يحبهم ويحبونه – رجل تخلف!!

كلما كانت علاقة العبد بربه أقوى، كان أحب إلى الله تعالى، وكلما كان جانب الإخلاص أكبر كان العمل إلى الله تعالى أحب. وهذا ما نجده في هذه النماذج التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم.

فعن أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : "ثَلاَثَةٌ يُحِبُّهُمُ اللَّهُ ، وَثَلاَثَةٌ يُبْغِضُهُمُ اللَّهُ ، أَمَّا الثَّلاَثَةُ الَّذِينَ يُحِبُّهُمُ اللَّهُ : فَرَجُلٌ أَتَى قَوْمًا فَسَأَلَهُمْ بِاللَّهِ وَلَمْ يَسْأَلْهُمْ بِقَرَابَةٍ بَيْنَهُمْ فَمَنَعُوهُ ، فَتَخَلَّفَ رَجُلٌ بِأَعْقَابِهِمْ فَأَعْطَاهُ سِرًّا لاَ يَعْلَمُ بِعَطِيَّتِهِ إِلاَّ اللَّهُ وَالَّذِي أَعْطَاهُ، وَقَوْمٌ سَارُوا لَيْلَتَهُمْ حَتَّى إِذَا كَانَ النَّوْمُ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِمَّا يُعْدَلُ بِهِ ، نَزَلُوا فَوَضَعُوا رُؤُوسَهُمْ فَقَامَ يَتَمَلَّقُنِي وَيَتْلُو آيَاتِي ، وَرَجُلٌ كَانَ فِي سَرِيَّةٍ فَلَقَوْا الْعَدُوَّ فَهُزِمُوا ، فَأَقْبَلَ بِصَدْرِهِ حَتَّى يُقْتَلَ أَوْ يَفْتَحَ اللَّهُ لَهُ . وَالثَّلاَثَةُ الَّذِينَ يُبْغِضُهُمُ اللَّهُ : الشَّيْخُ الزَّانِي ، وَالْفَقِيرُ الْمُخْتَالُ ، وَالْغَنِيُّ الظَّلُومُ" [رواه أحمد وإسناده صحيح].

فقد كان الواجب على هؤلاء القوم أن يجيبوا أخاهم ويقضوا حاجته؛ لأنه سألهم بالله تعالى. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: قَالَ « مَنِ اسْتَعَاذَ بِاللَّهِ فَأَعِيذُوهُ، وَمَنْ سَأَلَكُمْ بِوَجْهِ اللَّهِ فَأَعْطُوهُ »؛ ذلك لأن عظمة الله تعالى في قلب المؤمن تدفعه للعمل لوجه الله وابتغاء مرضاته.

لكنهم لم يفعلوا فقام رجل أحبه الله بعد رأى خذلان قومه للسائل، حركه إيمانه بالله وتعظيمه له، فالسائل يسأل بالله، وهو يريد عطاءه لوجه الله، فتخلف عنهم ، لا ليشمت بالسائل أو يستغل حاجته، فأعطاه بطريقة حقق فيها غايات عدة، أولها: الإخلاص لله في الصدقة، فكان ممن يظلهم الله في ظله: "وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ".

وحقق فيها تعظيم الله تعالى وقد سألهم السائل بالله. وحقق فيه حفظ ماء وجه السائل، إذ يكفيه ذل السؤال.

وما أحوجنا اليوم إلى مثل هؤلاء الذي يلبون احتياج أهلهم وإخوانهم قبل أن يسألوهم، فكيف وقد سألوهم بالله، وما أحوجنا إلى أن نحفظ كرامة الآخذ، فهو آخذ لحقه [وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالمَحْرُومِ] {الذاريات:19}  فلا منة لأحد عليه.

الله ارزقنا حبك ووفقنا لما يرضيك يا رب العالمين.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين