تحقيق القول في *الوقوف العشرة* المنسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وجبريل -3-

 

*الجواب عن ثلاثة من الإيرادات والشُّبه والإشكالات*

الإيراد الأول: حول نسبة الكلام إلى السخاوي. 

قد يقول قائل:

إن عدم وجود النقل عن السخاوي في كتابه جمال القراء، لا يلزم منه القطع بأنه لم يقله،

فقد يكون السخاوي أورده في كتاب آخر غير جمال القراء،

وما دام الأشموني قد عزاه له، فالمثبت مقدم على النافي.

فالجواب: أن هذا الإيراد لا يصح، من وجوه: 

أولًا: إن كتاب جمال القراء ليس رسالة مختصرة، بل هو كتاب جامع، وهو مظنة ذكر بحث الوقوف العشرة لو كان السخاوي ذكرها،

ولا سيما أن السخاوي قسم كتابه إلى بضعة فصول بل كتب كبيرة، وسمى كل قسم باسم خاص يصلح أن يكون كتابًا مستقلًا، فسمى القسم الخاص بعلم الوقوف: عَلَم الاهتداء في معرفة الوقف والابتداء. 

ثانيًا: هب أنه ذكره في كتاب آخر، أفَلم يطلع عليه العلماء، فينقلوه عنه! 

فلو كان قاله لنقله عنه بعض العلماء كتلميذه الإمام أبي شامة، ثم من بعده، إلى ابن الجزري، والزركشي، ثم السيوطي، والشهاب القسطلّاني، وغيرهم،

فكلهم لهم تأليفات واسعة في التجويد وعلوم القرآن والقراءات، فلم ينقل أحد منهم عن السخاوي بحث الوقوف العشرة،

فمن أين للأشموني وهو في القرن الثاني عشر، أن ينقل هذا عن السخاوي، وينفرد عنهم بهذا النقل؟!

ثالثًا: وجدت كلامًا للسخاوي يفهم منه جزمًا أنه لم يقل هذا الكلام المنقول عنه في الوقوف العشرة. 

*فقد قال السخاوي في جمال القراء:*

(وكان شيخنا أبو القاسم الشاطبى رحمه الله، يقف على قوله عز وجل: {أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا}.

وقال العماني: وزعم بعضهم أن الوقف عند قوله: {فاسقا}، والمعنى: لا يستوي المؤمن والفاسق.

قال العماني: وليس هذا الوقف عندي بشيء، والمعنى الذي ذكره هذا الزاعم هو الذي يوجب الوقف على قوله: {لا يستوون}، لأنه لما قال: {أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا} نفى التسوية بينهما، ثم أكد النفي بقوله: {لا يستوون}. اهـ كلام العماني.

قال السخاوي: قلت: وليس الأمر كما ذَكر، وهذا وقفٌ جيد كاف؛ لأنه يدل على كلام مفيد، والذي بعده متعلق به في المعنى.

وهذا معنى الوقف الكافي.

وأيّ فرقٍ بين هذا وبين قوله عز وجل في سورة التوبة: {أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام}،

فقد سوغ العماني الوقف، ثَمّ على قوله سبحانه: {في سبيل الله}.

وإذا جاز الابتداء هناك بقوله عز وجل: [لا يستوون عند الله}، جاز ههنا، ولا فرق).

*انتهى كلام السخاوي.* 

وهو نصّ في أن ما نسبه الأشموني إليه وَهَمٌ،

فالسخاوي ذكر الوقف على قوله: {فاسقا} عن شيخه الشاطبي، وأيده من حيث المعنى، وردّ على العماني،

فلو كان عند السخاوي أن هذا من الوقوف العشرة المنقولة عن النبي وجبريل، لذكره هنا في مَعْرِض الرد على العماني. 

والله تعالى أعلم.

*فائدة:*

ثمة عالمان كبيران مشهوران، كل منهما نسبته السخاوي، وهذا يدخل في باب المؤتلف والمختلف، ويقع لبعض طلبة العلم الخلط بينهما! مع اختلافهما اسمًا ولقبًا وكنية، واختلافهما طبقةً وتخصّصًا.

*فالأول:* صاحبنا الذي تكرر ذكره في هذه الرسائل: 

الإمام المقرئ النحْوي عَلَم الدين أبو الحسن علي بن محمد السخاوي، ولد سنة (558) وتوفي سنة (643)

وهو تلميذ الإمام أبي القاسم الشاطبي. 

من مؤلفاته:

- فتح الوصيد بشرح القصيد، وهو شرح الشاطبية، وهو أول من شرحها. 

- سِفر السعادة وسفير الإفادة.

- هداية المرتاب منظومة في متشابه القرآن. 

- شرح المفصل للزمخشري

- جمال القراء وكمال الإقراء.

*الثاني:* الإمام الحافظ شمس الدين أبو الخير محمد بن عبدالرحمن السخاوي، ولد سنة (830) وتوفي سنة (902)، وهو من تلامذة الحافظ ابن حجر. 

من مؤلفاته: 

- فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي. 

- الضوء اللامع لأهل القرن التاسع. 

- المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهِرة على الألسنة. 

- القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع. 

الحلقة السابقة هـــنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين