عبد الرحمن بن عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة بن كلاب

4-طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن لؤي.

5-سعد بن أب وقاص (مالك) بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن مرة بن كلاب . جاء بهم إلى رسول الله حين استجابوا فأسلموا وصلوا .

- وتكونت بذلك أول مجموعة مسلمة داعية الى الله لنشر رسالته، وإبلاغ الإسلام إلى الناس. وقد امتاز عمل أبي بكر الصديق وهذه المجموعة الأولى من الصحابة بالدعوة سراً.

قال فيه علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: سبقني أبو بكر إلى أربع لم أوتهن ولم أعتض منهن بشيء:

سبقني إلى إفشاء الإسلام

وقدم الهجرة.

ومصاحبته في الغار.

وإقامة الصلاة.

إسلام علي بن أبي طالب رضي الله عنه

وبعد إيمان السيدة خديجة دخل علي بن أبي طالب في الإسلام، وكان أول من آمن من الصبيان، وكانت سنه إذ ذاك عشر سنين على أرجح الأقوال، وهو قول الطبري وابن إسحاق، وقد أنعم الله عليه بأن جعله يتربى في حجر رسوله صلى الله عليه وسلم قبل الإسلام, حيث أخذه من عمه أبي طالب وضمه إليه. وكان علي رضي الله عنه ثالث من أقام الصلاة بعد رسول الله وبعد خديجة رضي الله عنها.

وقد ذكر بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا حضرت الصلاة خرج إلى شعاب مكة، وخرج معه علي بن أبي طالب مستخفيًا من أبيه، ومن جميع أعمامه, وسائر قومه, فيصليان الصلوات فيها, فإذا أمسيا رجعا, ليضمهما ذلك البيت الطاهر التقي بالإيمان ، المفعم بصدق الوفاء وكرم المنبت. 

إسلام زيد بن حارثة رضي الله عنه .

هو أول من آمن بالدعوة من الموالي حِبّ النبي صلى الله عليه وسلم ومولاه، ومُتَبنَّاه: زيد بن حارثة الكلبي, الذي آثر رسولَ الله على والده وأهله، عندما جاءوا إلى مكة لشرائه من رسول الله صلى الله عليه وسلم, فترك رسول الله الأمر لحارثة فقال زيد لرسول الله: ما أنا بالذي أختار عليك أحدًا، وأنت مني بمنزلة الأب والعم، فقال له والده وعمه: ويحك تختار العبودية على الحرية وعلى أبيك وعمك وأهل بيتك؟ قال: نعم، وإني رأيت من هذا الرجل شيئًا ما أنا بالذي أختار عليه أحدًا أبدًا. 

الدفعة الثانية

جاء دور الدفعة الثانية، بعد إسلام الدفعة الأولى، فأول من أسلم من هذه الدفعة: أبو عبيدة بن الجراح، وأبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن مخزوم بن مرة ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم (برة بنت عبد المطلب) وأخوه من الرضاع، والأرقم بن أبي الأرقم المخزومي، وعثمان بن مظعون الجمحي، وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وقدامة وعبد الله ابنا مظعون، وفاطمة بنت الخطاب بن نفيل أخت عمر بن الخطاب، وزوجة سعيد بن زيد، وأسماء بنت أبي بكر الصديق، وخباب بن الأرت حليف بني زهرة. 

الدفعة الثالثة

أسلم عمير بن أبي وقاص أخو سعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن مسعود بن الحارث بن شمخ بن مخزوم.. بن هذيل ومسعود بن القاري، وهو مسعود بن ربيعة، بن عمرو، بن سعيد بن عبد العزى، بن حمالة بن القارة. 

وأسلم سليط بن عمرو، وأخوه حاطب بن عمرو، وعياش بن أبي ربيعة، وامرأته أسماء بنت سلامة، وخنيس بن حذافة السهمي، وعامر بن ربيعة حليف آل الخطاب وعبد الله بن جحش وأخوه أحمد، وجعفر بن أبي طالب، وامرأته أسماء بنت عميس، وحاطب بن الحارث، وامرأته فاطمة بنت المجلل، وأخوه حطاب بن الحارث, وامرأته فُكَيهة بنت يسار وأخوهما مَعْْمَر بن الحارث، والسائب بن عثمان بن مظعون، والمطلب ابن أزهر، وامرأته رملة بنت أبي عوف، والنحَّام بن عبد الله بن أسيد، وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر، وفهيرة وأمه، وكان عبدًا للطفيل بن الحارث بن سخبرة، فاشتراه الصديق وأعتقه، وخالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي، وامرأته أُمَينة بنت خلف، وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، وواقد بن عبدالله بن عبد مناف، وخالد وعامر وعاقل وإياس بنو البكير بن عبد ياليل، وعمار بن ياسر حليف بني مخزوم بن يقظة، وقال ابن هشام: عَنْسي من مَذْحج. وصهيب بن سنان, هو (سابق الروم). 

ومن السابقين إلى الإسلام: أبو ذر الغفاري، وأخوه أنيس، وأمه. 

ومن أوائل السابقين: بلال بن رباح الحبشي. 

وهؤلاء السابقون من جميع بطون قريش ، عدهم ابن هشام أكثر من أربعين نفرًا. 

وقال ابن إسحاق: ثم دخل الناس في الإسلام أرسالاً من الرجال والنساء حتى فشا ذكر الإسلام في مكة، وتُحدِّث به. 

ويتضح من عرض الأسماء السابقة، أن السابقين الأولين إلى الإسلام كانوا خيرة أقوامهم، ولم يكونوا كما يقول بعض الباحثين في السيرة:(إنهم من حثالة الناس، أو من الأرقاء الذين أرادوا استعادة حريتهم أو ما شابه ذلك– وجانب الصواب بعض كُتَّاب السيرة لدى حديثهم عن السابقين الأولين إلى الإسلام، عندما وصفوهم بأن معظمهم كان خليطـًا من الفقراء والضعفاء والأرقاء فما الحكمة في ذلك؟). 

وبقولهم: (كان رصيد هذه الدعوة بعد سنوات ثلاث من بدايتها أربعين رجلاً وامرأة عامتهم من الفقراء والمستضعفين والموالي والأرقاء، وفي مقدمتهم أخلاط من مختلف الأعاجم: صهيب الرومي وبلال الحبشي) 

إن البحث الدقيق يثبت أن مجموع من أشير إليهم بالفقراء والمستضعفين والموالي والأرقاء والأخلاط من مختلف الأعاجم هو ثلاثة عشر، ونسبة هذا العدد من العدد الكلي من الداخلين في الإسلام لا يقال «أكثرهم» ولا «معظمهم» ولا «عامتهم». 

إن الذين أسلموا يومئذ لم يكن يدفعهم دافع دنيوي، وإنما هو إيمانهم بالحق الذي شرح الله صدورهم له ونصرة نبيه صلى الله عليه وسلم, يشترك في ذلك الشريف والرقيق، والغني والفقيرويتساوى في هذا أبو بكر وبلال وعثمان وصهيب ، رضي الله عنهم. 

ويقول الأستاذ صالح الشامي: نحن لا نريد أن ننفي وجود الضعفاء والأرقاء ولكن نريد أن ننفي أن يكونوا هم الغالبية - لأن هذا مخالف للحقائق الثابتة – ولو كانوا كذلك لكانت دعوة طبقية يقوم فيها الضعفاء والأرقاء ضد الأقوياء وأصحاب السلطة والنفوذ، ككل الحركات التي تقاد من خلال البطون، إن هذا لم يدر بخلد أي من المسلمين وهو يعلن إسلامه، إنهم يدخلون في هذا الدين على اعتبارهم إخوة في ظل هذه العقيدة، عبادا لله، وإنه لمن القوة لهذه الدعوة أن يكون غالبية أتباعها في المرحلة الأولى بالذات من كرام أقوامهم، وقد آثروا في سبيل العقيدة أن يتحملوا أصنافًا من الهوان ما سبق لهم أن عانوها أو فكروا بها. 

لقد كان الإسلام ينساب إلى النفوس الطيبة والعقول النيرة والقلوب الطاهرة التي هيأها الله لهذا الأمر، ولقد كان في الأوائل خديجة وأبو بكر وعلى وعثمان والزبير، وعبد الرحمن وطلحة، وأبو عبيدة وأبو سلمة والأرقم وعثمان بن مظعون، وسعيد بن زيد، وعبد الله بن جحش، وجعفر بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص، وفاطمة بنت الخطاب وخالد بن سعيد، وأبو حذيفة بن عتبة وغيرهم، رضي الله عنهم, وهم من سادة القوم وأشرافهم. 

هؤلاء هم السابقون الأولون الذين سارعوا إلى الإيمان والتصديق بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم.

الحلقة السابقة هـــنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين