نواقض الإيمان في ميزان الكتاب والسنة (15)

 

التبرك بالحجارة والأشجار والقبور

 

* ـ قال بعض المشايخ: 

"من تبرك بحجر أو شجر أو مسح على قبر أو قبة يتبرك بهم فقد اتخذهم آلهة". 

أقول: 

لا شك في أن من يتبرك بشيء معتقدا أنه يمنح البركة من ذاته من دون الله تعالى فهو مشرك، وأما من يتبرك بشيء معتقدا أن الله تعالى جعله مباركا وسببا لحصول البركة ففعْله هذا لا شيء فيه من الشرك. 

هذا وقد كان جماعة من الصحابة والتابعين يتبركون بالنبي صلى الله عليه وسلم وآثاره الشريفة في حياته وبعد وفاته، ومن ذلك ما رواه مسلم في صحيحه وابن راهويه وابن حنبل في مسنديهما عن عبد الله بن كيسان مولى أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها وعن أبيها عن أسماء أنها أخرجت إليه جبة طيالسة كسروانية وقالت: "هذه جبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانت عند عائشة حتى قُبضت، فلما قُبضت قبضتُها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يلْبَسها، فنحن نغسلها للمرضى يُستشفى بها". أو: نستشفي بها. 

وروى البخاري في صحيحه عن سهل بن سعد أنه قال: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ببردة فقالت: يا رسول الله، أكسوك هذه؟. فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم محتاجا إليها، فلبسها، فرآها عليه رجل من الصحابة، فقال: يا رسول الله، ما أحسن هذه!، فاكسُنيها. فقال: نعم. فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم لامَه أصحابه فقالوا: ما أحسنتَ حين رأيت النبي صلى الله عليه وسلم أخذها محتاجا إليها ثم سألته إياها، وقد عرفتَ أنه لا يُسأل شيئا فيمنعه. فقال: رجوت بركتها حين لبسها النبي صلى الله عليه وسلم لعلي أكفـَّن فيها. 

وروى مسلم في صحيحه من طريق إسحاق بن عبد الله بن أبى طلحة عن أنس بن مالك أنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يدخل بيت أم سُليم فينام على فراشها وليست فيه، فجاء ذات يوم فنام على فراشها، فجاءت وقد عرق واستنقع عرقه على قطعة أديم على الفراش، ففتحتْ عتيدتها، فجعلت تنشف ذلك العرق فتعصره في قواريرها، ففزع النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما تصنعين يا أم سُليم؟!. فقالت: يا رسول الله، نرجو بركته لصبياننا. فقال: أصبتِ. استنقع الماء في الموضع: اجتمع فيه. الأديم: الجلد. العتيدة: صندوق تضع فيه المرأة ما يعز عليها من طيب ونحوه. 

وروى البخاري في صحيحه من طريق ثمامة بن عبد الله بن أنس بن مالك عن جده أنس بن مالك أن أم سُليم كانت تبسط للنبي صلى الله عليه وسلم نطعا، فيقيل عندها على ذلك النطع، فإذا نام النبي صلى الله عليه وسلم أخذت من عرقه وشعره فجمعته في قارورة، ثم جمعته في سُك وهو نائم، قال: فلما حضر أنسَ بنَ مالك الوفاة أوصى إلي أن يُجعل في حَنوطه من ذلك السُك. قال: فجُعل في حنوطه. []. 

انظر عددا من الروايات في هذا المعنى في كتابي "البدعة المحمودة بين شبهات المانعين وأدلة المجيزين": ص 56 ـ 59. 

ـ إباحة الإمام أحمد التبركَ بمس المنبر والقبر الشريفين وتقبيلهما واستشفاؤه بشعرة من شعر النبي صلى الله عليه وسلم: 

ـ قال عبد الله ابن الإمام أحمد: سألت أبي عن الرجل يمس منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتبرك بمسه ويقبله ويفعل بالقبر مثل ذلك أو نحو هذا يريد بذلك التقرب إلى الله جل وعز؟؟. فقال: لا بأس بذلك. []. 

[العلل ومعرفة الرجال عن الإمام أحمد: 2 / 492]. 

وأستغرب بعد قول الإمام أحمد ابن حنبل رحمه الله هذا أن يقول ابن تيمية "التمسح بالقبر - أي قبر كان - وتقبيله وتمريغ الخد عليه منهي عنه باتفاق المسلمين ولو كان ذلك من قبور الأنبياء، ولم يفعل هذا أحد من سلف الأمة وأئمتها، بل هذا من الشرك"!. []. 

[مجموع فتاوى ابن تيمية: 27/ 91 ـ 92]. 

ـ وروى ابن الجوزي في مناقب الإمام أحمد بسند جيد عن عبد الله بن أحمد ابن حنبل أنه قال: رأيت أبي يأخذ شعرة من شعر النبي صلى الله عليه وسلم فيضعها على فيه ويقبلها، وأحسب أني رأيته يضعها على عينه، ويغمسها في الماء ثم يشربه يستشفي به. []. 

[رواه ابن الجوزي عن إسماعيل بن أحمد ومحمد بن أبي القاسم عن حمد بن أحمد عن أحمد بن عبد الله عن أبيه عن أحمد بن محمد بن عمر عن عبد الله بن أحمد ابن حنبل. إسماعيل بن أحمد بن عمر أبو القاسم ابن السمرقندي ثقة مات سنة 536. حمْد بن أحمد بن الحسن أبو الفضل الأصبهاني الحداد ثقة مات سنة 486. أحمد بن عبد الله بن أحمد أبو نعيم الأصبهاني الإمام الحافظ ولد سنة 336 ومات سنة 430. والده هو عبد الله بن أحمد بن إسحاق الأصبهاني صدوق ولد سنة 281 ومات سنة 365. أحمد بن محمد بن عمر بن أبان اللـُنْبَاني الأصبهاني إمام محدث وثقه السمعاني في كتاب الأنساب، مات سنة 332]. 

ـ السؤال الذي أوجهه للإخوة الذين يقرون بأن الإمام أحمد ابن حنبل رحمه الله إمام كبير من أئمة أهل السنة ـ وهو كذلك ـ: هل كان الإمام أحمد رحمه الله جاهلا بمعرفة الشرك وذرائع الشرك فيبيح التبرك بالمنبر الشريف والقبر الشريف مع اعتقاد أن ذلك مما يُتقرب به إلى الله تعالى؟!، وهل كان جاهلا بذلك حتى إنه يستشفي ببعض الشعر الشريف؟!. اللهم صل وسلم وبارك على حبيبنا وقرة عيوننا سيدنا محمد صلاة وسلاما دائمين كلما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون. 

الحلقة السابقة هـــنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين