سورية تناديكم (39) ماذا علينا بعد ثلاث سنوات على الثورة ( إلى كل السوريين ).

 

بعد مرور ثلاثة أعوام على الثورة، لا بد من وقفة تأمل ومراجعة، نعرف من خلالها ما لنا، وما علينا، أين أصبنا، وأين أخطأنا، بروح متجردة، وعقل خال من الأحكام المسبقة، وموضوعية في البيان، تدفعنا لقول الحق، ولو على أنفسنا، دون خوف أو وجل، بعيداً عن الغوغاء والإثارة، والشخصنة والدخول في عالم الكيد، علنا نستطيع وضع النقاط على الحروف، ومن خلالها، نستطيع الوصول إلى بر الأمان، بعد أن تجاوزنا قنطرة جملة من القضايا المهمة والحساسة.

علينا أن نراجع كشوف حساباتنا، وعلى كل المستويات، الثورية منها، والسياسية، والإغاثية، وسائر الجوانب الأخرى، فالمسألة أعقد مما نتصور، وأكبر من فهم بعضنا لها.

( 1 )

بعد ثلاث سنوات من الثورة، يجب علينا شكر، من وقف إلى جانب الشعب السوري، وساند قضيته العادلة ( ومن لا يشكر الناس، لا يشكر الله) ومن بركة كل شيء، نسبة الفعل لفاعله، ولا يعرف الفضل إلا ذو فضل.

شكراً جزيلاً، لكل من قدم لشعب سورية، ولو شيئاً يسيراً، كمشاريع الرغيف والبطانية، مروراً بكل مفردات الدعم والتأييد، إلى أن نصل إلى القضايا الاستراتيجية الكبرى.

والشكر أولاً وأخيراً، وعلى كل حال، لله رب العالمين، الذي بيده كل شيء، وهو على كل شيء قدير. ( لئن شكرتم لأزيدنكم ).

وبالمقابل، يلزمنا أن نقف على حقيقة هذا التخاذل الرهيب، الذي يتعلق بقضية ثورة سورية، ندرس أسباب ذلك ودوافعه، ونقف على حقيقة الأمر بعمق ودراية، من غير عواطف، ولا انفعالات، ثم نحاول وضع النقاط على الحروف، في ايجاد الحلول المناسبة لهذه المعضلة.

ومن ثم لا بد من وضع خطة عمل شاملة، لتحريك الحدث السوري عالمياً، دون إهمال لأحد، عربياً وإسلامياً ودولياً، ويكون ذلك عن طريق لجان متخصصة، كل في مجاله، حتى نعيد للقضية السورية، ما تستحق من عناية على مستوى العالم.

ومعلوم أن القضية السورية، خفت الحماس لها، بصورة نسبية، ووضعها من جديد على رأس القضايا الساخنة، ضروري ومطلوب، خصوصاً بعد هذه التشويهات المتعمدة أحياناً، وغير المتعمدة في بعض الأحايين، أثرت سلباً على نصاعتها وطهرها.

كل هذا يحتاج إلى جهد وعمل، ومن المهم التركيز على دور العلماء والمشايخ، في شرح القضية السورية، ونشر التأصيل الشرعي الذي يغطي هذا الجانب، ليستثمر هذا في خير عائد على الشعب السوري، وثورته المباركة العادلة.

( 2 )

علينا أن ندرك تمام الادراك، أن من أهم عوامل النصر والنجاح، وحدة الصف، واتحاد الكلمة، واجتماع العاملين، وأن الفرقة شر، وهي من أكبر المصائب، التي تواجه المجتمعات والتجمعات، فضلاً عن الثورات، والمشاريع التغييرية الكبيرة.

من هنا كان علينا أن نقف على هذه الحقيقة من خلال سحبها على واقعنا، لنعرف أن هذا من جوانب النقص في ثوارنا وسياسيينا ، وفي كل الجوانب، ولا يجوز أن نكابر في هذا الشأن، لأن معرفة المرض وتشخيصه، هو المقدمة الصحيحة الناجعة للعلاج.

من يستطيع الادعاء بوحدة العمل الثوري، أو الاغاثي، أو السياسي، أو الدعوي والعلمائي، أو سائر الجوانب الأخرى.

ولا نريد أن نجلد الذات، أكثر مما تجلد، ولا أن نقع في دائرة القول المحبط، كلا!! ولكن رغم كل وجوه الإشراق الموجودة هنا أو هناك، لكن هذا الأمر غير كاف، حتى نحقق المراد.

والمطلب العملي، هو المطالبة بوحدة التنسيق والتعاون، لا الاندماج والذوبان مع التشكيلات الأخرى، لأن هذا بعيد المنال، فلا نريد أن نكتب على الماء.

وهناك جهود ناشئة في هذا الشأن، نشد على أيدي أصحابها للوصول إلى نقطة الالتقاء في عالم المرجو، وبهذا نضع أقدامنا على طريق الوصول بسلام وأمان.

( إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص).

( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم، كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).

إذا لم نحقق هذا في واقعنا، فلا يمكن أن يكون هناك نصر، لأن من أسبابه هذا الذي نذكر، وهو من علائم طاعة الله تعالى. ( إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم).

( 3 )

كثر اللاجئون السوريون، الذين دخلوا إلى بلدان الجوار، وغيرها من الأمصار، بفعل إجرام النظام، وبراميله العمياء، وطائراته التي لا تميز بين شيخ كبير، ولا طفل صغير ولا امرأة، والوضع في شكله الحالي، غير مرض، في كثير من مفاصله، وكلنا يعلم أن العدد كبير، وهذا بدوره يضعنا أما مسؤولياتنا في هذه القضية المهمة.

 علينا أن نعتني بهم، من خلال تشكيل لجان عاملة، تهتم بشأنهم، وفي كل الجوانب، ولا يفوتنا هذا، حتى لا يقع ما لا تحمد عواقبه، أو ربما نجني ما نحذر منه في ساعة من ساعات الخطأ والغفلة.

علينا أن نعلم ونوجه ونرشد، ونحل المضلات، ونصلح ذات البين، ونميز بين الغث والسمين، والنظام له اختراقاته الخطيرة، في هذا الموضوع.

ولا بد من أن نذكر بالمستغلين، الذين يملؤون بعض شوارع هذه البلدان، ويشوهون صورة السوريين، وثورتهم وقضيتهم، ويشكلون ضغطاً من نوع آخر، لوجود السوريين في تلك البلاد، خصوصاً من وجود المتبرصين، من معارضين وغيرهم.

فالقضية، من جدول أعمالها، الحقوق والواجبات، والبرامج والاستحقاقات، والأسباب والاحتياجات.

كما لا يفوتنا التنبيه إلى أهمية، التواصل مع الدول، والمؤسسات العالمية حقوقياً وإغاثياً، ليضطلعوا بمهامهم، تجاه هذه القضية الساخنة، حيث تشير التقارير الدولية، إلى أن قضية اللاجئين السوريين، تمثل أكبر كارثة عالمية.

( 4 )

العمل المؤسسي، يدل على النظام، والتنظيم من أسس نجاح أي عمل، وهو سد لباب الفساد، والتسلل المصلحي، وإغلاق لمنافذ، الطمع والجشع، لدى بعض الباحثين، عن لعاعات الدنيا، ووحلها وطينها، دون النظر في المخاطر والنتائج.

 والفردية، والعمل العشوائي، من مقتضيات الفشل، ودواعي التكدس الهدام، حتى لو نجح في جزئية، أو حقق بعض النتائج، في بعض شعب العمل، إلا أنه يبقى ناقصاً ضعيفاً.

وأعظم أسباب غياب العمل المؤسسي، تضخم الذات، وحب النفس، وعشق ما يظن صاحبه، أنه من لوازم السعادة، بينما هو يرتكس في حمأة الضياع.

كما أن غياب العمل المؤسسي، هو الذي أبرز نتوءات الأمراض التي انتشرت روائحها الكريهة هنا وهناك، ذلك أن الشيطان ينسج شباكه، في زوايا الظلمة، ومساحات الإهمال، فتكون الطامة، حيث يقع هذا الصنف الجشع من الناس، في هذه الشباك المزرية، ولو على حساب الدماء والأشلاء.

 وهذا أمر يحتاج إلى معالجة سريعة، بتعاون جميع من لهم الأمر، في هذه الشؤون كلها.

                                      ( 5 )

التركيز على الداخل السوري، وتحقيق اللحمة الوطنية، والنظر في الثغرات المؤسفة، لسد الخلل، وتصحيح الأوضاع، ولم الشمل، وتنظيم الأمور بصورة فعالة، والتواصل مع الناس، لحل مشكلاتهم، وتلمس همومهم، ودعوتهم للخير، ففي الداخل السوري، كارثة لا نظير لها ولا مثيل، وعلى الحكومة المؤقتة، حمل ضخم عليها أن تقوم به، سائلين الله لهم العون والسداد والتوفيق والنجاح، بما يخدم هذا الشعب، حتى يحقق أهداف هذه الثورة.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين