محمد حبش والتعددية الدينية

التعددية الدينية مفهوم نشأ في الغرب خلاصته أن جميع الأديان مظاهر شكلية لحقيقة واحدة، فكلها سواسية، ولا فضل لأحدها على الآخر، والمساواة هنا يقصد بها المساواة فيما تمتلكه من حق، وفيما يعتريها من نقص، دون احتكار أي منها للحقيقة الكاملة، وبذلك يتجلى المفهوم الحقيقي للتسامح، لأن التسامح الذي يقر بتعدد الأديان، وبحق أتباعها في اعتناق معتقداتهم بما فيها امتلاكهم للحقيقة المطلقة، بالرغم من تعايشهم الحسن مع أتباع الديانات الأخرى، لم يعد من الممكن تسميته تسامحاً بل هو تعصب منظم، فالتسامح الإيجابي لا بد له من الإقرار بنسبية الأديان في امتلاك بعض الحقيقة لا كلها.

والدين بحسب دعاة التعددية الدينية –لا سيما ولفريد سميث، وجون هيك- ما هو إلا نظارة أو نافذة ينظر من خلالها للحقيقة المجردة، وفرق بين الحقيقة المجردة (الإله) في ذاتها، وبين الحقيقة كما تبدو للناظر لها من خلال النظارة أو النافذة التي تسمى ديناً، فالإله يهوه مثلاً أو الإله الآب والابن وروح القدس، أو الله أو كريشنا أو شيفا وما إلى ذلك، كل هؤلاء ليسوا الحقيقة المجردة المناط بها قضية النجاة والخلاص والتنوير، فهذه الآلهة صور ذهنية لأتباعها للدلالة على الحقيقة العليا المطلقة الواحدة اللامحدودة، وبذلك يرى هؤلاء أن الاختلافات بين الأديان لا معنى لها، وعليه فالتحول الديني لا مبرر له لأنه مضيعة للوقت.

ولحل معضلة احتكار الخلاص في الأديان، نتيجة للنصوص المقدسة التي تعلن ذلك، رأى منظرو التعددية إدراجها في دائرة الأساطير، للتخلص من دلالاتها وإسقاط قدسيتها لدى أتباعها.

وبذلك نرى أهم نتائج التعددية الدينية تتلخص في:

1- فقدان اليقين التام من خلال الاعتقاد بمبدأ نسبية الحقيقة

2- النظر لبعض النصوص الدينية على أنها بلا قيمة وأساطير لا بد من تجاوزها

3- التركيز على المشاعر الوجدانية (التصوف) كحالة دينية ملموسة، تتجاوز النص

4- للاتصاف بالتسامح يجب التخلي عن أي قناعة دينية لا تقر بالتساوي مع الآخر وعدم التفوق عليه ولو بامتلاك زيادة من الحقيقة

5- الأديان سواء، وعليه فلا معنى للتحول الديني

6- تعلي التعددية الدينية من قيمة الإنسان حتى تجعله المحور في تقرير الخير والشر والصلاح والفساد بدل الدين 

يلاحظ أن الشخصيات التي تبنت مفاهيم التعددية الدينية، كانت شخصيات غربية، أو هندية، وأن مفهوم التعددية الدينية ظل غريباً في الحالة الإسلامية، فالإسلام يقر بتعدد الأديان، ولا يكره أحداً على تغيير معتقده، ويفرض على أتباعه التعايش الحسن مع أهل الأديان دون شرط تغيير معتقداتهم الدينية، وكم نرى في القرآن خصوصية لعلاقة المسلمين بأهل الكتاب، بالرغم من عدم إقرار هؤلاء بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، أو الاعتقاد بنسبة القرآن الكريم للوحي.

إلا أن أفكار التعددية الدينية تسربت للمسلمين من خلال كتابات بعض رجال التصوف، أو بعض الغربيين الذين دخلوا الإسلام، أو بعض الشخصيات الشيعية مثل سيد حسين نصر –صاحب نظرية الحكمة الخالدة في التعددية الدينية-، وعبد الكريم سروش –مؤلف كتاب الصراطات المستقيمة-، وهما إيرانيان يقيمان في أمريكا.

بعد هذه المقدمة لمفهوم التعددية الدينية، صار بإمكاننا النظر لموقع محمد حبش منها، من خلال النقاط التالية:

• ألف محمد حبش عدداً من الكتب منها (النبي الديمقراطي، إسلام بلا عنف، نبي من أجل الإنسان، المرأة بين الشريعة والحياة، المشترك أكثر مما تعتقد، منهج التجديد والإصلاح، الدبلوماسية بدل الحرب) تعرض فيها لاحتكار الخلاص، ولتطوير الدين وما شابه.

• يرى محمد حبش أن كتاب الصراطات المستقيمة لعبد الكريم سروش أروع ما كتب في مواجهة أخطر مشاكل المسلمين المحجوبة عقولهم عن اكتشاف مافي العالم من خير ونور، وإعادة اكتشاف للإيمان والإنسان.

• يرد محمد حبش على من يسأله إن كان سيعتنق البوذية، بأن الإسلام دين عظيم أيضاً وهو مرتاح له، وشعاره ما قاله ابن عربي: 

عقد الخلائق في الإله عقائداً...وأنا اعتقدت جميع ما عقدوه

ويلاحظ أن جواب حبش لا يأتي من باب الأسباب الداعية للتمسك بالإسلام إلا من باب ارتياحه الشخصي بدينه.

• يردد محمد حبش أبيات ابن عربي ويتبناها تماماً وفيها:

وقد صار قلبي قابلاً كل ملة...فمرعى لغزلان ودير لرهبان

وألواح توراة وقرآن مصحف...ودير لنساك وبيت لأوثان

أدين بدين الحب أنى توجهت...ركائبه فالحب ديني وإيماني

• يرى محمد حبش أن بعض أحاديث البخاري تبث الوهم، وبعضها مريب يخالف رحمة القرآن وهي تشجع على الحقد ضد 999 بالألف من البشر أي أن نسبة الحقد عند المسلمين أكثر من 96% 

• يرى محمد حبش أن في الفقه الإسلامي أحكاماً قررها الفقهاء ارتكست به وجعلته يحمل أحكاماً لعينة قاسية كحكم الفار من الزحف، بدلاً من تقريره لحق التمرد على الحرب الظالمة.

• يردد حبش بيت الشعر أدناه، ويتبناه وهو يجسد حقيقة التعددية الدينية التي تعتبر الدين نظارة أو نافذة تري صاحبها جانباً من الحقيقة:

لعمرك ما الأديان إلا نوافذ...ترى الله منها مقلة المتعبد

• يساوي محمد حبش بين القرآن وغيره، فيقول: القرآن حسن، والسنة حسنة، والحكمة حسنة، والإنجيل حسن، والتوراة حسنة، والمزامير حسنة، وكل ما أنجزه الأولون حسن، نؤمن بكل ما جاء، ولكن نتبع فقط ما هو حسن لزماننا وعصرنا وظروفنا.

• يرى حبش أن وصف المسلمين بالشهداء وغيرهم بالقتلى تمهيد للتطرف ليصيب أرواحاً جديدة، فالكل شهداء فلا فرق بين جينات المسلمين وجينات غيرهم من الأمم.

• يرى محمد حبش أن المطلوب تطوير الأديان –بما فيها الإسلام-. ويمكن البحث عن أحكام فقهية أكثر تحضراً وعدالة من العقوبات التي جاء بها القرآن في القرن السابع الميلادي.

• يرى حبش أن خطاب فريق في الجنة وفريق في السعير خطاب كراهية، لأن الإنسان أخ للإنسان. 

• يرى حبش أن اعتقاد المسلمين بأن الخلاص من خلال دينهم، هو تقليد لليهود والنصارى، الذين قالوا لن يدخل الجنة إلا من كان على دينهم، وأن السؤال الذي طرحه الله على اليهود والنصارى يصلح ليطرح على المسلمين، قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين.

• يقول حبش إنه لا يصدق أن الله خلق تسعة أعشار الكرة الأرضية ليكونوا حطباً لجهنم كلما نضجت جلودهم بدلوا غيرها ليذوقوا العذاب، وبغض النظر عن النسب التي يتكلم بها حبش، يلاحظ كيف يأتي بالاقتباس القرآني ليمرره كأسطورة لا تصدق ولا يمكن الاقتناع بها.

• يقول حبش إنه مع الذائقين الذين ينسبون إلى الله ما يليق بكماله، وبذلك يفتح المجال لينسب إلى الله كل ما يستحسنه، وينفي عنه كل ما تستقبحه نفسه، وهو يرى أن كلمة الله تشمل القرآن والإنجيل وكل سنة اجتماعية وما اتفق عليه البشر من الحريات والديمقراطيات وحقوق المرأة وحقوق الإنسان فهي من كلمات الله التي توازي قوتها كلمات القرآن.

• يرى محمد حبش أن الأصل في حال المسلمين أن تكون العبرة بخصوص السبب لا بعموم اللفظ، وبذلك يعطل كثيراً من النصوص التي لا يستسيغ استمرارها.

• يثني حبش على عفراء جلبي صاحبة مقالة (بسم الله الرحمانة الرحيمة) والمرأة التي خطبت الجمعة في أحد مساجد كندا، ويرى أنها تقدم إسلاماً حضارياً، وأنها تقتدي بالصحابية أم ورقة التي كانت تؤم الرجال والنساء.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين