من علَّمك الفكر الإسلامي؟

 

قالوا: ما الفكر الإسلامي؟

قلت: هو ما أورثه المسلمون من أعمال عقلية ونظرية في العلوم والفنون والفلسفات والآداب إبداعا وإنتاجا واجتهادا، منذ بدء الإسلام إلى يومنا هذا. 

قالوا: ما الفكر الإسلامي المعاصر؟

قلت: هو الفكر النزيه الصافي الذي طوره المفكرون المسلمون إنكارا للفكر العلماني، ومقاومة للهجمات الفكرية والثقافية الغربية، وتصحيحًا للفكر التجددي المتأثر بمصادر غير إسلامية، فهو يعنى بدراسة التحديات والأزمات التي تواجه المسلمين نتيجة الغزو الغربي العسكري والسياسي والفكري والثقافي للعالم بأسره، وتحليل آثار الحضارة الغربية وما تمخضت عنه من فلسفات النشوء والارتقاء والوجودية والفردية، ومذاهب العلمانية والديمقراطية والليبرالية، التي هي بمثابة تحد صارخ للفكر الإسلامي، تعكر صفو الثقافة الإسلامية، وتناقض القيم الدينية، والمثل البشرية الرفيعة، وتقطع صلة المسلم عن ماضيه وتاريخه.

قالوا: ما مصدره؟ 

قلت: مصدره هو القرآن الكريم والسنة النبوية وعيا لهما وفهما، واستنباطا منهما واستخراجا، فهو إذًا فكر رباني، أي أنه من عند الله تعالى، وليس من عند البشر، وبالتالي هو فكر ثابت، أي متحرر من الأهواء، وطاهر من الحلول المستوردة، ونزيه عن الشوائب.

قالوا: ما خصائصه؟ 

قلت: يتميز الفكر الإسلامي بما ذكرنا من سمو مصدره وثباته، وهو فكر شامل، أي يشمل جميع مقتضيات الحياة ونواحيها من عقيدة وعمل واجتماع وتعليم واقتصاد وسياسة، وهو فكر متوازن معتدل، أي يجمع بين الجوانب المختلفة في توازن واعتدال، لا يطغى جانب منها على آخر، ولا يبخس حق لحساب الحقوق الأخرى.

قالوا: من علَّمك الفكر الإسلامي؟

قلت: شيخنا السيد محمد واضح رشيد الندوي، قالوا: أفدنا بترجمته.

قلت: سألتموني ترجمة شيخ محبب لدي أثير، أنست به أنسًا كبيرا، وألفته أيما ألفة، أشعلتم بذكره عاطفة في صدري، وأيقظتم نائم الأشجان في قلبي، واستثرتم مشاعر حب وتقدير في جوانحي، أرى قلمي وفكري يتسابقان إجابة لرغبتكم، فلا أدري أيهما يغلب، أقول هازًّا قلمي وعاملا فكري: هو العالم الصالح، التقي النقي، الأديب اللوذعي، اللغوي الألمعي، المفكر المتوقد الذكي، الأستاذ الشريف أبو جعفر محمد واضح رشيد الندوي بن رشيد أحمد بن خليل الدين أحمد بن رشيد الدين بن سعيد الدين صابر بن غلام جيلاني بن محمد واضح بن محمد صابر بن آية الله بن عَلَم الله الحسني الندوي، شقيق شيخنا العلامة محمد الرابع الحسني الندوي، وابن أخت شيخنا الإمام أبي الحسن الندوي رحمه الله تعالى.

ولد سنة أربع وأربعين وثلاثمائة وألف من الهجرة النبوية في دائرة العالم الرباني علم الله البريلوي، وتخرج في من دار العلوم لندوة العلماء حائزا على شهادتي العالمية والتخصص في الأدب العربي سنة سبعين وثلاثمائة وألف، وحصل على شهادة الليسانس في اللغة الإنجليزية من جامعـة عليكره الإسلاميـة، وأجازه الإمام أبو الحسن علي الحسني الندوي، والمحدث الكبير العالم الرباني محمد زكريا الكاندهلوي، والإمام الحافظ عبد الفتاح أبو غدة رحمهم الله تعالى.

عمل لفترة في إذاعة عموم الهند بدلهي، ثم تم تعيينه مدرسًا سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة وألف في دار العلوم ندوة العلماء، وعمل أثناء تدريسه بها رئيسا لتحرير صحيفة الـرائد، ومشاركا في رئاسة التحرير لمجلة البعث الإسلامي، وعميدا لكلية اللغة العربية وآدابها، ومديـرا للمعهد العالي للدعوة والفكر الإسلامي، وتولى رئاسة الشؤون التعليمية لنـدوة العلماء سنة ست وعشرين وأربعمائة وألف.

ألف "قضايا الفكر الإسلامي"، و"أدب الصحوة الإسلامية"، و"الشعر الإسلامي"، و"منهج علماء الهند في التربية الإسلامية"، وكتبا كثيرة نافعة، وأنشأ مئات من المقالات التربوية والفكرية والتوجيهية باللغتين العربية والأردية.

يمتاز بالعلم والعمل، جامعا بين العقل والحكمة والخلق الحسن، ومضروبا به المثل في التواضع، والأدب الرفيع، وتجنب الفضول، وحفظ الوقت، وقلة الكلام، وقلة الاختلاط مع الأنام، والبعد عن حب الفخفخة والظهور، والإقبال على شأنه، وتعليم الطلاب وتربيتهم، وبذل الود والنصح لهم، والانبساط لهم في طلاقة الوجه وباسم المحيا، والناس مجمعون على الاعتراف بفضله، والإشادة بمناقبه، والتنويه بشأنه، لم تر العيون مثله. 

قرأت عليه أشياء من كتاب "الأدب العربي بين عرض ونقد"، و"الفكر الإسلامي" للأستاذ محمد مبارك، وأخذت منه دروساً في الأدب العربي والإنشاء والكتابة، ودروساً في الغزو الفكري، كما استفدت منه كثيرًا في مجالسه في مكتب "الرائد"، فقد كنت أراني أحرص ما أكون على قضاء أوقاتي الفارغة في مكتبه حيث نتصفح الجرائد والمجلات العربية، ونستمع إلى تحليلاته لعامة القضايا الإسلامية، وشرحه للتعبيرات العربية الحديثة.

سمعت منه الحديث المسلسل بالأولية في منـزلي بأوكسفورد رابع جمادى الآخرة سنة إحدى وعشرين وأربع مائة وألف، وأجاز لي، وأخذت منه أيضًا خلال اعتكافي في مسجد تكية كلان برائي بريلي في رمضان سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة وألف المسلسل بالأولية، والمسلسل بالمصافحة، والمسلسل بالأسودين التمر والماء، وكتب لي إجازته: بـسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وخاتم النبيين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: فقد طلب مني الأخ العزيز الدكتور محمد أكرم الندوي حفظه الله الإجازة في الحديث، وخاصة المسلسلات، وأنا لست بأهل لذلك، ولكن كان لي شرف حضور بعض دروس المحدث الكبير والمصلح الرباني الشيخ محمد زكريا الكاندهلوي المدني رحمة الله عليه، والاشتراك في ختم المسلسلات، كذلك التتلمذ على الشيخ حليم عطا شيخ الحديث في ندوة العلماء، فيسعدني أن أجيزه ليضم إلي هذا السلك الذهبي، وأعتبر ذلك سعادة لي، وأدعو الله تعالى أن يجعلني أهلا لذلك كما أدعو للدكتور أكرم الندوي بفضل خدمته للحديث الشريف مزيدا من التوفيق لخدمة هذا العلم، وخدمة الإسلام والمسلمين عامة، وأن يبارك في جهوده، والله ولي التوفيق.

قالوا: ما الذي امتاز به شيخك في شرح الفكر الإسلامي؟

قلت: ما رأينا من يدانيه في شرح الفكر الإسلامي عبر أدواره المختلفة، والحاجة إلى تنقيته وتطهيره مما شابه من غير جنسه، واختلط به من حوشي غريب أو أجنبي دخيل، وأراه امتاز في ذلك بالنقاط التالية:

الأولى: عرض علمي أمين لتاريخ الصراع بين الفكر الإسلامي الأصيل والفكر الغربي المتمثل في فلسفاته ونظرياته، والمستمد من رؤيته المادية البحتة نحو الحياة والكون.

والثانية: دراسة صادقة واقعية للغزو الثقافي الغربي المستهدف لمقومات الثقافة الإسلامية وأركانها، وأصولها وفروعها.

والثالثة: تحليل أكاديمي معتدل متوازن لحقيقة الحلول المستوردة وآثارها على العالم الإسلامي فكريا وثقافيا وحضاريا.

الرابعة: الإنصاف والاعتدال في الموازنة بين آراء المفكرين المسلمين من دون عصبية أو إجحاف أو إفراط وتفريط.

قالوا: زدنا من فضائل شيخك ومناقبه فقد نراك به متيما وبذكره سعيدا. قلت:هو معلِّم أغرُّ، لندوة العلماء فخر، ملقًّى صوابَ الرأي، بَغْتَ بديهة، وهو جادٌّ كل الجد، جل ضحكه التبسم، وفيه مزاح قليل، وصمت طويل، وكأن الصمت مستعار من سمته، كانت دروسه في الفصول محددة الأبواب، منتظمة الأصول والفروع، ومترابطة الكليات والأجزاء، وواضحة المنهج، وكلماته في مجالسه العامة جواهر مبعثرة ودررا متناثرة، ولكن فصيحة المبنى وجامعة المعنى، نلتقطها التقاطا، ونعيها وعيا، تغرس في نفوسنا، وتنزل إلى أعماقها، وأتذكر كثيرا منها إذا دعت إليها مناسبات المقام، وأغلى ما فيه فكره الرصين العميق، وأنبل ما فيه خلقه الحسن الرفيع، وأحلى ما فيه صوته الهادئ اللين السلس، يبعث فينا شدوا وطربا، ويصيب شغاف الأفئدة وموارد الأفكار والعقول، وكانت مجالسه تدر علينا كل يوم بإفادات علمية وأدبية جديدة، فما وجدناه ممن يعيد القول ويكرره، بل كان يكثر من القراءة والمطالعة فيزداد علمًا، ويفيض به علينا فيضانا، وله التأثير الباقي في نفسي، منقوشة كلماته في خاطري، حفظتها في الصغر ولا أزال أنتفع بها على مر السنين وتقدم العمر، كلما تذكرت تلك المجالس العلمية والأدبية رأيت نفسي تتوق إليها، وتتحسر على فواتها. أسأل إخواني الطلاب في دار العلوم أن يغتنموا وجوده، فيأخذوا منه، ويستجيزوه، ويتعلموا منه الهدي والسمت والأدب، فما أقل العلماء العاملين المخلصين المتحلين بالأخلاق العالية.

قالوا: ما لك مفيضا في الإشادة بفضله ومناقبه هذه الإفاضة؟ 

قلت: أعفوني، فقلبي مليء بحبه، ولي بث منه طيب لذيذ أعانيه، وكأن دافعًا يدفعني إلى الاستكثار من ذكره، على أن الكثير منه عندي قليل، فإني أجد ثناءه في الناس أشرف من ثناء الملوك الكرام، وسموه للمجد أرقى من شوكة الغزاة الفاتحين، وإذا أفضت في ذكره حسبت أني غير مفيض، ويطمعني فيه احتقاره للدنيا وما فيها، واستغناؤه عن كل ما يتكالب عليه المتكالبون، ويتحاسد عليه المتحاسدون، أو يتحاقد فيه المتحاقدون، حفظه الله تعالى وبارك في جهوده وأعماله.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين