سالني بعض الأحباب الكرام: السؤال التالي:
عندما نذكر صيام عاشوراء نقول: أن النبي صلى الله عليه وسلم وجد بعض يهود قبل وفاته بسنة يعظمون صيامه، ومن المعلوم أن جلاء بني قريظة تم يوم الاحزاب وكانوا اخر فئات يهود جلاء سبقهم في الجلاء بنو النضير وبنو قنيقاع فكيف بقي اليهود الى نهاية حياته؟
الجواب: نعم صحيح، فقد روى مسلم عن ابن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال : حِينَ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ قَالَ فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
هناك عدة نقاط لابد من بيانها ليتضح الأمر:
عندما وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى موطن قبيلة بني عمرو بن عوف ومكث عندهم كما روى البخاري بضع عشرة ليلة، أسس في قباء أسس بناء المجتمع، على عدة أسس، ومن هذه الأسس صحيفة المدينة التي تبين لنا الفئات التي شكلت نسيج المجتمع المدني، وعند دراسة هذه الوثيقة دراسة متأنية يصل الباحث إلى النقاط التالية:
الأولى: أن قبائل يهود كانت تنقسم إلى قبائل يهودية أصلية أي يهود نسبا، وهم: بنو قينقاع ، وبنو النضير، وكانوا حلفاء الخزرج، وبنو قريظة وكانوا حلفاء الأوس.
وهناك بطون عربية تهودت، وتم ذكرهم في صحيفة المدينة، وهم: يهود بني عمرو بن عوف، ويهود بني النجار، ويهود بني حارثة، ويهود بني ساعدة، ويهود بني عبد الأشهل، وغيرهم.
ومصادر التفسير وأسباب النزول تتحدث عن سبب وجودهم أقصد البطون العربية التي تهودت بالتفصيل.
الثاني: أن قبائل يهود عندما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم طلبوا أن تكون المرجعية في شؤونهم إلى التوراة، والضامن لتنفيذها والمرجع في ذلك هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأقرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا أمر ذكره المولى سبحانه وتعالى في كتابه:
وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله.
ولذا عندما زنت منهم امرأة وكانت محصنة، وأتوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لينفذ فيهم الحكم: قال: ماتجدون في كتبكم........ فحكم فيهم بشريعتهم، وليس بشريعتنا، والحادثة في الصحيحين، وهي مشهورة.
الثالث: أنهم عندما نقضت القبائل الثلاثة الكبرى العهد حاكمهم بشريعتهم، وليس بشريعتنا، بموجب العقد معهم، وجعل تنفيذ الحكم لحلفائهم: الخزرج والأوس، وهذا مشهور أيضا,
الرابع: أنه صلى الله عليه وسلم لم يخرج هذه القبائل من المدينة باعتبار دينها، وإنما بموجب القانون، بموجب الاتفاق وهو صحيفة المدينة، فأخرج من نقض العهد منهم، ولذا بقيت في المدينة البطون العربية التي تهودت، فلم يخرجها من المدينة.
وهنا يتبين لنا حديث عاشوراء، ونعرف من المقصود في هذا الخطاب.
وكذلك الحديث الذي ورد : أنه مات ودرعه مرهونة عند يهودي.
وكذا حديث اليهودي الذي كان يتسول في عهد عمر رضي الله عنه ، وغير لك.
وأعلم أنه بعد قراءة هذا النص سينبري من يقول: حول صحيفة المدينة اشارات، وإشارات، وأجيبه بجوابين:
الأول: الإشكال الذي يترتب من عدم وجود صحيفة المدينة أكبر بكثير من التشكيك بها، ولايمكن فهم بناء المجتمع المدني عند الهجرة إلا من خلالها، وإلا فكيف تخضع الأغلبية لحكم الأقلية، وعلى أساس تم الاتفاق على مكانة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند غير المسلمين وهم كثر، وغير ذلك.
الثاني: درس عدد من الباحثين صحيفة المدينة ، درسوها، رواية ودراية، وآخرهم رسالة دكتوراة واضع صورة الغلاف هنا، وبالمناسبة أشكر الأخ الحبيب د. بدر الرخيص الذي تكرم فأهداني نسخة منها.
وكل عام وأنتم بخير
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول