يوم المعتقل الارتري مناشدة وتضامن الاشقاء‎

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف خلق الله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه :

 

الموقف الدولي وحقوق الإنسان في إرتريا

 

إرتريا دولة تقع في شرق افريقيا ، وتطل على أطول ساحل في البحر الأحمر ، وتتحكم على منفذ باب المندب ، وتطل بمرتفعاتها الشاهقة على الجزيرة العربية جنوبا ، وحتى مكة المكرمة شمالا ، وتجاور أحد أكبر البلدان الإفريقية  ( إثيوبيا ) وكان فقدان إثيوبيا لأىَ منفذ بحرى سبب رئيس في تدخلها في شأن هذا البلد حيث قامت في الخمسينات باحتلاله ، وكانت قبل هذا تدبر وتدير جلُ القلاقل التي تعصف بهذا البلد الصغير سواء كان يوم استدعت البرتقاليين الذين احتلوا سواحل ارتريا ، او تواطئهم  لاحقا مع الاستعمار الإيطالي ثم البريطاني .

 

إثيوبيا غسلت قميصها من دم الإرتريين :

 

منذُ احتلت إثيوبيا دولة ارتريا في اواخر الخمسينات سفكت الدم الإرتري أحيانا بأيدي عصابات كانت تديرها ، وكثيرا بأيدي جنودها ومخابراتها ! حيث قامت بإحراق قرى ، ومدن ، وتجفيف وتسميم آبار ، وتصفية النشطاء ، واللجان الشعبية ، والقادة السياسيين ، وأبادت مناطق بأكملها ، وهجرت أهلها إلى خارج ارتريا ، ونهبت كل أموال وممتلكات الشعب الإرتري ، وكان الإمبراطور الإثيوبى ( هيلي سلاسي ) يكرر ويقول { أريد أرضا بلا شعب ) وفعلا تمكنت إثيوبيا أن تبيد وتقتل وتهجر عددا كبيرا من الشعب الإرتري ! وظلت الثورة الإرترية تنادي ، وتصرخ بالإبادة التي يتعرض لها الشعب الإرتري ، ولكن كانت المنظمة الدولية ، والمنظمات الإقليمية تتجاهل هذه الصرخة ، وقد قتل وجرح  الآلاف من الشعب الإرتري ، ولكن لعوامل عديدة نظفت إثيوبيا قميصها من تلك الدماء ، وبما أنها متأكدة لن يستطيع أحد محاسبتها خاضت حرب أخرى بعد استقلال ارتريا ، ولكن هذه المرة وجدت حيلة أخرى وهي أن تمسح دم الإرتريين على قميص الرئيس الإرتري ( إسياس أفورقي ) لأنها تعلم انه فرد مكشوف الظهر حيث تخلى هو عن شعبه وتخلى شعبه عنه .

 

تنظيم الجبهة الشعبية وانتهاكات حقوق الإنسان :

 

عندما تأسس تنظيم ( الجبهة الشعبية لتحرير ارتريا ) في سبتمبر عام 1975م نهج نهجا تنظيميا محكما حيث اتخذت قيادته نظم إدارية غاية في الشدة والانضباط سواء كان وسط الجنود أو الأجهزة الأمنية ، أو حتى مع الشعب العادي ولجانه ومؤسساته الاجتماعية ونظمه القبلية ، وكان شعار هذا التنظيم عند طلب تنفيذ الأوامر عبارة غريبة تعبر عن مدى استخفافهم بعقول ومشاعر الناس وهي ( نفذ ثم ناقش ) ! وكان كل من يرغب في مناقشة أي أوامر يؤمر بها يتعرض الى السجن ، والأشغال الشاقة ، والى التصفية الجسدية أحيانا ! ولكن تغاضى الشعب الإرتري عن كل هذا العنف والاستبداد ، وسكت عن تلك التصفيات حتى لا يقعدهُ الخلاف عن مهمته الكبرى وهي :  استقلال إرتريا  ، ونيل الحرية ، وتحقيق الكرامة ، والتمتع في وطن تصان فيه حقوق الإنسان الإرتري وتحقق فيه كرامته .

 

الحكومة الإرترية وسجلها في قضايا حقوق الإنسان :

 

تم تحرير كامل التراب الإرتري في يوم 24/مايو / 1991م ، أعقبه في عام 1993م تنظيم استفتاء شعبي أشرفت عليه الأمم المتحدة وراقبته منظمات دولية وإقليمية أفضى الى نيل ارتريا استقلالها وحريتها وذلك بعد حقب طويلة من الحروب وانتهاكات حقوق الإنسان ، وكانت لحظة رفع علم ارتريا بجانب أعلام العالم ( لحظة عاطفية عاصفة ) امتزجت فيها دموع الفرحة ، والذكريات الأليمة معا ، وخاصة لكل إرتري قد تعرض لقتل أهله ، وإحراق بيته ، ومصادرة ممتلكاته ، وتهجيره خارج ارتريا ! حيث اصبح لاجئا مشردا ذليلا .

 

الكثير من الإرتريين الذين كان ذووهم قد تم إخفاؤهم في مرحلة النضال على يد الثوار من تنظيم الجبهة الشعبية ينتظرون الإفراج عن ذويهم ولكن كانت المفاجئة أن هؤلاء الرجالات الذين كان أغلبهم من المناضلين واللجان التابعة لتنظيم الجبهة الشعبية نفسه ، أو ممن كانوا منتمين لتنظيمات أخرى مثل ( جبهة التحرير أو حركة الجهاد الإسلامي الإرتري أو تنظيمات أخرى ) لم يظهر أحد منهم ، ولم يستطع ذووهم حتى من الحصول على أي إجابة ما إذا كانوا على قيد الأحياء أم تمت محاكمتهم بالسجن المؤبد أو القتل ، أو التصفية ! وطرقت هذه الأسر كل أبواب الحكومة المؤقتة ولكن لم يستطيع أحد أن يعترف بوجود هؤلاء المعتقلين أصلا دعك من معرفة مكانهم ! وهذه كانت أول صدمة تلقاها الشعب الإرتري ، ولا يعرف عدد هؤلاء ولكنه يقدر بالمئات ومن مختلف الفئات .

 

الجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة :

 

بعد الاستقلال عقد تنظيم ( الجبهة الشعبية لتحرير ارتريا ) مؤتمره الثالث في محاولة منه الانتقال من مرحلة الثورة بكل عنفوانها إلى مرحلة الدولة المرنة ، واتساقا مع هذا المعطى تم تغيير التنظيم الثوري إلى حزب سياسي حمل اسم ( الجبهة الشعبية للعدالة والديمقراطية ) ولكن للأسف كانت الفرحة التي لم تتم حيث تحولت بين عشية وضحاها العدالة إلى المظالم ، والديمقراطية إلى الاستبداد ، ففي يوم 17/07/1991م قامت قوات الأمن الإرتري بخطف القاضي الإرتري/ محمد مرانت نصور ... وهو رجل عرف بمقاومته المستعمر الإثيوبي في جميع مراحل حياته ، وكان قد خرج من سجن المستعمر الإثيوبي قبل ايام قليلة من الاستقلال ، وكان اعتقاله صدمة كبيرة في أوساط الشعب الإرتري ... ثم تواصلت الاعتقالات منذُ ذلك التاريخ حتى شملت الاعتقالات في عام 1994م جميع المدن الإرترية ، وكانت أغلبها ضد العلماء ، والمشايخ ، ووجهاء المجتمع ، ثم طالت بعد ذلك جميع شرائح المجتمع مسلمين ومسيحين ، وجنود ، وعمال ، وفلاحين ، وحتى وزراء في وزارات سيادية ، وضباط في مواقع حساسة ، وفنانين ، وعمد ، وطلاب جامعات .

 

الخدمة العسكرية سوط من نار :

 

فرضت الحكومة المؤقتة على الشباب الإرتري خدمة إلزامية غير محدودة المدة ! من خرج اليها مفقود ومن عاد منها مولود ..فبعض الطلاب الذين أجبروا على أداء واجب الخدمة العسكرية في عام 1997م  مثلا مازالوا حتى يومنا هذا في الخنادق وهم في الأصل كانوا طلابا ، والجندي الذي قاتل مدة ثلاثين عاما قبل الاستقلال مازال في نفس الخندق بعد الاستقلال ! لم تكتف الحكومة الإرترية بهذا بل بدأت في ظل صراعات بين جنرالات الجيش في ( عسكرة المجتمع الإرتري ) حيث فرضت على كل مواطن أن يحمل السلاح ، ولم يستثن من هذه الخدمة حتى الإناث ! والغريب في الأمر تقوم الحكومة بحملات تجنيد كل فترة حيث تأخذ الناس من مزارعهم ، وحقولهم ، وبهائمهم ، ومدارسهم ، ووظائفهم حتى أصبح كبار السن تطالهم تلك الحملات .

 

الاستهتار بأرواح الشعب الإرتري :

 

في تقرير صدر من لجنة التقصي لحالة حقوق الإنسان في إريتريا والتابعة لمفوضية الأمم المتحدة والذي وقع في 484 صفحة "خلصت اللجنة فيه إلى أن انتهاكات ممنهجة وجسيمة أرتكبت ومازالت ترتكب في إريتريا تحت سلطة الحكومة."

 

واتهم المحققون في جنيف النظام الإريتري بارتكاب إعدامات تعسفية وتعذيب ممنهج، تضمن الاغتصاب أيضا، مشيرين إلى توفر أدلة ترتقي الى{  أركان الجرائم ضد الإنسانية}  وجاء في تقرير اللجنة أن معظم الإريتريين يرون أنفسهم في مواجهة مع أزمة مميتة .

 

حيث المخاطرة بأرواحهم بدافع اليأس عن طريق الفرار عبر طرق مميتة في الصحراء، وفى مناطق تنتشر فيها عصابات الإتجار بالبشر ، وذكر التقرير ان الرئيس أفورقي يعتمد على جهاز استخبارات غاية في العنف والشدة.. .

 

وكان مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قد عين مقررا خاصا لإريتريا في دورته العشرين في المجلس، والتي انتهت      يوم 6 يوليو/تموز  2012م وكان قد قدم مشروع القرار كل من الصومال ، وجبوتي، ونيجيريا ، ودعمته عدد من الدول الإفريقية ودول أخرى ، وكانت الأخبار السارة لدعاة الحرية في إرتريا أن قام مجلس (حقوق الإنسان ) بتبني ذلك القرار بالإجماع في دورته العشرين .

 

وقد قام المجلس منذ ذلك الوقت بمتابعة ملف حقوق الإنسان في إرتريا ، ولما رفضت الحكومة الإرترية بالتجاوب مع اللجنة الخاصة بهذا الملف ! قامت اللجنة بجولة وسط الإرتريين في المهجر وقابلت مئات الضحايا الذين غادروا إرتريا فرارا من الاضطهاد الذي تعرضوا له ، وقد انزعج النظام الإرتري من الإدانات المتتالية حتى أنه قام في الاشهر الأخيرة بحملة مضادة حيث بدأ بإجبار المواطنين الذي يحتاجون الى خدمته بالتوقيع في ورقة ( منح شهادة براءة ) للحكومة الإرترية من كل جرائمها ، وقد قوبل هذا الطلب من قبل الجاليات الإرترية في الخارج بالرفض ، والتهرب ، والمماطلة .

 

الإرتريون مصممون على نيل كرمتهم :

 

قبل أربع سنوات قامت حملة شعبية من قبل بعض النشطاء في مجال حقوق الإنسان ، وقد أطلقوا على تلك الحملة اسم ( لن ننساكم يا أحرار ) وحدد لتلك الحملة تاريخ / 14من إبريل في كل عام ، وكان سبب اختيار هذا التاريخ أن الاعتقالات من قبل النظام الإرتري بدأت في هذا اليوم من عام 1992م ثم تبعتها حملات أخرى اضخم منها في عام 1994م ، وقد شملت تلك الاعتقالات علماء ، ودعاة ، ومشايخ خلاوي ، ومدراء معاهد إسلامية مما تسبب في شلل المرافق الإسلامية ، وتعطيل رسالة المعاهد و الخلاوى ، بل تم إغلاق أغلب المعاهد الدينية ، وبدأ مسلسل السخرية من المتدينين ،و اتهامهم بالإرهاب ، والتضيق عليهم عموما حتى أصبح وجودهم في دولاب الدولة أقل من 5% مع أنهم غالبية السكان . بل تعدى الأمر إلى أن تمس تلك النار فيما بعد شركاء الوطن من المسيحيين حيث أصبح اليوم الجميع ضحية للاستبداد الأعمى الذي لا يهمه إلا مصالحه الذاتية ! كانت هذه الأسباب السابقة هي الدافع الأساس للشباب الإرتري لتبني تلك المبادرة الشعبية ، وقد انتقلت الحملة هذا العام لمستوى أكبر من مساحة دائرة وسائل التواصل الاجتماعي إلى مخاطبة المنظمات الحقوقية ، وإقامة ندوات خاصة ، ومخاطبة الإعلام الفاعل ، وقد وجدت الحملة تجاوبا من كثير من هذه الجهات المهتمة ، وهي في حاجة أكبر إلى تسليط الأضواء الإعلامية في هذه المعاناة التي طالت حتى امتدت لأكثر من عشرين عاما .

 

الحالة الإرترية الحالية :

 

إرتريا اليوم دولة معزولة تماما عن العالم حيث تجهل ما يدور حولها ، ويجهلها من حولها ! يسيطر عليها حزب واحد يمتلك صحيفة واحدة ، وقناة واحدة وراديو  واحد ، ويتحكم في إرادتها رجل واحد اسمه ( إسياس أفورقي ) كل مشكلة ينتهي حلها الى مكتبه ، وكل قرش في البلد يدار عبر مكتبه ، والعلاقات الخارجية والإعلام والجيش والأمن يدار عبر مكتبه ، لا يوجد في ارتريا انترنيت إلا في أماكن محدودة ،ولا يسمح امتلاك شريحة تلفون إلا بعد إجراءات معقدة ! أما للزائر فهو ممنوع نهائيا ،  والجامعة الوحيدة قسمت الى كليات ضعيفة ، والتعليم الأساسي يتم باللهجات المحلية ، ولا يستطع مواطن في هذا البلد أن يفتح فمه وإلا أصبح بعد دقائق فقط مصيره مصير بقية الآلاف الذين تم خطفهم منذ سنوات عديدة من غير أن يعرف مكانهم أحد .

 

تعقد الحملة الشعبية لمناصرة المعتقلين هذا العام تحت شعار ( المعتقلون الإرتريون ضميرنا المغيب ) ، وقد وجهت اللجنة المشرفة على الحملة نداءً لجميع الجهات الحقوقية والإعلامية وجميع الاحرار في العالم بالاهتمام بالشعب الإرتري المنسي وخاصة ملف حقوق الإنسان الذي يعتبر من أسوأ الحالات الإنسانية في العالم حيث بلغ الحال بأهالي الضحايا ان تتحول أمنياتهم فقط الى أن يسمعوا خبرا عن ذويهم يخبرهم بأنهم حكم عليهم بالمؤبد او الإعدام لعل هذا العذاب يكون أهون عندهم من نار الانتظار التي ظلت تحرق قلوبهم كل هذه السنوات العجاف .

 

ويمكن التواصل مع اللجنة المنظمة عبر الوسائل الآتية :

 

[email protected]

 

 

محمد جمعة أبوالرشيد

كاتب إرتري مقيم في بريطانيا

[email protected]

حساب الحملة في الفيس هو

er.prisonerday14april

,وتويتير erprisonerday14

From: [email protected]

To: [email protected]

Subject: يوم المعتقل الارتري مناشدة وتضامن الاشقاء

Date: Mon, 21 Mar 2016 18:14:19 +0300

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين