يحبهم ويحبونه – رجل أقبل بصدره

لجنة تعليم القرآن الكريم

حين يدرك العبد واجبه الشرعي في نصرة دين الله، ويجاهد في سبيل الله حتى آخر لحظة في حياته فإنه يكون من الذين يحبهم الله تعالى، فعن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثَلاَثَةٌ يُحِبُّهُمُ اللَّهُ ، وَثَلاَثَةٌ يُبْغِضُهُمُ اللَّهُ ، أَمَّا الثَّلاَثَةُ الَّذِينَ يُحِبُّهُمُ اللَّهُ : فَرَجُلٌ أَتَى قَوْمًا فَسَأَلَهُمْ بِاللَّهِ وَلَمْ يَسْأَلْهُمْ بِقَرَابَةٍ بَيْنَهُمْ فَمَنَعُوهُ ، فَتَخَلَّفَ رَجُلٌ بِأَعْقَابِهِمْ فَأَعْطَاهُ سِرًّا لاَ يَعْلَمُ بِعَطِيَّتِهِ إِلاَّ اللَّهُ وَالَّذِي أَعْطَاهُ، وَقَوْمٌ سَارُوا لَيْلَتَهُمْ حَتَّى إِذَا كَانَ النَّوْمُ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِمَّا يُعْدَلُ بِهِ ، نَزَلُوا فَوَضَعُوا رُؤُوسَهُمْ فَقَامَ يَتَمَلَّقُنِي وَيَتْلُو آيَاتِي ، وَرَجُلٌ كَانَ فِي سَرِيَّةٍ فَلَقَوْا الْعَدُوَّ فَهُزِمُوا ، فَأَقْبَلَ بِصَدْرِهِ حَتَّى يُقْتَلَ أَوْ يَفْتَحَ اللَّهُ لَهُ . وَالثَّلاَثَةُ الَّذِينَ يُبْغِضُهُمُ اللَّهُ : الشَّيْخُ الزَّانِي ، وَالْفَقِيرُ الْمُخْتَالُ ، وَالْغَنِيُّ الظَّلُومُ" [رواه أحمد وإسناده صحيح].

ذكرت من قبل الصنف الأول والثاني، واليوم أجدني عاجزا عن الحديث عن الصنف الثالث: (وَرَجُلٌ كَانَ فِي سَرِيَّةٍ فَلَقَوْا الْعَدُوَّ فَهُزِمُوا ، فَأَقْبَلَ بِصَدْرِهِ حَتَّى يُقْتَلَ أَوْ يَفْتَحَ اللَّهُ لَهُ)  دون ذكر موقف الصحابي الجليل أنس بن النضر رضي الله عنه.

عن أنس رضي الله عنه أن عمه أنس بن النضر رضي الله عنه غاب عن قتال يوم بدر، فقال غبت عن أول قتال قاتله رسول الله صلى الله عليه وسلم المشركين، لئن أشهدني الله قتالا ليرين الله ما أصنع، فلما كان يوم أحد انكشف المسلمون، فقال: اللهم إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء - يعني المشركين - وأعتذر إليك مما جاء به هؤلاء - يعني المسلمين - ثم مشى بسيفه، فلقيه سعد بن معاذ رضي الله عنه فقال: أي سعد والذي نفسي بيده إني لأجد ريح الجنة دون أحد، واها لريح الجنة. فقال سعد رضي الله عنه فما استطعت يا رسول الله ما صنع. يقول أنس: فوجدناه بين القتلى وبه بضع وثمانون جراحة من ضربة بسيف وطعنة برمح ورمية بسهم وقد مثلوا به حتى عرفته أخته ببنانه.

حين يمتلئ قلب العبد بحب الله عز وجل والإيمان به، وتصبح غايته رضى الله تعالى، فإنه لا يبالي أكان الوصول إلى رضوان الله بالموت أو بالحياة، فإحدى الحسنيين لابد سينالها، فإن مات في سبيل الله فهو شهيد، وإن عاش في سبيل الله فهو منتظر لقاء الله ومستعد له، يسعى لرضاه ولا يرجو سواه، فماذا يرجو من الدنيا من يقبل على الموت بصدره، موقنا بأنه العمر محدود والأجل موعود، والإقدام لا يقدم الأجل، والهرب لا يؤخره. وغاية مناه أن يكون في مقام العبودية لمولاه في حياته وموته، متحققا بقول الحق تبارك وتعالى: [قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ العَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ المُسْلِمِينَ] {الأنعام:162-163}. اللهم اجعلنا من أحبابك وارض عنا يا كريم.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين