عبادات القلوب -1-

 

الحمد لله وكفى وسلاما على عباده الذين اصطفى و الصلاة والسلام على من لا نبي بعده و الآل والصحب ومن والاه

العلماء يقسمون العبادة إلى أقسام :

 

الأول: عبادات قلبية .

الثاني: عبادات قولية .

الثالث: عبادات بدنية .

الرابع:عبادات مالية تؤدى بالمال .

 

العبادات القلبية: هي أعظم وأخطر العبادات فعمل القلب هو الاعتقاد مثل أن أقول:  أعتقد بقلبي أن الله واحد لا شريك له , وأن الله سبحانه وتعالى على العرش استوى، وكذا الإيمان بأي صفة من صفات الله سبحانه وتعالى.

ولا ينبغي أن نلتفت لقول بعض الجهلاء الذين يقولون:                 لا عبرة بموضوع التوحيد , لأنه يفرق المسلمين ، وأن التوحيد عبارة عن كلام نظري لا يترتب عليه عمل , وقد جهل هؤلاء أن مسائل التوحيد يترتب عليها أعظم العمل ، ألا وهو عمل القلب الذي هو أصل أعمال الجوارح كلها، والتوحيد هو تطهير للقلب من الشرك الذي هو نجس , كما قال الله عز وجل:  (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ)( التوبة:28 )

هل معنى ذلك أنك لو سلمت على نصراني أو يهودي فقد تنجست؟

لا؛ لأن المقصود هو (نجس) عقيدتهم وقلوبهم، فقلوبهم قد تنجست بأكبر نجاسة في الوجود وهي نجاسة الشرك. وبعض المسلمين ((هداهم الله)) يصفون الكفار بالنظافة والنظام، نعم قد تجد عند هذا الكافر شيئاً من النظافة، لكنه منجس بأشنع نجاسة وهي نجاسة الشرك في قلبه، فقد اسودّ قلبه من نجاسة الشرك والكفر بالله سبحانه وتعالى، وأعظم الزكاة للتطهير هي تزكية القلب ,( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ) (الشمس:9-10)              أي: طهر قلبه من درن الشرك والمعاصي ، فأخطر نجاسة هي نجاسة القلب بالشرك ، وأعظم الطهارة هي التوحيد ، وتطهير القلب من الاعتقادات الباطلة وإن محبة الله سبحانه وتعالى من أعظم عبادات القلب، كما قال تعالى:( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا * يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّالِلَّهِ ) (البقرة:165).فالقلب الذي امتلأ بمحبة الله سبحانه وتعالى هو أطهر القلوب ، فلابد من تجريد القلب لله سبحانه وتعالى . قال رجل لأحد العلماء: هل يسجد القلب ؟ قال : نعم يسجد سجدة لا يرفع رأسه بعدها أبداً. القلب إذا سجد لله هذه السجدة فإنها تظل مع المؤمن حتى يموت ، وهي الخضوع لله سبحانه وتعالى والتزام أمره واجتناب مناهيه مدى الحياة .

 

فمن عبادات القلب :

 

1-المحبة لله          2-والبغض في الله         3-التوكل على الله   4-الخوف من الله     5-الرجاء من الله

ومن أعظم الأحاديث التي شملت تقريباً ثلث الدين حديث: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)(البخاري ومسلم)  وهذه النية لا تؤدى إلا بالقلب، فالنية مكانها القلب ولا تؤدى باللسان  إذاً: فاعتقاد القلب والأعمال التي يعملها القلب تدخل تحت مسمى العمل فالاعتقادات الصحيحة عمل مطلوب من الإنسان، ولا ينبغي أن يقال: إن هذه المسائل نظرية ، وإن الصواب الاهتمام بأعمال الجوارح فإن عمل القلب من أعظم الأعمال ، وأعمال الجوارح تابعة لعمل القلب

ولذلك فإن صغائر القلب أخطر من كبائر الجوارح : فالرياء كبيرة ، والعجب والغرور كل هذه المعاصي التي محلها القلب هي من الشرك ، وهي مما ينافي توحيد الألوهية أو توحيد العبادة والقصد لله سبحانه وتعالى |, فتحقيق عبودية القلب تعني كيفية تحقيق القلب لشهادة : أن لا إله إلا الله

 

فلا يحب إلا الله، ولا يخاف ولا يرجو ولا يتوكل إلا على الله سبحانه وتعالى، فإذا وقع في الرياء فقد وقع في الشرك، وإذا وقع في أي نوع من أنواع الإلحاد في الاعتقاد القلبي فقد وقع في الشرك، وإذا وقع في أي عمل قلبي ينافي التوحيد ، فخاف غير الله ، أو توكل على غير الله

فهذا لم يحقق توحيد الله بالعبادات القلبية.

 

أولاً : محبة الله

إن المحبة هي المنزلة التي فيها تنافس المتنافسون، وإليها نظرالعاملون، وإلى عِلمِها شمَّر السابقون، وعليها تفانى المحبُّون، فهي قُوت القلوب وغذاء الأرواح وقرة العيون وهي الحياة التي مَن حُرمها فهو من جملة الأموات , إنها المحبة التي ذهب أهلها بشرف الدنيا والآخرة وقد قضى الله يوم قدَّر مقادير الخلائق بمشيئته وحكمته البالغة، أن المرء مع من أحب، فيالها من نعمة على المحبين سابغة .

حكم محبة الله عزّ وجلَّ : إن محبة العبد لربه فريضة شرعية على كل أحد ، لا يتخلف عنها إلا مظلم القلب عمي البصيرة , قال تعالى  :

(قُل إن كان ءابآؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين( (التوبة24) وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم  قال : (والذي نفسي بيده ، لا يؤمن أحكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين) متفق عليه .

وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه  قال : يا رسول الله  والله لأنت أحب إليّ من كل شيء إلا من نفسي . فقال : (لا يا عمر  حتى أكون أحب إليك من نفسك فقال : والله لأنت أحبّ إلي من نفسي فقال رسول الله  صلى الله عليه وسلم  : الآن يا عمر(  متفق عليه .

محبة الله من علامات الإيمان : عن انس رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال(ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الايمان : ان يكون الله ورسوله احب اليه مما سواهما وان يحب المرء لا يحب الا لله وان يكره ان يعود في الكفر بعد اذا انقذه الله منه كما يكره ان يلقى فى النار) متفق عليه

بشرى وتحذير:  عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم  : (إن الله إذا أحب عبداً دعا جبريل فقال : إني أحب فلاناً فأحبه ، فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء فيقول : إن الله يحب فلاناً فأحبوه ، فيحبه أهل السماء ، ثم يوضع له القبول في الأرض . وإذا أبغض الله عبداً دعا جبريل فيقول : إني أبغض فلاناً فأبغضوه ، قال : فيبغضونه ، ثم توضع له البغضاء في الأرض (متفق عليه .

من هم أحباب الرحمن

المحسنون :   ) وأحسنوا إن الله يحب المحسنين(

التوابون :   (إن الله يحب التوابين)

المتطهرون :   (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين)

المتقون :   ( بلى من أوفى بعهده وأتقى فإن الله يحب المتقين(

الصابرون :   ) وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين(

المتوكلون :  ) فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين (

المقسطون :   ) فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين(

المخلصون في الجهاد :  )إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص( . أعداء الرحمن والعياذ بالله

الكافرون :   ( فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين)

المعتدون :   ( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين (

المفسدون :   ( ويسعون في الأرض فساداً والله لا يحب المفسدين (

الظالمون :   ( فمن عفا وأصلح فأجره على الله إن لا يحب الظالمين(

المختالون و المتكبرون :   (إن الله لا يحب من كان مختالاً فخوراً (

الخائنون :   (فانبذ إليهم على سوآء إن الله لا يحب الخائنين(

المجاهرين بالسوء:(لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم )

المسرفون :   ( وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين)

الفرحون بالمعاصي :   (إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين )

الأسباب الجالبة لمحبة الله سبحانه وتعالى :

1-قراءة القرآن بالتدبر   -   2-اتباع هدي الرسول صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى  :(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ((آل عمران 31)

3-التقرب إلى الله بالنوافل كما في الحديث القدسي: (ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه)  -  4-دوام ذكره سبحانه بالقلب واللسان – 5-إيثار محبته سبحانه على محاب النفس وهواها

6-مشاهدة بره وإحسانه ونعمه الظاهرة والباطنة: قال تعالى: )وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ( )النحل:53(

7-الخلوة به سبحانه وقت النزول الإلهي لمناجاته وتلاوة كلامه ودعائه واستغفاره  (ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجيب له، ومن يسألني فأعطيه، ومن يستغفرني فأغفر له(

مجالسة المحبين الصالحين الصادقين   :  يقول صلى الله عليه وسلم (مثل الجليس الصالح وجليس السوء كمثل حامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك إما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبا ‏ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك أو تجد منه ريحا خبيثا)

 

اللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك وحب العمل الذي يقربنا إلى حبك

اللهم ارزقنا حبك وحب من ينفعنا حبه عندك

اللهم ما رزقتنا مما نحب فاجعله قوة لنا فيما تحب

وما زويت عنا مما نحب فاجعله فراغاً لنا فيما تحب

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين