يحبهم ويحبونه – عليه توكلت

 

قال تعالى:[ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَوَكِّلِينَ] {آل عمران:159}.

ما هو التوكل ؟ لماذا يحب الله المتوكلين؟ وما هي فائدة التوكل؟

حقيقة التوكل: هي أن يؤمن العبد ويعتقد اعتقاداً جازما بأن الله تعالى هو المتصرف في هذا الكون، قال تعالى [وَللهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ] {هود:123} فالتوكل إذن عمل قلبي خالص.

وهو الذي يحكم بما يريد سبحانه: [إِنِ الحُكْمُ إِلَّا للهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُتَوَكِّلُونَ] {يوسف:67}  .

وهو وحده الذي يستحق أن يتوكل عليه العباد لأنه الحي الذي لا يموت، [وَتَوَكَّلْ عَلَى الحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا] {الفرقان:58}  ولأنه العزيز الذي لا يغلب، الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء [وَتَوَكَّلْ عَلَى العَزِيزِ الرَّحِيمِ] {الشعراء:217} 

ويكون التوكل على الله تعالى في كل شأن من شؤون الحياة، وهو العبادة الخاصة بالقلب عند الإقدام على كل عمل، بينما تعاطي الأسباب والأخذ بها عمل الجوارح.

قال تعالى في شأن الرزق: [هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ] {الملك:15}  فالمشي في طلب الرزق أخذ بالأسباب، لكن الرزق رزق الله (من رزقه) والإيمان بذلك من التوكل على الله تعالى.

ويخطئ من يظن أن التوكل ترك الأخذ بالأسباب لقوله صلى الله عليه وسلم  "لَوْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّه حَقّ تَوَكُّله لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُق الطَّيْر تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوح بِطَانًا" 

لأن الحديث لا يدل على القعود عن الكسب، بل فيه ما يدل على طلب الرزق؛ لأن الطير إذا غدت فإنما تغدو لطلب الرزق وإنما أراد - والله تعالى أعلم - لو توكلوا على الله تعالى في ذهابهم ومجيئهم وتصرفهم ورأوا أن الخير بيده ومن عنده سبحانه لم ينصرفوا إلا سالمين غانمين كالطير تغدو خماصا، وتروح بطانا، لكنهم يعتمدون على قوتهم وجلدهم ويغشون ويكذبون، ولا ينصحون وهذا خلاف التوكل.

فمَنْ وثق بالله وآمن بقضائه وقدره لم يقدح في توكله الأخذ بالأسباب، بل ذلك موافق لهدي النبي صلى الله عليه وسلم ، فَقَدْ لبس صلى الله عليه وسلم  درعين، ووضع المغفر على رأسه في المعارك، وحفر الخنذق، وتعاطى أسباب الأكل والشرب، وهذه كلها أسباب. وَقَالَ للَّذِي سَأَلَهُ: أَعْقِل نَاقَتِي أَوْ أَدَعهَا؟ قَالَ: "اِعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ" ليبين له أن عقل الدابة لا ينافي التوكل على الله تعالى.

ومحبة الله للمتوكلين لأن التوكل لا يكون إلا مع الإيمان ومرتبطاً به لذلك قال تعالى: [إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ] {الأنفال:2} 

وإذا احتاج الناس للتوكل في شؤون حياتهم فهم في حال الجهاد أحوج، لا سيما إذا ظهر لهم تداعي الأمم وتكالبها عليهم كما هو حال شعبنا السوري الأبي.

ولو تتبعنا آيات التوكل في القرآن لوجدنا كثيرا منها يرتبط بالاعتماد على الله تعالى والتسمك بالحق الواضح الذي لا لبس فيه، قال الله تعالى: [فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّكَ عَلَى الحَقِّ المُبِينِ] {النمل:79}.

فإذا أردت النصر فتوكل على الله، قال تعالى: [إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ] {آل عمران:160} 

وإذا خذلك البشر – وهذا طبيعي - فتوكل على الله: [إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ] {آل عمران:122}.

وإذا أردت السلم – وليس الاستسلام - فتوكل على الله:  [وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ] {الأنفال:61}.

وإذا أعرض الناس وساءك إعراضهم فتوكل على الله: [فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ] {التوبة:129} 

وإذا فسدت أحوال الناس وأردت إصلاحها فتوكل على الله: [إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ] {هود:88}   

وإذا اعتمد المتعدون والظالمون على قوتهم وقوة من يساندهم، فتوكل على الله: [قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ المُتَوَكِّلُونَ] {الزُّمر:38} 

وهكذا نجد أنه لا يوجد أنفع للعبد في دنياه وأخراه من التوكل: [وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا] {الطَّلاق:3}  ? ومن كان الله حسبه وكافيه، فماذا يريد بعد ذلك؟

اللهم اجعلنا من عبادك المتوكلين عليك، أنت حسبنا ونعم الوكيل.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين