الدكتور محمد البهي - رحمه الله تعالى – مفكراً ومصلحاً -1-

 

من يَعرف الدكتور محمد البهي رحمه الله تعالى معرفة خِلاط ومُدارسة، لا يمكن أن ينساه، لأنَّه نمط نادر من أنماط الرجولة الأصليَّة، فقد جمع بين بسالة العلم وبسالة العمل، جمعاً مُتوازناً لا يتيسَّر للكثر، بل للقلَّة الممتازة، فهو في مجال الدرس والتحصيل والتعمق النظري قدوة لزملائه ومُناظريه، وفي مجال الإدارة الحازمة – التي تُقدِّر المصلحة العامة دون اعتبار لخصوصيات تفرض نفسها على العدالة المحايدة كي تميل بالميزان عن وجهه المستقيم – يكاد يكون فريداً في بابه، وقد لاقى في تحقيق مَبدئه عنتاً كارباً من الأصدقاء الأدنين فضلاً عن الغُرباء الذين لا يعرفون غير قضاء المآرب وإرضاء الشهوات، وقد اشتدَّ اللغط حوله حين كان وزيراً فمديراً للجامعة، لا لشيء إلا لأنَّ له منهجاً فكرياً يسعى إلى تحقيقه، هذا المنهج لا يشجع الخامل ولا يأخذ بيد المتطفِّل، بل يُلزم كل إنساء بأداء واجبه، عالماً ومتعلماً، أستاذاً وطالباً. 

والواجب العلمي في نظر الدكتور البهي - رحمه الله تعالى - ليس اجتراراً للألفاظ ونقلاً للمفردات المتعالمة، ولكنه ابتكار وإبداع، فإذا لم يتحقَّق هذان، فإخلاصٌ دائبٌ وسعيٌ إلى بلوغ الكمال قدر المستطاع، والرجل نفسه مثل رائع بما قدَّم في ميدان الثقافة الإسلامية الواعية، وكان في طليعة من جمعوا بين ثقافة الشرق والغرب – من مبعوثي الأزهر الشريف – جمعاً مُستنيراً ينفي الدخل وينشد اللباب، وله عين الصقر حين يطالع الافتراءات الاستشراقيَّة في نتاج أساتذة تتَّشح بالبحث لتضلَّ عن سبيل الإسلام فيهجم بمنطقه الفاصل على أراجيف هؤلاء هجوم المتسلِّح بالفكر والعقيدة والذكاء، وقد كتب الله لمؤلفاته الذيوع، فسدَّت مسداً شفى صدور المؤمنين، وألهب حقدَ المرجفين، وسنلمُّ ببعض ما أثمر في هذا المجال، لنقدم الشاهد الصريح.

لقد التحق الطالب الصغير بالأزهر في سن التاسعة، وعُرف بالسبق الظاهر في كل سنواته التعليميَّة، إذ كانت الأولية من نصيبه عن جدارة وكان من أساتذة المعهد الإسكندري من يسهرون الليل في التحصيل ترقباً لأسئلة الطالب العالم في حلقة الدرس، وشاء له نبوغه أن يختصر القسم العالي في عام واحد بدل أربعة أعوام، إذ سمح القانون لمثله أن يتقدَّم للامتحان النهائي وهو في السنة الأولى، فكان مجلياً سابقاً وأحد أربعة من أربعمائة كتب لهم النجاح! وإذا دلَّت هذه النتيجة على وفرة التحصيل وقوة الذكاء فقد دلَّت على بعد الهمَّة وسعة الأمل، هذه الهِمَّة التي جعلته فيما بعد قائد مسيرة ورجل إصلاح وتوجيه.

لقد ظفر الطالب بالعالميَّة النظاميَّة بعد أن دَرَسَ في معهدي (دسوق والإسكندرية) ثم التحق بقسم التخصص ليدرس البلاغة والأدب في سنوات ثلاث، وانتهى من مرحلة الطلب جميعها وهو في الخامسة والعشرين من عمره، ليكون عضواً في البعثة الأزهريَّة التي رصدتها مديرية البحيرة تخليداً لذكرى الإمام محمد عبده، فاتجه في سبتمبر سنة 1931م لدراسة الفلسفة في ألمانيا، ورجع عام 1936م، وقد حصل على الدكتوراه في الفلسفة وعلم النفس بدرجة ممتاز، فاستقبلته كليات الأزهر مُدرِّساً للفلسفة وعلم النفس، والثقافة الإسلاميَّة، ليقدم النموذج الرائع لأستاذ يملك موضوعه العلمي ملك الثرى المفضال الذي ينفق عن سعة وإغداق، عالماً أنَّ ذخيرته لن تنفدَ – بمشيئة الله تعالى – مهما كَثُر البذل وتنوَّع العطاء.

لقد كانت روح الفارس الصوَّال تصحب المبعوث الناهض في قاعات الدرس بألمانيا، فلم يطق الصبر على استماع مُفتريات تُلصق بالإسلام عن مكيدة، وقائلو هذه المفتريات هم أساتذته الذين سيتولون امتحانه وتقدير كفايته العلميَّة، و محاولة الهجوم على آرائهم خطر لا يعبأ به من أخلص قلبه لدينه.. 

وقد استمع البهي - رحمه الله تعالى - إلى آراء أستاذه (لوك) في محاضراته عن فلسفة التاريخ لهيجل فوجد من الأقوال الخاصَّة بالإسلام ما يحتاج إلى تصويب، وكذلك صدم بآراء أستاذه (شتروتمان) التي تنظر إلى الإسلام كما تنظر إلى مُعتقدات البدائيين! 

وهنا أصرَّ البهي - رحمه الله تعالى - على أن يُؤلِّف باللغة الألمانيَّة كتاباً تحت عنوان (رسالة الإسلام بين هيجل ومحمد عبده) وقد اختار الأستاذ الإمام بالذات لأنَّ ما كتبه في الإسلام والنصرانية يصلح رداً شافياً على أخطاء الفيلسوف الألماني الكبير التي عزاها إلى الإسلام، وكان الدكتور البهي - رحمه الله تعالى - لبقاً حين أعلن أنَّ المسيحية لا تؤاخذ بأخطاء المسيحيين، وذكر من هذه الأخطاء ما يعدُّ تحدياً للإنجيل، ذكر ذلك في إسهاب، ليقول: إنَّ أخطاء بعض المسلمين كذلك لا تُحسب على الإسلام، وقد ناقش الفيلسوف في مسائل عدة أهمها: ما توهَّمه من أنَّ الفرديَّة في الإسلام هي العمل للآخرة وحدَها مع الانقطاع عن الحياة، فساق البهي رحمه الله تعالى من النصوص الدينيَّة ومن أعمال الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله عنهم ما يدحض ذلك. 

وإذا كان (هيجل) قد قرَّر اعتماد الإسلام في انتشاره على السيف دون الرأي، فإنَّ المؤلف قد عصف بما قرَّره مُستنداً إلى أقوال المنصفين من أساتذة أوربا أنفسهم، كما أطال الحديث عن دعوى التعصب التي ألصقها الفيلسوف الألماني بالإسلام، فعرض صفحة ناصحة من التاريخ الإسلامي في أزهى عصوره تُكذِّب بالشاهد الملموس ما يُقال عن التعصُّب.

أمَّا تقهقر المسلمين في العصور الأخيرة فقد جاء نتيجة للابتعاد عن تعاليم الإسلام، ولم يجئْ بسبب تعاليم الإسلام كما شاء (هيجل) أن يقول، وبعد أن كشف عن حقيقة ما قاله (هيجل) امتدَّ به الحديث إلى كتاب (الإسلام والنصرانيَّة) للأستاذ الإمام، ليقف في وضع مُقارن بما قاله الفيلسوف وليصحِّح فكرة هيجل حين قرَّر أنَّ قوَّة الإسلام قد اختفت كعامل في قيادة العالم، وهذا البحث المنهجي لا علاقة له برسالة الدكتور الجامعية ولكنه اقتطع من وقته ما يراه ضرورياً، لتصحيح الأفهام الخاطئة المخطئة عن الإسلام، وقد رأينا من أبناء المسلمين من وفدوا إلى أوربا لينالوا الدرجات العلميَّة فسمعوا عن الإسلام أكثر مما سمع البهي رحمه الله تعالى ولكنهم لاذوا بالصمت وفيهم من عَشِيَت عينُه عن الهدى فاعتنق كلَّ فكر مارق، لينال حظوة أساتذته، ولو أردت تسجيل الأسماء لأزعجت جسوماً في لحودها تعبُّ الرقاد.

حين زاول البهي - رحمه الله تعالى - التدريس في الكلية لم يجعل عمله الرسمي وحدَه ميدان تفكيره بل امتدَّ إلى المحيط الثقافي العام في المجلات الأدبيَّة المستنيرة يكتب المقالات الاجتماعيَّة والفلسفيَّة آناً، ويناقش الفكر المخالف لكبار الكتاب مناقشة فاحصة آناً آخر، وله في هذا المجال سبق ظافر، إذ تصدَّى لكثير من الآراء تصدي من يَملك الإقناع الملزم عن كفاءة ذات علم وإتقان. 

ومن يُطالع بمجلات (الثقافة والرسالة والأزهر وجريدة الأهرام) يرى بعض ما نعنيه مما اتجه إليه الباحث في إخلاص يمدُّه البصر الصائب والشمول المتسع لشتى الأنظار، وأذكر في هذا الموضع مناقشته للأستاذين الكبيرين أحمد أمين، وتوفيق الحكيم، إذ كتب الأول مقالاً بمجلة الثقافة عما سمَّاه (الدين الصناعي) فذكر عنه أنَّه كصناعة الحياكة والتجارة وأنه يَلوي الدين الحقَّ ليخدم مصلحة السلطان ومظهره عمامة كبيرة وقباء يلمع وفرجية واسعة الأكمام، وهو نحو وصرف وإعراب وتأويل، وهو تحسين علاقة صاحبه بالإنسان لاستدرار الرزق أو كسب الجاه إلى آخر ما ينحو هذا المنحى. وقد رأى البهي - رحمه الله تعالى - في هذا النمط غلواً يَميل إلى الاستهزاء ولا يبحث عن الحقيقة فكتب رداً يقول فيه: 

ما ذكره الأستاذ على أنَّه مظهر الدين الصناعي ليس صفة عامة في كل بلد يَدين بالإسلام فالعِمَامة الكبيرة والقباء اللامع، والفرجية المتَّسعة الأكمام ليست من مَظَاهر التدين الحقيقي أو الصناعي بين مسلمي الهند أو مسلمي شرق أوربا، ولم أعرف أنَّ النحو والصرف وإعراب الكلام والتأويل رمز العمل الذي يَتناوله محترف الدين أو صاحب الدين الصناعي في أي بلد إسلامي في مصر أو في غيرها من البلدان الأخرى، كما لم أعرف أنَّ الشهادة عنده هي إعراب جملة وتخريج مَتْنٍ وتفسير شرح، ومضى الناقد في رده الحاسم لينتهي إلى قوله: (لم أتبين الظاهرة الاجتماعيَّة التي أراد الأستاذ أن يُعالجها في الدين الصناعي وحدَه، كما لم أنجح في تكوين طابع علمي لمقاله هذا) [مجلة الثقافة، العدد: 25-20/6/1939].

أما الأستاذ توفيق الحكيم فقد كتب مقالاً يَنعي فيه على شيخ الأزهر اعتراضه على تقرير رواية إنجليزية بكلية الآداب تحمل طَعْناً في نبي الإسلام ورأى ذلك امتداد لسلطان الكنيسة في أوربا حين حاربت حريَّة الفكر، وقد وجد الحكيم من يعاضده في اتجاهه؛ لأنَّ الهجوم على الإسلام في منطق هؤلاء آية من آيات التحرُّر الفكري وقد نسوا أنَّ أوربا التي يُقلدونها في كل شيء تافه لا تُوجد فيها جامعة واحدة في غير البلاد الشيوعيَّة تطعن في الدين، ومن المحال أن تقرر رواية ملحدة في جامعات فرنسا وإنجلترا وأمريكا، نسوا ذلك واتجهوا إلى معارضة شيخ الأزهر حين يحاول أن يَعصم الشباب الجامعي من نزق يضرُّ ولا ينفع، وكان الدكتور البهي - رحمه الله تعالى - أحد الذين جَابهوا الحكيم بمقال عاصف قال فيه: 

(من الذي يُقارن مُهمَّة الأزهر في حياته المجيدة التي كلها فخر للشرق بسلطان الكنيسة في القرون الوسطى؟ ومن الذي حدَّثنا أنَّ جامعة كمبردج أو أكسفورد تضع أمام طلابها للنقاش وأمام بحثها العلمي كتاباً أو كتباً تطعن في المسيح من مؤلف شرقي أو غربي؟ 

إنَّ الأزهر لا يطلب سلطان الكنيسة في القرون الوسطى، ولم يطلبه يوماً ما، وإنما يؤدي مهمَّته الروحية فوق مهمته العلميَّة وهي المحافظة على الأمَّة وعلى شبابها المثقفين ليس في منع التهجُّم على الدين فقط بل في ضمان التدين به، وشيخ الأزهر الإمام المراغي لا يحد من حرية البحث العلمي إذا ما حاول أن ينزع الأمة وبالأخص شبابها من تحكم فئةٍ تدَّعي لنفسها من الألقاب الثقافيَّة ما تشاء مُستغلَّة جهلَ الشعب وعدم سمو المستوى العلمي فيه.

وقد اتسعت مجلة الأزهر لمناقشات ممتدة بين (الأستاذ محمد فريد وجدي) و(الدكتور محمد البهي) حول الفلسفة وصلتها بالحكمة، إذ كتب الدكتور بحوثاً عن فلسفة الإغريق جعلها تمهيداً لدراسة الفكر الإنساني في تطوره التاريخي، ورأى الأستاذ وجدي أن يشفع كل قول يوناني بما يردُّ عليه من الفكر الإسلامي المعارض لكثير من الاتجاهات الوثنيَّة. 

والمناقشة في هذا المجال خصبة مفيدة؛ لأنَّ كل مُناظرٍ يرعى حقوق مُناظره ويخيَّل إليَّ أنَّ هذه المقالات لو بُسطت في كتاب ممتدٍّ لجاء دور الفكر الإسلامي فيما بعد مُصححاً ما سبقه من المفاهيم، ولم يقصر الدكتور البهي - رحمه الله تعالى - في هذا المنحى إذ كتب مؤلفاً كبيراً في جزأين تحت عنوان: (الجانب الإلهي في التفكير الإسلامي) فاستقبل الأستاذ محمد فريد وجدي استقبالاً رائعاً حيث بسط عنه حديثاً شافياً قال في مقدمته – [مجلة الأزهر، عدد ربيع الأول سنة 1358هـ ] وقد أشرت إليها في مقدمة كتاب مُناقشات وردود- : 

(هذا كتاب جليل قدره، عظيمة فائدته، طريف موضعه، قام بتأليفه حضرة الأستاذ الألمعي الدكتور محمد البهي - رحمه الله تعالى - مدرس الفلسفة بكلية أصول الدين، واسمه يدل على المجهود المضني الذي يَقتضيه إبراز مثل هذا العمل الفذِّ في اللغة العربية، ومجرد استكمال المراجع العربية التي اعتمد عليها ونقل ملاحظات قيمة منها يدلُّ وحدَه على مبلغ ما عاناه الأستاذ المؤلف من الجهد الجاهد في سبيل إقامة هذا الصرح الفلسفي في أدقِّ المواضيع وأحوجها للعناية والتدقيق، إذ يعرض موقف فلاسفة المسلمين في الشرق من التراث العقلي الإغريقي فيما وراء الطبيعة. ولأجل الوصول إلى هذه الغاية جعل يذكر آراء المدارس الفلسفية، ويوضح أنَّ رأيهم في تصورهم الوجود وتصويرهم له يتمثَّل في التوفيق بين الدين والفلسفة أكثر من أن يُعبِّر عن بناء جديد في التفكير الفلسفي فيما وراء الطبيعة، ثم قال الأستاذ محمد فريد وجدي في نهاية المقال: 

(هذا خضم مُتلاطم الأمواج، من البحوث استطاع ممثل النبوغ الأزهري في الفلسفة الحديثة أن يحصره في 293 صفحة حافلة بالنظريات القيِّمة والتعليقات الثمينة فنثني على مؤلفه النابغة أطيب الثناء أكثر الله من أمثاله في النبغاء) [مجلة الأزهر، عدد محرم، سنة 1367هـ].

وكلمة (ممثل النبوغ الأزهري) صادفت موضعها حين وصف بها الأستاذ وجدي صاحب الكتاب، ومن باب العظة النافعة في دنيا الأخلاق الرفيعة أن نذكر أنَّ الدكتور البهي رحمه الله تعالى هاجم آراء الأستاذ وجدي مُهاجمة عنيفة على صفحات مجلة الرسالة من قبل ولم يمنع ذلك مُقرِّظه الكبير أن يقول فيه ما يَعتقد من الثناء الجاد، وهو مثل يحتذى فأين من يَستمع؟

وإذا كان الأزهر يدرس الفلسفة الأغريقيَّة وأثرها في فلاسفة الإسلام أمثال: ابن سينا، والفارابي، وابن رشد، فإنَّ ذلك لم يمنع نقد هذه الفلسفة، بل لم يمنع نقد كثير من الآراء التي اتجه إليها فلاسفة الإسلام حين تشبَّعوا بهذه الفلسفة دون أن يقفوا منها موقف الناقد البصير، وقد ظنَّ كثير ممن لم يدرسوا مَناهج الأزهر أنَّ ما يقال في كلياته ترديد تقليدي لأقوال السابقين، وقد عبَّر عن هذا المنحى سيد قطب - رحمه الله تعالى - حين قال بصدد الفلسفة الأغريقيَّة في خطاب نقدي وجَّهه إلى الأستاذ توفيق الحكيم – مجلة الرسالة 16/5/1949م-:

 (إنَّ فكرة الإسلام الصحيحة الكلية عن الكون والحياة والإنسان هي شيء آخر لم تُصوِّره تلك الفلسفة ولم يتمثَّله الأوربيون، وتبعاً لذلك لم يتمثَّلْه المُحْدَثُون من المسلمين الذين يتلقَّون ثقافتَهم عن الأوربيين، ومالي ألومكم أنتم، والأزهر ذاته لا يُدرِّس في كلياته إلا تلك الفلسفة الإسلاميَّة باعتبارها فلسفة الإسلام).

لم يفت الدكتور البهي - رحمه الله تعالى - أن يعقب على هذا القول بما ينقضه فقد نشر بالرسالة خطاباً للأستاذ سيد قطب رحمه الله تعالى – [مجلة الرسالة، 23/5/1949م]- قال فيه: 

(أود أن أطمئن الأستاذ على أنَّ الأزهر في تاريخه لم يُدرِّس الفلسفة الإسلامية على اعتبار أنَّها تمثل فلسفة الإسلام أو تحكي مبدأ من مَبادئه أو هدفاً من أهدافه، ففي ماضيه كان يحرِّم دراسة النوع الإلهي من الفلسفة الإسلاميَّة؛ لأنَّه كان يرى في هذا النوع انحرافاً واضحاً عن الإسلام. وفي العصر الحديث يدرس الأزهر في كلياته الفلسفة الإسلامية كما يدرس أنواع الفلسفات الأخرى من الإغريقيَّة إلى الدينيَّة في القرون الوسطى، إلى المذاهب الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة المعاصرة على أنَّها اتجاهات للفكر الإنساني في أزمنة مُتعاقبة، وفي بيئات مختلفة، وقد يكون بعضها ترديداً لبعض، ويسعدني أن أُقدِّم له كتابي: (الجانب الإلهي من التفكير الإسلامي) وسيلة يعرف بها هذه الروح في الأزهر).

هذا وأساتذة الفلسفة في الأزهر أمثال الدكتور محمد غلاب، والدكتور محمد يوسف موسى، والدكتور سليمان دنيا، والدكتور محمود حب الله، وغيرهم من الفضلاء ينحون هذا المنحى الحميد فلا ملام.

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. 

 

المصدر: [مجلة الأزهر، السنة السابعة والستون، رمضان 1415 - الجزء 9].