يحبهم ويحبونه – رجل قام يتملق مولاه

لجنة تعليم القرآن الكريم

حين يشعر العبد بلذة مناجاة مولاه، وحلاوة القرب منه والأنس به سبحانه، لا يترك فرصة لمناجاة ربه إلا ويغتنمها، حتى يكون وقوفه بين يدي ربه هو الراحة لروحه، والبلسم لقلبه. هذا الصنف من الناس يحبهم الله تعالى، فعن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثَلاَثَةٌ يُحِبُّهُمُ اللَّهُ ، وَثَلاَثَةٌ يُبْغِضُهُمُ اللَّهُ ، أَمَّا الثَّلاَثَةُ الَّذِينَ يُحِبُّهُمُ اللَّهُ : فَرَجُلٌ أَتَى قَوْمًا فَسَأَلَهُمْ بِاللَّهِ وَلَمْ يَسْأَلْهُمْ بِقَرَابَةٍ بَيْنَهُمْ فَمَنَعُوهُ ، فَتَخَلَّفَ رَجُلٌ بِأَعْقَابِهِمْ فَأَعْطَاهُ سِرًّا لاَ يَعْلَمُ بِعَطِيَّتِهِ إِلاَّ اللَّهُ وَالَّذِي أَعْطَاهُ، وَقَوْمٌ سَارُوا لَيْلَتَهُمْ حَتَّى إِذَا كَانَ النَّوْمُ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِمَّا يُعْدَلُ بِهِ ، نَزَلُوا فَوَضَعُوا رُؤُوسَهُمْ فَقَامَ يَتَمَلَّقُنِي وَيَتْلُو آيَاتِي ، وَرَجُلٌ كَانَ فِي سَرِيَّةٍ فَلَقَوْا الْعَدُوَّ فَهُزِمُوا ، فَأَقْبَلَ بِصَدْرِهِ حَتَّى يُقْتَلَ أَوْ يَفْتَحَ اللَّهُ لَهُ . وَالثَّلاَثَةُ الَّذِينَ يُبْغِضُهُمُ اللَّهُ : الشَّيْخُ الزَّانِي ، وَالْفَقِيرُ الْمُخْتَالُ ، وَالْغَنِيُّ الظَّلُومُ" [رواه أحمد وإسناده صحيح].

ذكرت من قبل الصنف الأول.

واليوم أتحدث عن الصنف الثاني، والذي وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (وَقَوْمٌ سَارُوا لَيْلَتَهُمْ حَتَّى إِذَا كَانَ النَّوْمُ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِمَّا يُعْدَلُ بِهِ ، نَزَلُوا فَوَضَعُوا رُؤُوسَهُمْ فَقَامَ يَتَمَلَّقُنِي وَيَتْلُو آيَاتِي).

إنه رجل منعه حبه للوقوف بين يدي الله تعالى من الراحة بعد عناء السفر، لأنه وجد راحته في الوقوف بين يدي الله واللذة في مناجاته، وهي لذة قال عنها أحد السلف: لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف، وقال آخر: مساكين أهل الدنيا خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها. قيل، وما أطيب ما فيها؟ قال: محبة الله تعالى ومعرفته وذكره.

لكأني بهذا الرجل يتمثل قول الله تعالى ووصيته لنبيه صلى الله عليه وسلم: ]فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ ( 7 ) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ ( 8 )[. أي : إذا فَرغت من أمور الدنيا وأشغالها وقطعت علائقها، فتوجه بقلبك كله إلى ما يستحق أن تنصب فيه وتكد وتجهد .. فانصب وقف بين يدي الله مخلصاً له النية والرغبة. مخلصاً العبادة والتجرد والتطلع والتوجه .. «وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ» .. إلى ربك وحده خاليا من كل شيء ، إنه لا بد من الزاد للطريق. وهنا الزاد. ولا بد من العدة للجهاد. وهنا العدة . ولا بد من تزود للسفر وهنا خير زاد.

إن من أدرك أن الزاد الحقيقي الذي يعينه على مشاق السفر ومصاعب الحياة ومتاعبها هو تعلق القلب بالله، والتعبد له سبحانه. وأدرك أن راحة القلب بالطاعة والعبادة والدعاء وقراءة القرآن أولى من راحة البدن بالنوم بعد الجهد والعناء. إن من يدرك ذلك حقيقة لن يكون أبداً ممن إذا فرغوا وتفرغوا من عمل الدنيا ناموا أو لعبوا وأعرضوا عن ربهم وعن ذكره، بل كان كحال هذا الرجل الذي أحبه الله: (فَقَامَ يَتَمَلَّقُنِي وَيَتْلُو آيَاتِي)

اللهم اجعلنا من احبابك وارض عنا يا كريم

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين