الحلقة السابعة من الحوار مع فضيلة الشيخ محمود ميرة

في هذه الحلقة السابعة يحدثنا الشيخ محمود ميرة حفظه الله تعالى عن رحلته إلى الحج بصحبة فضيلة الشيخ أحمد عز الدين البيانوني رحمه الله تعالى بعد تخرجه في المعهد الشرعي عام 1954ثم مداومته في المعهد وعودته إلى الدراسة، كما يتحدث عن بعض شيوخه ومنهم: الشيخ حامد هلال ومحمد نجيب خياطة ، وعن تقدمه لنيل شهادة الثانوية الشرعية ورفض الشيخ طاهر خير الله رحمه الله لقبوله.

_ في عام 1954م تخرجتم في المعهد وذهبتم إلى الحج بصحبة الشيخ أحمد عز الدين البيانوني ، وهي الحجة الأولى لكم . هل تذكرون بعض ذكرياتكم في حجتكم هذه ؟

_ لقد حججتُ بعد تلك الحجَّة أكثر من 20 حجة والحمد لله، لكن ليس هناك حجة تمتَّعت فيها بمثل هذه الحجَّة ، لأنها حوت الاطمئنان والسكون والراحة النفسية ، وكان الشيخ يخدم جميع مرافقيه ، وكان الشيخ أحمد البيانوني يمتاز بهذا ، فكان يؤمِّن طعامنا قبل طعامه ، وراحتنا قبل راحته ، وكانت معه زوجه أم علي ، وهي أخت الشيخ محمد الدباس ، وكان بينها وبين الشيخ أحمد تفاهم عجيب ، وتوجَّهنا صباح الثامن من ذي الحجة إلى منى مشياً على الأقدام ، فَتَعِبَتْ، فاستأجر لها حماراً فركبتْ عليه ، حتى وصلنا إلى منى ، فهي وحدها الراكبة ونحن مع الشيخ كنا نمشي على أقدامنا .

_ هل زرتم أحداً من العلماء ؟

نعم زرنا في هذه الحجة عدداً من العلماء في مكة منهم: الشيخ العلامة السيد علوي المالكي ، وزرنا الشيخ أمين الكتبي وغيرهما ممن لا أذكر أسماءهم .

_ ومن كان المطوِّف الذي نزلتم عنده ؟

_ نزلنا عند مطوف قريب من الحرم اسمه صدقة حمَّادة ، والشيخ لم يكن يهمه أمر المطوف فهو لا يبحث عنه كثيراً لأن حاجتنا إليه للتنظيم والمبيت فقط ، لأن أكثر جلوسنا كان في الحرم، وكان لا يذهب إلى البيت إلا وقت النوم والطعام.

_ لذلك امتازت حجتكم هذه بمزايا عديدة .

_ نعم ، كانت حجَّة أولاً حافظنا فيها على السنن والمندوبات، بل على الهيئات، من حيث الاغتسالات المسنونة ، ومن حيث المواقف والأماكن والزيارات ، فكنّا ننـزل إلى الحرم قبيل الفجر ونعود بعد شروق الشمس وارتفاعها لنفطر ونستريح قليلاً، ثم نعود إلى الحرم قبل صلاة الظهر . وفي أحد الأيام جاء الشيخ إلى الحرم فلم يرني ، فجاء إلى بيتي فرآني مريضا وحرارتي مرتفعة ، وأنا كنت أسكن في المدينة في سقيفة الرصاص، وهي قريبة جداً من باب السلام ، واستأجرنا بيتاً ، وكان الشيخُ مستأجراً بيتا عند رجل من مدينة حلب، اسمه الحاج عبد الله المستت ، وكان الشيخ ينـزل عنده دائماً ، وهو يُخصِّص بيتاً من داره للشيخ ويُكرمه ، وهو من جماعة والده ، الشيخ عيسى البيانوني ، فحملني الشيخ على ظهره ، وأوصلني إلى المستشفى ، وبقي معي في المستشفى ، حتى أفقت وانتظمت حرارتي فلما أَمَّنَ عليِّ، عاد بي إلى البيت ، وبعد العصر قدمت إلى المسجد فرأيته في انتظاري في الروضه فلما رآني استبشر وسُرّ .

_ وماذا بعد حجَّتكم؟.

_ لما عدتُ من حَجّي داومت على المعهد، و رجعت إلى الدراسة، فلما انتهى العام واختبرنا ونجحنا ، اتجهنا إلى بيوت شيوخنا نُودِّعهم ونشكرهم ونسألهم الدعاء بالتوفيق لنا ، وكان من جملة من زرناه شيخنا الشيخ حامد هلال فنصحنا نصيحة مخلص بأن نتابع دراستنا في الجامعة وحثَّنا على ذلك بصدق وإخلاص .

وكان يرافقني في هذه الزيارة بعض رفقائي منهم الشيخ محمد ربيع العطار وأخوه عمر العطار والشيخ مصطفى الأعزازي وغيرهم . والشيخ حامد هلال قال لنا : يا أولادي كل من اشتغل بوظائف الأوقاف انحطت همته ورضي بالواقع، وهذا غير لائق بكم، فأنتم طلبة علم جيدون.وخصنا بنصحه ووجهني أنا وعمر العطار ومحمد ربيع العطار ومحمد الجميلي لمتابعة الدراسة في الجامعة.

_ وماذا كان يُدرسكم الشيخ حامد هلال ؟

_ كان يدرسنا كتاب شرح المغني في النحو لابن هشام .

_ من شيوخكم الذين لم تذكروهم الشيخ محمد نجيب خياطة شيخ قراء حلب رحمه الله.

_ نعم درسنا القرآن الكريم حفظاً وتلاوة والفرائض ، ومن شيوخنا أيضاً: الشيخ عبد الوهاب ألْتُنجي درسنا الفرائض أيضاً ، ودرسنا طريقة كتابة العرائض الإدارية ، لأننا درسنا في منهج الدراسة ثلاث مهن: طريقة كتابة العرائض الإدارية ، وتجليد الكتب ، والضرب على الآلة الكاتبة.

_ هل علموكم مهنة التجليد ؟

_ نعم ، كان كل واحد يختار مهنة فاخترت أنا التجليد.

_ نعود الآن لما قاله لكم الشيخ حامد هلال ؟

_ قال لنا : يا أولادي إذا بقيتم هنا في المعهد، فوظائف الأوقاف محسودة ومحاربة ، وليست مختصَّة بكم ، فلا تنفعكم وظائف الأوقاف ، ووظائف الأوقاف هناك غيركم كثير يستطيع أن يسُدَّها ، لكن نريد أساتذة دين جيّدين ، وأنتم عندكم هذا الفهم ، وشجَّعنا على متابعة دراستنا ، والشيخ رحمه الله لم يرزق بأولاد ، وكان يحب الخير للجميع وهو من العلماء المغمورين ، وكان بيته فوق مكتبة الربيع في محلة باب النصر، وله نافذة ( شبّاك ) من بيته تُطل على ساحة باب النصر.

هل أخذتم بنصيحة الشيخ حامد؟ وكيف تيسر لكم حصولكم على الشهادة الثانوية؟

أقنعنا الشيخ حامد هلال بكلامه، فتقدمنا لنيل درجة البكالوريا الشرعية إلى الثانوية الشرعية في حلب ، وكان مديرها آنذاك الشيخ طاهر خير الله رحمه الله، فقال لي : أنت سنُّك كبير لا نقبلك ، وكنا نَوَدُّ أن نتابع دراستنا في كلية الشريعة بدمشق ولا يمكن قبولنا إلا إذا حصلنا على الشهادة الثانوية العامة ، لأننا لا نُقبل في كلية الشريعة بدمشق إذا لم نكن نحمل (شهادة الثانوية)، وقد تخرّجنا عام 1954 م من معهد العلوم الشرعية في حلب ، وشهادة المعهد لا تُمكِّننا من دخول الجامعة، ولابد من الشهادة الثانوية، والشيخ طاهر رفض قبولنا في الكلية الشرعية في حلب .

هل درسكم الشيخ طاهر فيما بعد؟

درسنا الشيخ طاهر الأدب في السنة الثالثة في معهد العلوم الشرعيَّة ، وهو وعمه الشيخ عبد الله خير الله الذي تقدَّم ذكره كان من الصالحين الأولياء الأتقياء .

_ عندما رفض الشيخ طاهر خير الله ،قبولك في الكلية الشرعية ؟!.

_ حاولت بكل الوسائل لقبولي طالباً في الكلية الشرعية في حلب ووسطت له أكثر من شيخ، لكنني لم أنجح واضطررت عندها بمساعي الشيخ عبد الرحمن كرام رحمه الله لتكميل الدراسة والحصول على الثانوية في دمشق في ( الغراء ) التي كان يديرها الشيخ أحمد الدقر رحمه الله.

وكنت أيام دراستي الشرعية ـ كما سبق أن ذكرت ـ أقرأ على بعض الأساتذة خارج الدراسة وألازم بعضهم منهم : الشيخ عبد الله خير الله ، والشيخ أديب حسون ، والشيخ أحمد القلاش ، والشيخ عبد الفتاح أبو غدَّة ، والشيخ أحمد البيانوني .

وإلى الحلقة الثامنة من الحوار مع الشيخ محمود ميرة حفظه الله، وفيها يحدثنا عن انتسابه إلى معهد الجمعية الغراء بدمشق وعن فترة اقامته في دمشق.

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم

الحلقة السابقة هـــنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين